13-أغسطس-2024
الحرب في السودان

مقاتلون متحالفون مع الجيش السوداني بالقرب من خط المواجهة بأم درمان (وول ستريت جورنال)

دمر الصراع الدائر في السودان منذ منتصف نيسان/أبريل 2023، أجزاءً كبيرة من العاصمة الخرطوم، التي كانت تعد واحدةً من أكثر المدن اكتظاظًا بالسكان في إفريقيا، حيث كان يقطنها تسعة ملايين نسمة تقريبًا، وكانت تضم الوزارات والبنوك والشركات التي تشكل عصب الحياة السياسية والاقتصادية في السودان، وفقًا لتقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

تقول الصحيفة، اليوم، يقوم الجنود المسلحون ببنادق كلاشينكوف، بعضهم يرتدي قمصانًا عادية ونعالًا، بدوريات بين المركبات المحترقة، فيما يقطع صوت إطلاق النار الهواء، ويشير الجنود إلى استخدامهم الأغطية لوضعها كعلامات على قبور خصومهم القتلى، وهم يسيرون بحذر فوق قطع الملابس الملطخة بالجثث المتحللة، فيما تنتشر على الأرض آلاف الفوارغ المعدنية للرصاص والذخائر.

ونقلت الصحيفة عن أحد الضباط عند سؤاله عن عدد الجثث التي استعادها رفاقه من هذا التقاطع في مدينة أم درمان، قوله: "حوالى 370 جثة"، حيثُ كان هذا التقاطع، قبل أسابيع قليلة فقط، موقعًا لمعركة رئيسية في الحرب التي مزقت البلاد طوال 16 شهرًا، ما أدى إلى دمار ثالث أكبر دولة في إفريقيا.

يشهد السودان اليوم أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض، بما في ذلك منطقة دارفور الغربية

ويشير تقرير الصحيفة الأميركية إلى أن السودان تشهد، الآن، أكبر أزمة إنسانية على وجه الأرض، بما في ذللك منطقة دارفور الغربية، حيث أثارت الفظائع الجديدة تحذيرات من إبادة جماعية أخرى، وأكد خبراء دوليون، في وقت سابق من هذا الشهر، حدوث أول مجاعة في العالم منذ عام 2017.

ويعاني أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة من الجوع، بينما أُجبر واحد من كل أربعة على ترك منزله، وبحسب بعض التقديرات، قُتل ما يصل إلى 150 ألف سوداني، منذ بدء الصراع في السودان.

وقد سيطر الجيش السوداني في منتصف آذار/مارس الماضي على جزء كبير من مدينة أم درمان – مقر البرلمان الوطني وإحدى المدن الثلاث التي تشكل منطقة العاصمة السودانية – من قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي تحولت إلى قوات متمردة.

وعلى الجانب الآخر من النهر في العاصمة الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، جوفت الغارات الجوية والقصف والطائرات المسيّرة ناطحات السحاب الفندقية الفاخرة والمباني المكتبية والقصر الرئاسي.

وتقول الصحيفة الأميركية إن قوات الدعم السريع لا تزال تحتل الجزء الثالث من العاصمة، حي بحري الشمالي، حيث أصبجت المصانع، التي كانت تنتج المشروبات الغازية ومنتجات استهلاكية أخرى، عاطلة أو تحولت إلى أنقاض.

وبحسب "وول ستريت جورنال" فإنه مثل العاصمة، تنقسم الأجزاء الأخرى من البلاد الآن بين الجيش وحليفه السابق، قوات الدعم السريع، التي نشأت من مقاتلي الجنجويد سيئي السمعة، حيث يتقاتل قادتهما للسيطرة على احتياطات السودان الهائلة من الذهب، ومياه النيل الحيوية، وموقع البلاد الاستراتيجي على ممرات الشحن في البحر الأحمر.

وفي المناطق التي يسيطر عليها الجيش في أم درمان، لا تزال المدفعية وقذائف الهاون التي تطلقها قوات الدعم السريع تستهدف المباني السكنية والمساجد ذات الألوان الباستيلية والمستشفيات القليلة التي لا تزال تعمل في المدينة بشكل تقريبي يوميًا.

ووفقًا للصحيفة الأميركية، انضم الطلاب والمعلمون وغيرهم من المهنيين إلى قوات الدفاع المدنية المدربة بشكل بسيط، ويقومون بحراسة نقاط التفتيش التي أقيمت لصد أي تقدم آخر للمتمردين.

وتضيف "وول ستريت جورنال" بأنه في المناطق التي لا تزال تسيطر عليها قوات الدعم السريع، يروي السكان قصص الاغتصاب والتعذيب والتجويع والقتل العشوائي، بالإضافة إلى القصف العسكري شبه المستمر، والعشوائي في كثير من الأحيان.

وتقول الولايات المتحدة ومنظمات الإغاثة إن الجيش استخدم سيطرته على الموانئ والحدود الرئيسية لتقييد المساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ما أدى إلى تفاقم أزمة المجاعة، فيما يقول الجيش إنه يحتاج إلى منع وصول الأسلحة الأجنبية إلى قوات الدعم السريع، وأن معارضيه نهبوا المساعدات المسموح بدخولها، بحسب الصحيفة ذاتها.

وتوقعت دراسة حديثة أن المجاعة في السودان قد تقتل ما يصل إلى 2.5 مليون شخص، أي نحو 5 بالمئة من السكان، بحلول نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، علمًا أنه حتى نصف هذه الوفيات من شأنها أن تشكل أزمة الجوع الأكثر فتكًا منذ المجاعة الإثيوبية في الثمانينيات.

وقالت "وول ستريت جورنال" إن المدنيين الذين التقتهم بعيدًا عن ضباط الجيش، أكدوا بشكل مستقل ادعاءات الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، عبر تقديمهم مقاطع فيديو وصور، بالإضافة إلى مقابلات مع شهود عيان وخبراء، فيما لم يكن من الممكن الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وتشير الصحيفة إلى تميز تاريخ السودان ما بعد الاستعمار بالصراعات المتتالية والمتوازية، بما في ذلك الحرب التي استمرت عقدين، والتي أدت إلى الانفصال عن جنوب السودان في عام 2011، والحرب في دارفور في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، فيما تعتبره الولايات المتحدة أول إبادة جماعية في القرن الحادي والعشرين.

لكن العاصمة كانت في الغالب بمنأى عن العنف، حتى عندما كان السودان خاضعا للعقوبات الأميركية لرعاية جماعات إرهابية خلال حكم عمر البشير، ازدهرت الخرطوم بفنادق الخمس نجوم والمطاعم الراقية ومشهد فني سري نابض بالحياة، وفقًا للصحيفة ذاتها.

استغل شباب العاصمة سلسلة من احتجاجات غلاء المعيشة لبناء أكبر حركة ثورية في ربيع 2019

وكان شباب العاصمة هم الذين استغلوا في ربيع عام 2019، سلسلة من احتجاجات غلاء المعيشة لبناء حركة ثورية أكبر، مما دفع في النهاية الجيش وقوات الدعم السريع إلى إنهاء حكم البشير الحديدي الذي استمر 30 عاما في انقلاب.

ودعت الولايات المتحدة، الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لإجراء محادثات وقف إطلاق نار في سويسرا، غدًا الأربعاء، والذي من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى السودان، وبينما قال قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، إنه سيحضر الاجتماع، فإن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، لم يؤكد إن كان سيرسل وفدًا لحضور الاجتماع.

وقال نائب القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، إن المفاوضات ليست خيارًا في الوقت الحالي، وأضاف: "إذا أوقفنا الحرب الآن من خلال أي اتفاق، فهذا لا يعني السلام"، مشيرًا إلى ذلك "سيعني تأجيل الحرب لمدة عام أو عامين أو ثلاثة".