مع انطلاق ما يسمى بالمؤتمر الوطني الأول للشباب، الذي انعقد في شرم الشيخ بتاريخ 25 تشرين الأول/أكتوبر، والجميع من معسكر الموالاة ومعسكر المعارضة يتحدث عن الذين حضروا المؤتمر والنقاشات التي دارت خلاله، فالموالاة يتحدثون بأن المؤتمر أكبر دليل على اهتمام الدولة بالشباب وأن السلطة لاتعرف الإقصاء، ومعسكر المعارضة يهاجم المؤتمر ويدين من شاركوا به ويذكر بقضايا المعتقلين وحجم الانهيار الاقتصادي، وفي هذا المقال سأستعرض المواقف المختلفة مع التذكير بالنهج القديم المتكرر.
تعود جذور مهزلة "مؤتمر الشباب" في مصر إلى الستينيات من القرن الماضي
النهج القديم. منبع المهزلة!
يتغافل البعض أن نوعية مؤتمر الشباب لها سوابق في الماضي، وكأن مصر لأول مرة تشهد في تاريخها مثل هذه النوعية من المؤتمرات، فمنبع المهزلة يرجع إلى الستينيات، وهنا يذكر رفعت السعيد في كتابه "مجرد ذكريات الجزء الأول" أن صديقه الدبلوماسي السوفيتي الذي يجيد العربية حكى له كيف اندس في حشود أعضاء منظمة الشباب المحشودة حشدًا لتصفق للرئيس السوفيتي الزائر لمصر، وكيف أنه سمع قائد الجمع يصيح فيهم: "صفقوا واهتفوا فكل هتاف بطيارة جديدة".
يتحدث السعيد عن واقعة أخرى يرجع تاريخها إلى أواخر 1969، عندما نظم الاتحاد الاشتراكي مؤتمر واحتفال بالعيد المئة لميلاد لينين، وكان عبء تنظيم المؤتمر على يوسف السباعي، ليسأل السباعي ضياء الدين داوود عضو اللجنة التنفيذية: "يا افندم بصراحة لازم أعرف مقاس الاحتفال"، ليضيف رفعت السعيد دهشنا جميعًا من هذا التعبير المثير للدهشة، لكن أكثرنا دهشة كان ضياء الدين داوود، الذي قال بحدة: "يعني ايه مقاس يا يوسف، مطلوب مؤتمر جماهيري وخلاص"، ليرد يوسف السباعي: "يا افندم كل مؤتمر أو احتفال له مقاس متفق عليه، مثلًا مطلوب احتفال شكلي، نعقده في اتحاد الأدباء، القاعة سعتها سبعون مقعد، نجمع أعضاء السكرتارية والموظفين والمترجمين والسعاة، والقاعة تمتلئ وتبقى تمام، عايزين احتفال نص نص نعقده في قاعة الشعب، أو بقاعة الغرفة التجارية ونتصل بمنظمة الشباب تبعت شبان من عندها وتبقى هيصة كبيرة".
اقرأ/ي أيضًا: قراءة في كلام شرم الشيخ
المضحك أن رفعت السعيد الذي كان يندهش من تلك التصرفات ويقول: "يتنفس الناس النفاق، والحاكم يعرف أنهم ينافقونه ويرضى بذلك ويسعد بالتعامل مع هؤلاء"، أصبح يدعم تلك النوعية من المؤتمرات حاليًا، وكان من ضمن الحضور في مؤتمر الشباب.
"أبدع انطلق".. في مديح السلطة
كان شعار المؤتمر الذي ضم 3000 شاب "أبدع انطلق". ليتم الترويج لكون ما حدث هو الأمل والتفاؤل في مواجهة الذين لايدركون حجم الإنجازات التي تتم، ويخضعون للمناخ التشاؤمي على حد وصفهم، ويتشدقون بما يعتبرونه حماية للدولة واستقرارها. وأن الحرية المطلقة بدون قيود وقوانين تنظمها مجرد فوضى، وأن البعض يعبر عن آرائه التي تتعارض مع المصلحة العليا للبلاد، في أسلوب قديم دائمًا، تستخدمه الأجهزة الأمنية في تلقين "المتعاونين" معها بتعبيرات مبهمة، ربما كانت صالحة في عصور ماضية لكنها لم تعد صالحة للوقت الراهن.
الإبداع والانطلاق الذي يريده "مؤتمر الشباب" هو التهليل والمديح للسلطة
وفي هذه الحالة يكون الإبداع والانطلاق في ممارسة التهليل والمديح للسلطة وتلميع صورتها، وأنه لا يوجد مشاكل بسبب فشل الحكومة والرئيس، بل توجد مؤامرة تحاول زعزعة الاستقرار. ولعل الفائدة الحقيقية للمؤتمر هي اكتشاف حقيقة من ارتدوا أقنعة الثورة سابقًا، وكانوا يدعون انتماءهم لمعسكر الثوار لتمر الأيام ويتضح كل شيء.
"المعارضة" ترفض. لكن لا جديد!
رغم اعتراض ورفض الأغلبية المطلقة من نشطاء المعارضة المشاركة في مؤتمر الشباب ومعهم أحزاب التيار الديمقراطي، لكنهم لم يتخذوا رد فعل على أرض الواقع واكتفوا بإصدار البيانات الرافضة وتدشين "الهاشتاجات" التي تتحدث عن الشباب المعتقل والمختفي قسريًا، مثل #الشباب_فين، وكان من الضروري أن ينظموا مؤتمرًا بديلًا يناقش كل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ويركز على القضايا التي تم تجاهلها من مؤتمر السلطة مثل قضية تيران وصنافير وملف العدالة الانتقالية.
اقرأ/ي أيضًا: