يبدو أن موجة العداء للاجئين السوريين التي عمّت دول الجوار، وبدأت بالوسم (هاشتاغ) الذي تصدر موقع تويتر في تركيا، قبل أن تكشف الحكومة التركية عما كان مخططًا من ورائه لإشعال فتنة داخل البلاد، ثم تبعه مداهمات الجيش اللبناني لمخيمات عرسال على الحدود اللبنانية، وقضية المعتقلين المتوفين تحت التعذيب في السجون اللبنانية، فضلًا عن الممارسات العنصرية التي يتعرض لها اللاجئون.. هذه الموجة يبدو أنها لم تكن لتنتهي دون دخول اللاجئين السوريين في مخيم "الركبان" على الحدود الأردنية مع سوريا، وذلك لما يواجهونه من سوء في مجمل الخدمات المقدمة لهم، علاوة على إغلاق الأردن أبوابه أمامهم، وأخيرًا شن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لهجمات بالسيارات المفخخة.
يعاني لاجئو مخيم الركبان في الأردن تضييقًا شديدًا من قبل السلطات الأردنية، فضلًا عن هجمات إرهابية لداعش
ويأتي في نهاية كل تلك الأزمات التي يتعرضون لها، الحديث عن المناطق الآمنة في جنوب سوريا، وإمكانية عودتهم إليها بعد اتفاق وقف إطلاق النار هناك، والمُوقّع بين واشنطن وموسكو، ليطرح تساؤلات عديدة حول مصير اللاجئين من اتفاق التهدئة؟ وهل سيُعيدهم الأردن قسرًا إلى المناطق الآمنة؟ ومن سيحميهم من هجمات النظام السوري؟ وهل هذه الخطوة بمثابة بداية لإعادة العلاقات الدبلوماسية لسابق عهدها بين النظام السوري والأردن؟
لمحة سريعة عن مخيم "الركبان"
يعد مخيم "الركبان" واحدًا من ثلاثة مخيمات تؤوي اللاجئين السوريين داخل الأراضي الأردنية قرب الحدود مع سوريا، إحداها "الزعتري" الذي يُصنّف كأكبر مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، ورابع كتلة سكنية كثيفة بعد ثلاث مدن أردنية، وقد تجاوز تعداد اللاجئين فيه 100 ألف لاجئ، ويبعد 85 كم شرق عمان، ونحو 10 كم عن الحدود السورية. وهناك أيضًا مخيم "الحدلات" الذي يؤوي قرابة خمسة آلاف لاجئ، ويقع على الحدود الشمالية الشرقية للبلدين في منطقة بادية الحماد، بمسافة تقارب 20 كم، ويأتي هذا المخيم في المرتبة الأخيرة من حيث تعداد اللاجئين فيه.
اقرأ/ي أيضًا: العاهل الأردني: تسوية في القرم ستحل الأزمة السورية
أما مخيم "الركبان" فيقع على الحدود السورية الأردنية من ناحية البادية، بمسافة تبعد عن الشريط الحدودي مع سوريا نحو 7 كم، ويأوي داخله أكثر من 75 ألف لاجئ فروا من المناطق الشرقية وريف حمص الشرقي وعمق البادية السورية التي سيطر عليها تنظيم داعش بعد إعلانه قيام ما أسماه بـ"دولة الخلافة" عام 2014.
وفي 21 حزيران/يونيو 2016، أغلقت السلطات الأرنية حدودها مع مخيم "الركبان" وإعلانها الحدود "منطقة عسكرية"، بعد أن تبنى تنظيم داعش تفجير سيارة مفخخة استهدفت نقطة لحرس الحدود الأردني، قضى على إثرها سبعة عناصر من القوات الأردنية وأصيب 20 آخرون بجروح، وبحسب صحيفة "الرأي" الأردنية، فإن الانتحاري المدعو أبو ماجد التونسي، قاد السيارة المفخخة من مدينة الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم، إلى المخيم، بمواد شديدة الانفجار تزن حوالي 200 كيلوغرام متفجرات.
إلا أن إغلاق الأردن حدوده مع المخيم لم يمنع عمليات داعش، إذ نفذ التنظيم المتشدد منذ إعلان الأردن الحدود منطقة عسكرية، أكثر من 10 تفجيرات داخل المخيم الذي يشرف على وضعه الأمني وحراسته تجمع "أحرار العشائر" الجنوبي، بقيادة راكان الخضير المقرب من الحكومة الأردنية، وإضافة لأحرار العشائر، تتواجد في منطقة البادية السورية فصائل جيش أسود الشرقية وقوات الشهيد أحمد العبدو وجيش مغاوير الثورة وشهداء القريتين، وهي جميعها منضوية ضمن غرفة "الموك" لفصائل المعارضة بإشراف من الأردن والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن.
مقررات وقف إطلاق النار جنوب سوريا
على خلفية اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال تواجدهما في مدينة هامبورغ لحضور قمة مجموعة العشرين، توصلت الولايات المتحدة وروسيا والأردن في اجتماع عقد بعمّان، إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا حيث مناطق درعا والقنيطرة والسويداء، وقد بدأ سريان مفعوله في التاسع من شهر تموز/يوليو الجاري.
ومن المعروف عن الأردن أنه التزم سياسة الحياد منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، ومع تحوّل الأمر إلى حرب على إثر العنف المفرط من قبل النظام السوري ضد المتظاهرين السلميين؛ عمل الأردن منذ منتصف 2012 على إغلاق حدوده البرية مع سوريا، ما ساهم في إنشاء مخيمات للاجئين في المناطق الصحراوية داخل أراضيه.
وعلى الرغم من تغيير الأردن بعضًا من سياسته عبر دعمه لفصائل محددة بهدف منع الاشتباكات المندلعة بين قوات الأسد والمليشيات الأجنبية المدعومة من إيران من طرف، وفصائل المعارضة من طرف آخر؛ الاقتراب من حدوده، غير أن ميل موازين القوى العسكرية لصالح رئيس النظام السوري منذ منتصف 2016، عندما استطاع استرجاع معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها، وأيضًا مع تقدم المليشيات الإيرانية باتجاه الحدود الأردنية، بدل ذلك من خطة الأردن الموضوعة للتعامل مع الأزمة السورية.
تتفق مصلحة كل من واشنطن وإسرائيل والأردن من وراء اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك من جهة محاربة النفوذ الإيراني
وينص أحد بنود اتفاق وقف إطلاق النار الموقع عليه من الدول الثلاث، على أن يكون الجنوب السوري خاليًا من المقاتلين غير السوريين، ومن ضمنهم المقاتلون المدعومون من إيران أو هؤلاء الذين قدموا إلى سوريا للقتال إلى جانب التنظيمات المتشددة، لذا ليس مستبعدًا أن تكون المنطقة خاضعة لقوات المعارضة الخمس المذكورة أعلاه وبإشراف من الولايات المتحدة والأردن، وأن تتولى روسيا مهمة الإشراف على الخط الفاصل أو ما يعرف بـ"ترسيم الحدود" عبر قواتها.
اقرأ/ي أيضًا: ما الذي يريده بوتين حقًا من اتفاقه مع ترامب حول سوريا؟
وتعارض إيران هذا الاتفاق الذي كان غريبًا، كونه خاصًا بجنوب سوريا دون باقي المناطق التي تشهد عمليات عسكرية مكثفة للنظام السوري، إذ يتواجد جيش "خالد بن الوليد" المبايع لتنظيم داعش في منطقة "حوض اليرموك" بريف درعا الغربي قرب الحدود مع الأردن. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قامسي، قد قال في تصريحات صحفية، إنّ بلاده غير ملزمة باتفاق إطلاق النار عينه، إلا أنها ستستمر بالتشاور مع موسكو بموجب ما توصل إليه الطرفان في اجتماعات أستانا المرتبطة بسوريا.
جنوب سوريا.. تضارب مصالح الدول الإقليمية
وعكس اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثي، التضارب في مصالح الدول الإقليمية أو المجاورة لسوريا للتحديد، وذلك وفق ما أظهرته التقارير الصادرة بعد سريانه. ويأتي في مقدمة هذه الدول الأردن الذي يرى في نفسه أكثر الدول تضررًا نتيجة لجوء أكثر من 650 ألف لاجئ إلى أراضيه، حيث يقيم نحو 350 ألف داخل المدن، ويتوزع البقية على مخيمات اللجوء على الحدود مع سوريا.
ويسعى الأردن من خلال سريان الاتفاق على المدى الطويل، إلى دفع اللاجئين السوريين بالعودة إلى المناطق الآمنة التي ابتدعتها إدارة ترامب، ما يخفف على عمّان من النفقات التي تزعم صرفها على مخيمات اللجوء.
كذلك فإن عمّان تريد من الاتفاق منع المقاتلين المدعومين من إيران الوصول إلى حدودها، وهي بذلك تلتقي مصالحها مع الولايات المتحدة من ناحية أن الأخيرة تحارب لمنع النفوذ الإيراني من التمدد داخل سوريا، وإفشال المخطط المعروف بسيطرة طهران على طريق "بغداد - دمشق" السريع، وصولًا إلى جنوب لبنان معقل حزب الله اللبناني، ولهذا فإن الأردن وواشنطن يتقابلان في مصلحة مشتركة، تكمن تحديدًا في منع تزايد النفوذ الإيراني بسوريا، خاصة وأن الاتفاق يطالب بابتعاد المليشيات الأجنبية مسافة 40 كيلومتر عن الحدود مع الأردن.
وكذا تتقابل مصالح إسرائيل مع ما ترمي إليه واشنطن وعمان في إطار محاولتهما منع توسع النفوذ الإيراني جنوب سوريا، حيثُ تدعم مليشيات أجنبية تابعة لها في محافظة القنيطرة بالقرب من الشريط الفاصل لهضبة الجولان المحتل من الجانب الإسرائيلي، إلا أن الأمر بحاجة لضمانات روسية تؤكد ردعها أي تقدم محتمل للمليشيات المدعومة من إيران، والذي يدعمه عدم التزام طهران بأي من الاتفاقيات السابقة، وهو ما أكدته الوقائع من خلال الاشتباكات السابقة في البادية السورية بين فصائل المعارضة المدعومة من واشنطن من طرف، وقوات الأسد والميلشيات العراقية من طرف آخر، والذي تطور لمرحلة إسقاط طائرة بدون طيار إيرانية الصنع قرب قاعدة "التنف" العسكرية.
اقرأ/ي أيضًا: حرب البادية السورية.. ماراثون البوابات الحدودية
ومن جهتها تدخل موسكو الاتفاق من بوابة فتح صفحة جديدة مع إدارة ترامب، في تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار، نظرًا لالتقاء مصالحهما الخاصة بمنع تمدد تنظيم داعش في عمق البادية السورية وصولًا للجنوب، لكنها تصطدم بالتواجد الإيراني في سوريا. وتقول عديد التقارير الغربية، إن تعداد عناصر المليشيات التي تدعمها إيران في سوريا، يفوق ضعف المقاتلين المدعومين من النظام السوري، وهو ما يمثل بطبيعة الحال عقبة أمام موسكو التي تفتقد السيطرة على الأرض.
ولذا فإن الأردن رغم رغبته منذ آذار/ مارس 2011، بأن ينأى عن نفسه عمّا يحدث في سوريا، إلا أنه يجد نفسه في عمق الصراع الإقليمي. ومن ناحية أُخرى في سياق متصل، يملك الأردن علاقات جيدة مع دول الخليج المحاصرة لقطر، لذا أعلنت عمان بعد اندلاع الأزمة الخليجية تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع الدوحة، وإغلاق تراخيص مكتب قناة الجزيرة على أراضيها، وهو ما يدل على أنها وضعت نفسها في تحالف ترامب ودول الخليج التي سلمته مئات مليارات الدولارات خلال ما عرف بـ"قمة الرياض"، كما يُذكر أن العاهل الأردني عبدالله الثاني، هو الزعيم العربي الذي زار البيت الأبيض مرتين ألتقى فيهما دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة.
إذن.. ما مصير اللاجئين السوريين في الأردن؟
يهدف الأردن من خلال تعزيز وقف إطلاق النار، إلى العمل على عودة اللاجئين السوريين المقيمين في أراضيه إلى المناطق الآمنة بسوريا، وذلك على دفعات. وفي هذا الشأن تعالت الأصوات المتحدثة خلال الأيام الأخيرة عن إمكانية إعادة فتح معبر "نصيب" الحدودي بين سوريا والأردن، ولكن بشروط عديدة بينها رفع العلم السوري، وأن يتسلم أمن المعبر فصائل معارضة مقبولة لدى الأردن.
ومن المرجح في حال قبل النظام السوري بالشروط الأردنية، أن يستلم إدارة المعبر تجمع "أحرار عشائر" الجنوب، وفي حال لاقت الشروط الأردنية قبولًا فمن المتوقع أن يبدأ الأردن بإعادة اللاجئين في مخيماته إلى المناطق الجنوبية الآمنة.
إلا أن هناك تخوفات مصاحبة لفرضية عودة اللاجئين السوريين في مخيمات اللاجئين إلى المناطق الآمنة، يأتي في مقدمتها عدم وجود ضمانات تردع النظام السوري عن مداهمة المناطق الآمنة، أو قصفها جوًا بالمقاتلات الحربية، خاصة أنه قبل أيّام قد سُجّل اختفاء عشرات العائلات السورية اللاجئة داخل الأراضي السورية أثناء عودتهم إلى المناطق التي كانوا يقطنونها قبل اندلاع الاحتجاجات ضد النظام السوري.
بدأت دول الجوار بالضغط على اللاجئين السوريين للعودة إلى سوريا منذ أن أعلنت إدارة ترامب نيتها إنشاء مناطق آمنة
ومنذ أن أعلنت إدارة ترامب نيتها إنشاء مناطق آمنة، والتوقيع على مذكرة اتفاق مناطق "تخفيف الصراع" في "أستانا 4"، ودول الجوار بدأت بالضغط على اللاجئين السوريين حتى يبدؤوا بالعودة إلى سوريا، والتي شهدنا فصولها الأولى في اقتحام الجيش اللبناني لمخيمات عرسال، وما رافقها من انتهاكات للقوانين الدولية المرتبطة بتجنيب المدنيين للصراع بين الأطراف المسلحة.
اقرأي/ أيضًا: لاجئو عرسال.. هربًا من الحرب السورية إلى التوحش اللبناني
وحالة الخوف التي يترقبها اللاجئون السوريون في الأردن، ناجمة عن أن معظم العائلات لديها أولاد وأقارب في فصائل المعارضة الجنوبية، لذا نجد أنها عرضة لانتقام مزدوج، إما بالقصف الجوي للنظام السوري، أو بالعربات المفخخة التي يرسلها تنظيم داعش إلى داخل المخيمات، وهو ما يحتم على الدول الفاعلة فيما يعرف بمذكر "المناطق الآمنة"، أن تلتزم بتقديم الحماية الكاملة والخدمات الإنسانية في حال تقرر إعادة اللاجئين إلى سوريا، وإلا فإن الدول المعنية باتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا تتحمل مسؤولية ما يمكن أن يتعرض له اللاجئون في حال عودتهم مكرهين إلى المناطق الآمنة، والتي من المحتم استعادة النظام السوري السيطرة عليها مالم توضع خطة حقيقة للحيلولة دون ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: