منذ عدة أسابيع، أعلن نادي أرسنال الإنجليزي عن ضم لاعب وسط منتخب إنجلترا "ديكلان رايس" قادمًا من فريق وست هام. تكهنت وسائل الإعلام بأن الصفقة هي الأغلى في التاريخ داخل إنجلترا، التي يبلغ قيمتها 105 مليون جنيه إسترليني.
لم يكن أرسنال وحيدًا في سباق تعاقده مع النجم الإنجليزي، بل زاحمه بطل الدوري الإنجليزي فريق مانشستر سيتي، الذي قدم عرضًا بـ 80 مليون جنيه إسترليني، بالإضافة إلى 10 مليون جنيه إسترليني كمتغيرات.
ارتفاع معدلات التضخم لعب دورًا كبيرًا في جعل الأندية تتفنن في كيفية زيادة أقساط مرتبات اللاعبين
وفقًا لصحيفة "ذا أثليتك" فإن العامل الرئيس الذي حسم الصفقة لمصلحة أرسنال هو هيكلها ولا شيء آخر. حيثُ أراد أرسنال أن يدفع قيمة الصفقة على عدة أقساط متتالية، لكنه في الأخير وافق على دفع جزء كبير منها مقدمًا، وهو ما حسم الصفقة لمصلحته.
أصبح هذا النوع من الخلاف حول طريقة الدفع شائعًا بشكلٍ متزايد في عالم انتقالات كرة القدم، وهو سوق مثله مثل أي سوق آخر في العالم يتصارع مع كيفية إدارة أسعار الفائدة المرتفعة، والتضخم المتفشي في الاقتصاد العالمي. والسؤال الآن: كيف يؤثر التضخم الاقتصادي على أسواق الانتقالات في كرة القدم؟
تَغيير جذري
في بداية العقد الماضي كانت أسعار الفائدة التي تحدد اقتراض الأموال قريبة من الصفر؛ وكان التضخم الذي تتحدد به أسعار السلع والخدمات منخفض للغاية، وهذا يعني أن اقتراض الأموال من البنوك كان رخيصًا، ودفع مقابل الأشياء على أقساط بدلاً من الدفع مُقدمًا كان أفضل؛ لأن قيمة النقود لا تتراجع بسبب التضخم كما يحدث في هذه الأيام.
كما هو الحال مع كل شيء آخر، يؤثر ارتفاع التضخم على كيفية إدارة أندية كرة القدم لأمورها المالية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بعملية البيع والشراء. حيث يعتقد الخبير المالي لكرة القدم "كيران ماجواير" حول تأثير التضخم على عالم كرة القدم، أنه من وجهة نظر التدفق النقدي، تفضل الأندية الآن الحصول على أموالها نقدًا، مما يحد من القدرة الشرائية للعديد من الأندية.
يفترض كيران أن نادٍ ما اقترض 20 مليون جنيه إسترليني لشراء لاعب، على أن تُسدد قيمة الصفقة على 4 أقساط، قيمة كل قسط 5 مليون جنيه إسترليني. في عالم أصبحت سمته الرئيسية ارتفاع معدلات التضخم، فإن القسط الأخير سيكون قيمته الشرائية أقل بكثير من القسط الأول.
يؤثر ذلك أيضًا على المشجعين، ويأتي ذلك في شكل ارتفاع أسعار التذاكر، وكل ما يتعلق بحضور مباراة كرة قدم، من أدوات تشجيع، لمشروبات الطاقة وغيرها. هنا، نحن تحدثنا عن قيمة انتقال اللاعبين من نادٍ لآخر، لكن ماذا عن أجور اللاعبين أنفسهم؟
رسوم انتقال طويلة المدى ولكن!
على عكس قيمة انتقال لاعب من نادٍ لآخر، والتي أصبح يُدفع جزء كبير منها مقدمًا، فإن أجور اللاعبين أنفسهم لا تضطر الأندية أن تدفعها كاملة بمجرد التعاقد مع اللاعب، بل توزع على سنوات عقده.
تُعتَبر هذه الحسابات جزء من قانون اللعب المالي النظيف الذي أقرته الفيفا في العقد الأخير من اللعبة، والذي من ضمن مهامه الرئيسية هو تحجيم المبلغ الذي يمكن لأي نادي إنفاقه في سوق الانتقالات، والذي ينص أيضًا أنه لا يمكن لأي نادي توقيع عقد مع لاعب لأكثر من 5 سنوات.
يوضح الدكتور "روب ويلسون" أستاذ الاقتصاد في جامعة شيفيلد، أن الاستهلاك إلى جانب التضخم كان لهما دور كبير لجعل الأندية تتفنن في كيفية زيادة أقساط مرتبات اللاعبين إما على عدد السنوات، أو التلاعب في بنود عقد اللاعبين، من عقود رعاية لإعلانات وغيره.
يقول الدكتور ويلسون أن الزيادة في الأقساط في صفقات كرة القدم تمثل نموذجًا مصغرًا للواقع، الذي اعتمد لقرابة العقدين من الزمان على الأقساط في عملية البيع والشراء، لكن فجأة أصبحت هذه العملية أكثر تكلفة من السابق.
يدعم ذلك ماغواير، الذي أشار إلى أنه في نهاية موسم 2021-22، كانت أندية الدوري الإنجليزي تدين بمبلغ 1.87 مليار جنيه إسترليني من رسوم النقل غير المدفوعة للاعبين. ويقول إن هذا قد يفسر سبب هدوء بعض الأندية في السوق الصيف الماضي، حيث كان لديهم بالفعل ديون انتقالات كبيرة للتعامل معها.
يوافق ماجواير على أنه في عالم تسوده الفائدة المرتفعة والتضخم المرتفع، هناك ضغط متزايد من بيع اللاعبين فقط على المزيد لأولئك الذين يقومون بالدفع مقدمًا.
رايس يخبرك بالجديد
تكشف صحيفة ذا أثليتك أن السبب الرئيسي في ترجيح كفة أرسنال في سباق التعاقد مع ديكلان رايس، هو أن أرسنال وافق على دفع الزيادة في سعر الفائدة على كل قسط يدفعه لنادي وست هام. يبدو أننا الآن أمام مبدأ جديد في صفقات انتقال كرة القدم، مبدأ ربما مفاده " اشترِ الآن وادفع لاحقًا" لكن هناك جزء خفي لا يُذكر وهو أنك ستدفع بسعر القيمة الشرائية الآن، وليس بقيمتها وقت إتمام الصفقة، وهو ما يخبرنا أن الرأسمالية تصر أن تنقل عالم كرة القدم من النور إلى الظلام مرة أخرى.