كشف حصار الاحتلال واقتحامه مجمع الشفاء الطبي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عن "خطر وكارثة محدقة" بالأطفال الخُدج في داخل حاضنة المستشفى. وعلى مدار أيام من المناشدات، وبعد وفاة عدة أطفال، قام فريق طبي دولي، بإجلاء الأطفال الخُدج البالغ عددهم 31 طفلًا من مجمع الشفاء نحو رفح إلى مصر.
في حينها، قالت المنظمة الدولية في بيان: إنّ "حالة 11 من الأطفال الخدج حرجة، إذ أصيبوا بالمرض، بسبب نقص الإمدادات الطبية في مستشفى الشفاء وصعوبة مواصلة إجراءات مكافحة العدوى في مستشفى". كما أعلن عن وفاة 8 من الأطفال الخُدج، قبل نقلهم إلى خارج القطاع.
وكان من المفترض أن يتمكن أهالي الأطفال من السفر معهم، لكن منظمة الصحة العالمية، في حينها قالت: إنّ "عددًا قليلًا جدًا من الأطفال الخُدج كانوا برفقة أحد أفراد الأسرة، وذلك لأن المسؤولين في غزة لم يتمكنوا بسهولة من العثور على أفراد عائلاتهم المقربين بسبب القصف العنيف وانقطاع الاتصالات".
توفي 5 من الأطفال الخدج الـ28 منذ وصولهم إلى مصر من مستشفى الشفاء في قطاع غزة
ما مصير الأطفال؟
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "الواشنطن بوست" تقريرًا، يلاحق مصير هؤلاء الأطفال، فمنهم من جُمع شملهم مع أهاليهم، فيما ظل عدد منهم بمفرده، بعد أن قتل أهاليهم أو أصبح من المستحيل الوصول إليهم.
ويتناول التقرير حالة شيماء أبو خاطر، التي وضعت مولودتها كندة في 30 تشرين الأول/أكتوبر، قبل شهر من موعد ولادتها الطبيعي، وكان منزل أبو خاطر في شمال غزة قد دُمر بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفيما كانت إسرائيل تخطط لاقتحام مجمع الشفاء في مدينة غزة، حيث ولدت كندة، صار مصيرها وأكثر من 30 من الأطفال الخدج، معلقًا.
ونقلت أبو خاطر، إلى جانب بقية نزلاء قسم التوليد في الشفاء، إلى مستشفى آخر مباشرة بعد الولادة، مع اقتراب الجيش الإسرائيلي من مجمع الشفاء، فيما بقيت كندة، في الحاضنة.
وعلمت أبو خاطر من الراديو، أن جنود الاحتلال حاصروا مجمع الشفاء، مع انتهاء مخزون الوقود لتشغيل الحاضنات، وكان الأطفال الخدج يموتون. ولم تتمكن هي وزوجها سامر البالغ من العمر 28 عامًا من الوصول إلى الطاقم الطبي في المجمع، ومعرفة مصير الطفلة.
وفي الأسبوع الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر، والمصير المجهول لـ"كندة"، وصلت أخبار إلى العائلة من أقارب لهم يعيشون في الأردن، تشير إلى أن كندة، من بين الأطفال الذين تم نقلهم من مستشفى الشفاء إلى مصر، وكانت على قيد الحياة.
وبناءً على ذلك، بدأت رحلة أبو خاطر للوصول إلى ابنتها بالنزوح إلى الجنوب خلال الهدنة التي استمرت لمدة أسبوع واحد، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر. إذ نامت هي وزوجها في شوارع جنوب القطاع، حتى سُمح لها دون زوجها بالعبور إلى مصر، في مطلع كانون الأول/ديسمبر.
وعانت كندة من التهاب في الكبد ومشاكل في الأمعاء، ولم تكن قادرة على تناول الحليب الطبيعي، وكانت تعيش على السوائل الوريدية. ولكن مع مرور الأسابيع في مستشفى بالعاصمة الإدارية الجديدة لمصر شرق القاهرة، أصبحت "الحالة الصحية لكندة أفضل. وخرجت من الحاضنة، خلال الشهر الحالي".
وتقول أبو خاطر، وهي تحتضن طفلتها في غرفتها بالمستشفى: "شعرت أخيرًا أنني أم. قبل ذلك، لم أكن أشعر بهذا الشعور".
وفي قصة أخرى، تدور حول السيدة هالة عروق (24 عامًا) وطفلتها، تتكشف معاناة أخرى، إذ عندما حاصرت القوات الإسرائيلية مجمع الشفاء، فقدت هالة الاتصال بالمستشفى الذي توجد فيه طفلتها ماسة، ولم تكن لتعرف مصيرها، إلّا من خلال عائلة زوجها الموجودة في تركيا.
وبعد حصار الشفاء، تم نقل ماسة إلى جنوبي القطاع، ولم تستطع هالة وزوجها عبور الحاجز الإسرائيلي للوصول إلى ماسة، فيما اتصل بها طبيب للحصول على الموافقة لنقلها إلى مصر. وبعد أسبوعين من الانتظار، تمكنت هالة وطفلها البالغ من العمر ثلاثة أعوام، من الخروج إلى مصر.
أما نور البنا البالغة من العمر 30 عامًا، فقد علمت بنقل طفلتيها التوأم، لين وليان، من مجمع الشفاء عبر شقيقة زوجها، التي صادف أنها تعمل في وزارة الصحة بغزة، ووصلت إلى أسماء الأطفال.
وكانت البنا يائسة، من الوصول إليهم لأسابيع، ولم تتمكن من التوجه إلى مصر، إلّا بعد أسابيع من نقلهن.
قصص مأساوية
ويشير التقرير، إلى وجود 8 أطفال، لم يتعرف عليهم أحد، ويرقدون في المستشفى لوحدهم، ولا يعرف عنهم سوى أسماء أمهاتهم.
ووفق التقرير، وعلى الأقل بالنسبة إلى طفلين منهم، فإن "الأدلة على المأساة واضحة"، إذ كان ابن فاطمة الحرش، هو الناجي الوحيد، بعد قصف منزلهم، واستشهاد 11 فردًا، في تشرين الأول/أكتوبر، إذ عملت الطواقم الطبية على إنقاذ الجنين، فيما لم تنجح بإنقاذ الأم، التي استشهدت. بينما لا تستطيع ابنة حليمة عبد ربه، فتح عينها اليمنى التي أصيبت في القصف، وتظهر صورة لملفها الطبي، تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، ملاحظة مكتوبة بخط اليد: "أفراد الأسرة شهداء".
ويشير التقرير إلى أن الأطفال عندما وصلوا إلى المستشفى، اعتقد الطاقم الطبي أن لديهم فرصة أقل من 20% للبقاء على قيد الحياة، ووفقًا لطبيب حديثي الولادة خالد راشد: "كانوا يعانون من الجفاف الشديد، مرضى في حالة حرجة، ولم يتمكنوا من التنفس من تلقاء أنفسهم. كان معظمهم يزن حوالي ثلاثة أرطال"، وأضاف: "أصيبوا بعدوى خلال الرحلة، مما تسبب في تعفن الدم، وهو القاتل الأكبر لحديثي الولادة". وتوفي 5 من الأطفال الخدج الـ28 منذ وصولهم إلى مصر.
وعند خروج الأطفال، تركت الطواقم الطبية، أرقامها للعائلات من أجل التواصل معها، وخلال الهدنة في تشرين الثاني/نوفمبر، تواصلت 8 عائلات مع الطواقم الطبية.
ويوضح التقرير: "جميع الأطفال تقريبًا خارج العناية المركزة الآن. يرضعون ويتنفسون من تلقاء أنفسهم، ويزيدون في الوزن. ويتمتعون بصحة جيدة بما يكفي للخروج من المستشفى. لكن ليس لديهم مكان يذهبون إليه".
8 أطفال خُدج وصلوا إلى مصر، ولم يعرف مصير عائلاتهم حتى الآن
ويبقى حتى الآن 8 أطفال، لم يعرف مصير عائلاتهم حتى الآن. وبعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من رعايتهم، يقول المدير العام للمستشفى، رمزي منير عبد العظيم: "جميع الممرضات هن أمهاتهم الآن".
وتتحدث الممرضة وفاء إبراهيم، البالغة من العمر 24 عامًا، أنها أدركت بصيص شخصياتهم، بالقول: "ابنة سندس الكرد، هي الطفلة المبتسمة ذات الشعر الأحمر، هي الأكثر صخبًا، تصرخ وتصرخ حتى تتغذى"، وأضافت وهي تحمل طفلة أخرى تبكي بهدوء: "هذه طفلة هبة صلاح، التي تمكن والدها من القدوم إلى مصر".
وبحسب سفير السلطة الفلسطينية في القاهرة دياب اللوح: "تم إجلاء مئات الأطفال الآخرين من غزة إلى مصر لتلقي العلاج الطبي"، مشيرًا إلى أن هناك مجموعة من الأطفال وصلت بمفردها، مضيفًا: "ليس لدينا قائمة مفصلة".