هذا المقال مترجم بتصرف من موقع صحيفة "غارديان" البريطانية، وهو عبارة عن دروس أكاديمية للروائي كولوم ماكان. اخترنا ألا تكون الترجمة حرفية من أجل قابلية إعادة صياغة الأفكار بالعربية من جديد.
ثلاث قواعد أساسية لكتابة الرواية، لا أحد يعرفها!
صاحب هذه المقولة هو الروائي والكاتب المسرحي الإنجليزي وليم سومرست موم، حيث لا توجد قواعد محددة للكتابة يمكن السير وفقها، وإن وجدت هذه القواعد إنما وجدت لكي تُكسر. إن مهمة الكاتب هي إعادة صنع اللغة من جديد وإعادة صياغتها والوصول إلى أشكال أخرى من الجمل والتركيبات اللغوية البسيطة والمعقدة، يمكن كسر كل القواعد المفروضة بشرط معرفتها أولًا، يمكن الخروج عن الإطار الرسمي لشكل المقال المعروف، أو الخروج عن الهيكل المفروض لشكل الرواية وحبكتها، يمكن للكاتب كسر أي قاعدة موضوعة، بشرط أن يتعلم القاعدة في البداية ويكسرها عن قصد، لا أن يكسرها عن جهل.
فوبيا الكاتب من الصفحة البيضاء
هذا النوع من الخوف والرهاب الذي يتملك كل كاتب، الخوف من شكل الصفحات الفارغة من تلطيخ الحبر، الخوف من عدم القدرة على الإنتاج والكتابة، كأن يجلس الكاتب يوميًا على مكتبه يكافح من أجل التقاط فكرة جديرة بالمناقشة والكتابة عنها، يناضل من أجل تلطيخ مدونته بالكلمات، يحارب ألا يترك مكتبه إلا فائزًا، لن تهزمه مجرد صفحة بيضاء تافهة.
نصيحة للكاتب: كلمات بسيطة خير من صفحة خاوية، وكلمات ساذجة خير من لا شيء
يسعى كل كاتب نحو الالتزام والتمرس اليومي، يشعر بالفشل والخوف عندما تنتابه حالات الإرهاق الذهني والعقلي وعدم القدرة على إنتاج أفكار جديدة، لا تجعل هذه الحالة تتملك منك أو أن تصدقها، التزم بمكانك المعتاد الذي تجلس فيه أثناء كتابتك، لا تشتت ذهنك بأي شيء كأن تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو بريدك الإلكتروني، أو تذهب بنظرك بعيدًا متأملًا فيما حولك، ركز على المحاولة ولا تشتت نفسك أكثر، ولا تنهض من مكانك إلا وقد سطرت بعض الكلمات حتى وإن كانت كلمات قليلة وبسيطة وساذجة.
اقرأ/ي أيضًا: لعنة كاساندرا.. طرق جانبية للحياة
الهدف هنا هو محاربة خوفك من مظهر الصفحة البيضاء، فصدقني كلمات بسيطة خير من صفحة خاوية، وكلمات ساذجة خير من لا شيء، وعندما تنتهي يمكنك أن تمسح كل ما كتبت أو أن تمزقه وتلقيه في القمامة، المهم أنك انتصرت في النهاية وكتبت بعض الأشياء.
وهناك رأي آخر يقول أن محاولة إجبار العملية الإبداعية هو أمر سيئ ونتيجته رديئة، ولا يجب إجبار عقلك على إنتاج أفكار إبداعية في الحالة التي يرفض فيها ذلك، فالأمر في النهاية يعود إليك وإلى تفضيلاتك الشخصية، هل تفضل رؤية الصفحة البيضاء بدلًا من إجبار عقلك لإخراج بعض الكلمات أم العكس؟
لا تُلقِ أفكارك دفعة واحدة
هناك نصيحة تقول أنه من الجيد ألا تُلقي بأفكارك دفعة واحدة في بداية قصتك أو مقالك أو روايتك، أو أيًا كانت مادتك الأدبية، فسطرك الأول ما هو إلا كخطوتك الأولى في السير، يجب أن تتبعه خطوات تالية عديدة ولا تتوقف إلا في المكان المناسب، فلا تكشف عن أفكارك في اللحظة الأولى، اجعل الأمر مثيرًا، فلو كنت تتحدث عن جريمة قتل داخل منزل ما، فلا تقفز نحو النتيجة مرة واحدة لتكشف لنا القاتل، فلتعطِ مساحة كافية للخيال كي يعمل، صف لنا المنزل من الخارج والداخل، ما شكله، ما لونه، أين يقع بالتحديد، من يسكنه، ومن يُحتمل أن يتورط في الجريمة، شارك القارئ ما تراه وما يدور في خلدك، ولا تُعطه الحل كوجبة جاهزة، بل اجعله يشاركك في مرحلة التجهيز.
صعوبة اختيار الموضوع المناسب للكتابة
الكاتب هو عبارة عن مستكشف أدبي، يسعى لفتح مناطق جديدة في العقل وخلق حالة من الغموض والشك والتساؤل حول الموضوع المطروح، يسعى إلى حالة من الجدل تفيد في إثراء الفكرة. القاعدة تقول، لا تكتب عمّا تعرفه، بل عمّا لا تعرفه، ويأتي السؤال هل من الممكن أن نكتب عمّا لا نعرف؟ بكل تأكيد وإلا ما عرفناه قط، يمكن الكتابة حول الأفكار الغريبة التي تجول بصدورنا أو التساؤلات الفلسفية التي تطرق أبواب عقولنا، أو كل ما لا نستطيع الإجابة عنه في الوقت الراهن، نكتب عنه ونطرحه للنقاش باحثين عن إجابات حقيقية يشاركنا فيها القارئ، وهذا الأمر هو الذي يدفع الكاتب نحو التطور الحقيقي، فيقول الكاتب الأمريكي كورت فونيجت في هذا الصدد، يجب أن نستمر في إلقاء أنفسنا من فوق المنحدرات العالية حتى نتعلم كيفية الطيران.
أين يجد الكاتب ضالته؟
مرحلة البحث هي أهم مرحلة قد يمر بها الكاتب، وهي المرحلة التي تسبق الكتابة الفعلية، أن يبحث الكاتب عن الموضوع المنشود بحثًا عميقًا، يقرأ الآراء المتضاربة، ويعرف الأفكار المتعارضة، ليخرج في النهاية برأيه الشخصي.
وقد لا يكون البحث عن موضوع بعينه، وإنما بحثًا عشوائيًا، فالكاتب الجيد هو قارئ شره بالضرورة، فالقراءة الكثيرة تفتح الشهية للكتابة وتفتح آفاقًا جديدة للعقل، وتجعل الكاتب يمتلك معرفة موسوعية عن موضوعات مختلفة ومتنوعة، حتى تلك البعيدة كل البعد عن مجالات دراسته واهتماماته وحياته الشخصية ومكان وجوده الجغرافي، فمن الواجب أن تقفز الكتابات فوق مفاهيم الحدود والجغرافيا والآنية والأفق الضيق في حياتنا اليومية.
هناك أشياء كثيرة من المستحيل أن تتعلمها من دون الاستعانة بالكتب
والمقصود بالبحث هنا، ليس أن تجلس أمام حاسوبك وتضع الكلمات على "غوغل" وتضغط زر البحث، بالتأكيد محرك البحث مفيد للغاية لتوسيع الإدراك ويساعد في الوصول إلى المعلومات المرادة بسهولة، ولكن الأمر أكثر عمقًا وتعقيدًا من ذلك، فهناك أشياء كثيرة من المستحيل أن تتعلمها من دون الكتب.
اقرأ/ي أيضًا: وحش "الكلام الفارغ".. أو لماذا صرت أخاف من الكتابة
بدأ الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو، الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1998، خطابه أثناء استلام الجائزة قائلًا "إن الرجل الأكثر حكمة الذي قابلته في حياتي، كان لا يعرف القراءة والكتابة"، يقصد بذلك جدّه الذي تعلم منه الكثير من الأشياء المتعلقة بالحياة وطبيعة الإنسان، هذا هو القصد أن تختلط أكثر بالمجتمع من حولك، تدير المناقشات والجدالات اليومية، تتعلم كيف تستمع إلى الآخرين لا أن تكون دائمًا الشخص الذي يلقي عليهم نصائحه، تركز في التفاصيل اليومية لكل ما يدور حولك.
هذه التركيبة والخليط بين الواقع الذي تحياه والواقع أو الخيال الذي تقرأه كل يوم في الكتب وعلى مواقع الإنترنت هو ما يُشكّل وعيك وأفكارك في النهاية، ويوسّع مداركك وأفكارك ويجد الثغرات في عقلك لزرع فكرة جديدة تمكنك ككاتب من طرحها في شكل جديد مليء بالتساؤلات.
اقرأ/ي أيضًا: