"صمموه بحيث إن من يدخله لا يخرج منه حيًا. صمموه للمعتقلين السياسيين"، إبراهيم عبد الغفار، مأمور سابق لسجن العقرب أثناء مقابلة تلفزيونية في 2012.
تحت عنوان "حياة القبور" كتبت منظمة هيومان رايتش ووتش تقريرها المرعب عن سجن العقرب، شديد الحراسة، ويؤرخ التقرير بدء ازدهار السجون في الحياة السياسية المصرية المعاصرة منذ تموز/يوليو 2013 حيث قامت السلطات المصرية بتنظيم حملة اعتقالات واسعة النطاق استهدفت طيفًا عريضًا من الخصوم السياسيين بعد أن قام الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بعزل محمد مرسي، أول رئيس مُنتخب بشكل حر والعضو القيادي في "الإخوان المسلمين".
"صمموه بحيث إن من يدخله لا يخرج منه حيًا": إبراهيم عبد الغفار، مأمور سابق لسجن العقرب أثناء مقابلة تلفزيونية في 2012
ويشير التقرير إلى أن هذه الحملة الواسعة من الاعتقالات سببت ضغطًا كبيرًا على السجون المصرية حيث أصبح هناك 41 ألف شخص، على الأقل، بين معتقل ومُتهم بحسب إحصاء موثق، مع اعتقال 26 ألفًا آخرين منذ بداية 2015، على حد قول محامين وباحثين حقوقيين. اعترفت الحكومة بنفسها أنها أجرت نحو 34 ألف اعتقال، وعليه فإن السجون التي كانت في عام 2015 تعمل بـ 150% من طاقة استيعابها لم تعد تستوعب المزيد لذا على مدار السنتين التاليتين لسقوط مرسي، شيّدت الحكومة المصرية وخططت لبناء 8 سجون جديدة.
اقرأ/ي أيضًا: مهند..الشاب الذي واجه السجن واللوكيميا
الزيارة ممنوعة
الاسم الأهم في تاريخ منع الزيارة في سجن العقرب هو وزير الداخلية الذي كان السيسي قد عينه في وقت سابق وهو مجدي عبد الغفار، الذي تعسف بشكل متعمد في منع الزيارة من الأهالي والمحامين منذ مارس/آذار 2015 تقريبًا إلى أغسطس/آب من نفس العام، وقد أدى حظر الزيارات إلى منع الأهالي من جلب الطعام والدواء والملابس، وهي مواد إما غير متوفرة في السجن، أو تتوفر بكميات هزيلة وحالة سيئة، وهو ما وصفه بعض الأهالي بسياسة "التجويع". قال البعض إن أقاربهم المعتقلين فقدوا من 29 إلى 34 كلغ من وزنهم. مات 6 على الأقل من نزلاء سجن العقرب أثناء فترة حظر الزيارات. حظر الزيارات أيضًا شمل أهالي المحكوم عليهم بالإعدام فأُعدموا دون إخطار الأهالي، في مخالفة صريحة للقانون المصري.
هناك مادة في قانون السجون المصرية تستغل السلطات إبهامها وعدم وضوحها في التعنت في منع الزيارات وهي أنه "يجوز أن تمنع الزيارة منعًا مطلقًا أو مقيدًا، بالنسبة إلى الظروف، في أوقات معينة، وذلك لأسباب صحية أو متعلقة بالأمن". وتقتصر زيارات المحامين المسموح لهم بزيارة موكليهم على مقابلتهم في مكتب مأمور السجن أو مدير المباحث. يجلس حارس أو مسؤول بالسجن في نفس الحجرة في كل المقابلات ولا يُسمح للمحامي أو النزيل بأي أوراق أو بأدوات كتابة. هذه القيود لا تمكن السجناء من تحضير دفاعهم وتنتهك حقهم في المحاكمة العادلة. كما اعتقلت السلطات، وأخفت قسرًا، محاميًا واحدًا على الأقل، وهو المحامي محمد صادق، الذي كسب الكثير من القضايا التي رفعها سجناء في سجن العقرب أو أقارب لهم، بحسب زملائه المحامين.
ظروف بالغة السوء
من الانتهاكات لحقوق السجناء في مصر، منع السلطات المعتقلين من حيازة أدوات النظافة الشخصية وتشمل الصابون و"الشامبو" والأمشاط ومعجون الأسنان وفرش الأسنان وأدوات الحلاقة والأطباق وأواني تناول الطعام أو حتى أغراض أخرى مثل الساعات والكتب وأبسطة الصلاة أو الأوراق وأدوات الكتابة.
كما تُحظر الصحف والكتب، باستثناء الكتب المدرسية في بعض الحالات، وهي استراتيجية تهدف إلى تحطيم المعنويات والقهر، وتتسبب في النهاية في إنهاء حياة السجين بشكل مباشر وغير مباشر حيث يصاب بالطفح الجلدي وأشكال العدوى الجلدية الأخرى، مع عدم قدرة النزلاء على الاعتناء بنظافتهم الشخصية ومظهرهم المعتاد.
سجن العقرب، حسب شهادة أهالي المعتقلين لا يحوي أسرة حيث ينام النزلاء على "مصاطب" خرسانية منخفضة. قال أغلب الأهالي إن "أقاربهم داخل السجن لم يناموا مطلقًا على أفرشة، ويعتمدون على بطانيتين أو 3 بطانيات توفرها سلطات السجن، أو يستخدمون صناديق كرتونية مطوية. قالت أسرة نزيل بالسجن لـ"هيومن رايتس ووتش" إن "قريبهم لديه فراش في زنزانته"، بينما قال 3 أشخاص آخرين إن "أقاربهم كانت لديهم أفرشة سابقًا لكن صادرتها سلطات السجن".
أثناء فترة حظر الزيارات في 2015 في سجن العقرب مات 6 معتقلين حيث رفضت السلطات النظر في أمر الإفراج عنهم بصفة مشروطة لأسباب طبية
اقرأ/ي أيضًا: سجون مصر.. إهمال وتكديس وتقتيل
العلاج الطبي
يُمنع الأهالي من تسليم العقاقير الطبية غير المتوفرة في صيدلية السجن. حتى عند السماح بالزيارات، يصادر الحراس أحيانًا بشكل متعسف العقاقير الطبية، ويُخرجون أقراص الدواء من عبواتها ويرمون بعضها أو يخلطون الأدوية ببعضها في الحقائب، ما يعني أنه في أغلب الأحيان لا تُسلم جميع الأدوية إلى الصيدلية، على حد قول الأهالي.
كما طالب كثير من أهالي السجناء بنقل أبنائهم للعلاج خارج السجن ورغم تصديق النيابة على بعض هذه الطلبات، خالفت السلطات تعليمات الأطباء عندما أعادوا سجناء قبل انتهاء علاجهم، على حد قول عدة عائلات. لم تخبر سلطات سجن العقرب، على الإطلاق تقريبًا، الأهالي عند مرض النزلاء، أو لدى نقلهم للعلاج في عيادات أو مستشفيات خارج السجن. أما المعتقلون من أصحاب الأمراض المزمنة فهم أكثرهم تعرضًا للموت المحقق نتيجة لهذه الممارسات.
الموت رهن الاحتجاز
أثناء فترة حظر الزيارات في 2015، مات 6 معتقلين، حيث قال أقارب ومحامون لبعض النزلاء الستة لـ"هيومن رايتس ووتش" إن "السلطات رفضت النظر في أمر الإفراج عنهم بصفة مشروطة لأسباب طبية، ومنعت علاجهم في الوقت المناسب، وأخفقت في إجراء تحقيقات جدّية في وفاتهم. في إحدى الحالات منعت النيابة تصريح الدفن إلى أن وعد قريب للنزيل المتوفى بعدم تقديم شكوى بشأن غياب الرعاية الطبية".
في إحدى الشهادات المؤثرة يقول التقرير: "عصام دربالة، القيادي بالجماعة الإسلامية، الذي سبق احتجازه 20 عامًا في مجمع سجون طرة والمصاب بالسكري، لم يُسمح له بالحصول على دواء رغم مثوله أمام المحكمة في آب/أغسطس 2015، وكان يرتعد ولا يمكنه الوقوف أو الامتناع عن التبول. مات بعد الجلسة، بعد أن رفض مسؤولو السجن إمداده بالدواء الذي سلمته إليه أسرته، رغم أوامر من النيابة والقضاء بذلك، بحسب أخيه".
الانتهاكات البدنية والنفسية والإضراب عن الطعام
بسبب هذه الظروف وغيرها، قام معتقلو العقرب بالإضراب عن الطعام في شباط/فبراير 2016 فكان رد السلطات عليهم أن هددتهم بالعنف، في حين تعرض بعضهم بالفعل للضرب. بحلول آب/أغسطس 2016، القليل فقط من السجناء استمروا في الإضراب، بحسب أحد الأقارب.
غياب الرقابة
نادرًا ما تمارس هيئات مستقلة التفتيش على السجون رغم أحقيتها قانونيًا أن تفعل ذلك، وعلى الرغم من أن قانون السجون يمنح مفتشي وزارة الداخلية والمحافظين والقضاة وأعضاء النيابة الحق في تفتيش السجون. تعرف هيومن رايتس ووتش بحالة واحدة فقط ، هي حالة عبد الله الشامي التي شهدت اهتمامًا دوليًا كبيرًا، ومارست فيها هيئة ما سلطة تفتيش السجون في سجن العقرب.
العقرب والمعايير الدولية
المعايير الدولية الخاصة بظروف السجون أو التي سميت فيما بعد بـ"معايير نيلسون مانديلا" تنص على أن يُعامل السجناء "بالاحترام الواجب لكرامتهم وقيمتهم المتأصِّلة كبشر. ولا يجوز إخضاع أيِّ سجين للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وتُوفَّر لجميع السجناء حماية من ذلك كله، ولا يجوز التذرُّع بأيِّ ظروف باعتبارها مسوِّغًا له". وبموجب القانون الدولي وقواعد مانديلا فإن الانتهاكات البدنية التي تمارسها السلطات والاستخدام المطول لزنازين "التأديب" يعد من قبيل المعاملة القاسية واللاإنسانية ويُرجح أن يرقى إلى مصاف التعذيب في بعض الحالات.
تدخل السلطات في العلاج الطبي والقيام بإطعام النزلاء المضربين قسرًا في حالة واحدة على الأقل، هي ممارسات ترقى بدورها لمصاف المعاملة القاسية واللاإنسانية. في حالة النزلاء الذين ماتوا رهن الاحتجاز، يشكل ذلك انتهاكًا لحقهم في الحياة. وتخصص "هيومان رايتش ووتش"، في المساحة الأخيرة، من التقرير حول المعايير الدولية مجموعة توصيات تطالب بها الحكومة المصرية ولكن في النهاية لا يوجد أي ضمان من جانب النظام المصري يؤكد إمكانية أن يلقي بالاً لهذه التوصيات وإلا ما كانت ممارساته، من الأصل، لتصل إلى هذا الحد من الانتهاكات بحق النزلاء في هذا السجن.
اقرأ/ي أيضًا: