تعدّ العاصمة الإيرانية طهران مركزًا إقليميًا للأشخاص الذين يسعون إلى تغيير الجنس عبر التدخّل الجراحي، في عملية تعرف باسم عملية "إعادة تحديد الجنس" (sex-reassignment). ومن المعروف في إيران أن المتحولين جنسيًا يعيشون ويعملون ويمارسون شؤونهم اليومية بلا عوائق قانونية، خاصة في حال تعاونهم مع الجهات الطبية المعتمدة ومراجعة الأطباء المختصين، حيث يتم تقديم الدعم لهم في علاجهم الهرموني وصولًا إلى خضوعهم إلى عمليات التحوّل الجنسي في حال رغبوا في ذلك واجتازوا الفحوص النفسية التي تؤهلهم للعملية، وهو ما أهّل إيران لتكون مركزًا لعمليات إعادة تحديد الجنس في العالم الإسلامي.
تعود قانونيّة عمليات تحويل الجنس في إيران إلى منتصف الثمانينات، بعد صدور فتوى من الخميني استجابة لحملة حقوقية لمدافعات عن حقوق المتحولين جنسيًا
وتعود قانونيّة عمليات تحويل الجنس في إيران إلى منتصف الثمانينات، بعد حملة حقوقية لمدافعات عن حقوق المتحولين جنسيًا. والقصّة المعروفة تقول إن إحدى هؤلاء الناشطات، وهي مريم خاتون مولكارا، قد التقت بالخميني شخصيًا، وقصّت عليه معاناتها حين أجبرت على الدخول إلى مصحّة نفسيّة من قبل السلطات، وتم حقنها بهرمونات ذكورية بشكل قسريّ. وقد تفاعل الخميني مع قصتها، وأصدر فتوى تتيح خيار تحويل الجنس للراغبين بذلك، وضمان عدم التدخّل في شؤون المتحولين جنسيًا وضمان حقوقهم وحريتهم في الدراسة والعمل والرعاية الطبية. كما كان الخميني قد أصدر فتوى سابقة لذلك بكثير، تعود إلى العام 1967، حين قرر في منفاه أنه لا مانع شرعيًا يحول دون إجراء عمليات التحوّل الجنسي للأشخاص الذين يولدون بأعضاء تكاثرية ذكرية وأنثوية. إلا أن الفتوى اللاحقة عام 1985 شملت أولئك الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهويّة الجنسية، وهي الفتوى التي تم الاعتماد عليها إيرانيًا من أجل شمول عمليات التحوّل الجنسي للإيرانيين والإيرانيات ضمن نظام التأمين الصحي العام، بعد التأكيد على شرعيتها القانونية.
إلا أن هذا التفهم يقتصر على المتحولين والمتحولات جنسيًا، ولا يسري على ذوي الهويات الجنسية الأخرى، كالمثليين والمثليات، والذين قد يتعرضون لعقوبات وملاحقة قانونية من قبل السلطات في حال التصريح بهويتهم، علمًا أن الرجال المثليين يمكن أن يستثنون من الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك لأن السلطات تصنّف الذين يبدون رغبات مثلية بأنهم مختلون عقليًا، وهم بذلك معفون من الخدمة العسكرية، كما لا يمكن تعيينهم في نطاق واسع من الوظائف الحكومية.
وفي حين أن الإعلام الإيراني يتعامل مع مسألة المثليّة باعتبارها من التابوهات بالغة الحساسية والمحظور الحديث حولها، فإنه يمكن بين الفينة والأخرى أن تتطرق بعض وسائل الإعلام والمجلات إلى مظالم تقع على المتحولين جنسيًا، وقصص عن معاناتهم أو التمييز ضدهم، ودعوة الحكومة إلى تقديم المزيد من الدعم لهم/لهنّ، وهو ما ينعكس كذلك في بعض الأفلام والوثائقيات والأعمال الأدبية، مثل المسرح، حيث يتخصص بعض الكتاب، من بينهم الكاتب الإيراني سامان أراستو، بكتابة مسرحيات عن المتحولين جنسيًا، ويقوم بإخراج هذه الأعمال مسرحيًا مع ممثلين وممثلات من هذه الفئة من المجتمع.
من جهة أخرى، يرى بعض الناشطين أن تشجيع النظام في إيران على عمليات التحول الجنسي وتغطية تكاليفها لا يمكن فصله عن موقفه من المثلية الجنسية وتجريمها، والتي يمكن أن تودي بصاحبها إلى الإعدام. فالمثليون والمثليات في إيران يواجهون ضغوطًا من أجل اللجوء إلى عمليات تحويل الجنس، وفق ما ينصح به الأطباء الذين يتابعون حالاتهم في المستشفيات، حيث يتم إخبار الأشخاص الذين لديهم توجهات مثلية بأنهم قد يكونون متحولين جنسيًا، لا مثليين، إذ لا يتمّ مناقشة خيار المثليّة أصلًا ويتم استثناؤه من اعتبار المعالجين. وقد رأى باحثون بأن فتوى الخميني قد خضعت للتكييف لاحقًا من قبل رجال الدين في إيران، وتوظيف هذه العمليّات الجراحية كأداة رسمية حديثة من أجل تحييد كل ما هو مخالف للمقبولية الرسمية، على مستوى الهوية الجنسية أو المظهر الخارجي، وأداء دور الشرطي الحافظ لهذه المقبولية واستمرار فرضها في المجال العام.
عمليات تحويل الجنس في إيران.. واقع متعدد الأبعاد
قبل إجراء العملية، يطلب من الشخص المتحوّل جنسيًا الخضوع لجلسات تقييم ودعم نفسي مع مختصين، من أجل ضمان أن لا يتطور لديه بعد العملية حالة تعرف باسم "ديسفوريا الجندر" أو "ديسفوريا جندرية"، وهي حالة من اضطراب الهوية الجندرية، والقلق النفسي الذي يلازم الشخص على نحو مرضي بالتباين بين جنسه البيولوجي ونوعه الاجتماعي. ولا يتم إجراء العملية قبل الحصول على تقرير من المختص النفسي بأن الشخص جاهز للعملية. وبحسب تقرير لمجلة الإيكونوميست، فإن نسبة من يحصلون على موافقة نهائية لإجراء العملية بعد إحالة الطبيب المعالج لا تتجاوز 10 بالمئة، وهي نسبة من يتجاوزون التقييم النفسي بنجاح قبل إجراء العملية.
الحياة بعد عملية التحوّل الجنسي في إيران
وعلى الرغم من الفتوى الشهيرة التي تبيح عمليات تحويل الجنس في إيران، إلا أن المتحولين والمتحولات جنسيًا يعانون من وصمة اجتماعية، وضغط أسري، وبعض أنواع التمييز والمضايقات المستمرة. فالعديد منهم يعانون من تبرّؤ أسرهم، كما ينتهي الحال ببعضهم في أعمال غير قانونية. ومع ذلك، فإن وضع المتحولين جنسيًا في إيران يتباين بحسب متغيرات عديدة، من بينها الوضع الاجتماعي والاقتصادي للأسرة، والوضع التعليمي والمهني لمن يخضعون لهذه العملية والدعم النفسي الذي يتلقونه من محيطهم المباشر من العائلة والأصدقاء. فحالة بحسب تقرير لموقع "دويتشه فيله" الألماني ليست سوداوية دائمًا، فالمتحولون والمتحولات جنسيًا، رغم كل التحديات والصعوبات التي تواجههم في إيران، لديهم هامش من الحضور الاجتماعي، ولاسيما في طهران، كما أنّهم قد طوروا مع الوقت آليات للتكيّف والتضامن بحسب المساحات الاجتماعية المختلفة التي يجدون أنفسهم بها.
الفتاة الدنماركية.. أوّل قصة تحول جنسي