الترا صوت – فريق التحرير
يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصر هذه الأيام، في جولة تستغرق ثلاثة أيام، ستسقبله فيها القاهرة بود، مثلما استقبلت باريس الدكتاتور المصري قبل عامين. بينما لن تكون لهجة ماكرون حول حقوق الإنسان مختلفة عما فعله وقتها، حين سأله أحد الصحفيين حول التدهور الخطير في حقوق الإنسان في مصر، فقال في تصريحه المعروف: "أنا أؤمن بسيادة الدول. وبنفس الطريقة التي لا أقبل فيها أن يعطيني قادة آخرون دروسًا حول كيفية حكم بلدي، فأنا لا أحاضر الآخرين عن ذات الأمر". أما الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، فلن يكون رده مختلفًا على الأغلب، عمَا قاله عندما تعرض لنفس السؤال، من دون اللجوء حتى إلى سرديات السيادة، مكتفيًا بمقايضة الناس حقوقهم السياسية والمدنية، بأخرى معيشية. حيث قال: "بدلًا من سؤالي عن حقوق الإنسان في مصر اسألوا عن حقوق التعليم. نحن في مصر ليس لدينا تعليم جيد وليس لدينا علاج جيد، وليس لدينا توظيف جيد".
أبدى ماكرون قلة اهتمام واضحة تجاه أي مسألة حقوقية في مصر، مغلقًا عينيه عن واحد من أسوأ أنظمة الاستبداد في التاريخ المعاصر
وقتها استقبل نشطاء حقوقيون السيسي في فرنسا، حاملين لافتات تدعو إلى الإفراج عن الصحفيين، وكانت الصورة الأوضح في أيديهم صورة محمود أبو زيد الشهير بشوكان، المصور الصحفي الذي يقضي عقوبة طويلة منذ فض اعتصام رابعة في آب/أغسطس عام 2013. أما في القاهرة، فلا يبدو أن أيًا من النشطاء المصريين سيحظى بنفس هذا الهامش، محتجًا على زيارة الرئيس الذي نجح في الانتخابات ممثلًا للوسط وجزء من اليسار الفرنسي، وحكم البلاد كأنه أحد مرشحي اليمين المتطرف.
اقرأ/ي أيضًا: دم خاشقجي يكشف وجه ماكرون.. الإليزيه يغرد خارج السرب الأطلسي!
ماكرون "التقدمي": يبيع أسلحة ويدعم القمع!
يقولون عنه أصغر قادة فرنسا منذ نابليون، فيما يصف نفسه بالتقدمي، حيث دعم احتفالات الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في كانون الثاني/ديسمبر، كما يُعلن من وقت لآخر تحفظاته على فكتور أوربان رئيس الوزارء المجري المناهض للهجرة، ثم يستهدف ماتيو سالفيني، نائب رئيس الوزراء اليميني المتطرف في إيطاليا. يقدم نفسه مناهضًا حادًا للشعبوية، وقد أعلن في وقت سابق أنها مع "الكراهية تنتشران مثل الجذام في جميع أنحاء أوروبا". يحاول ماكرون أن يمثل نفسه على أنه وجه أوروبا الديمقراطي الشاب. بينما لا زالت إدارته في فرنسا ترفض فرض الضرائب الأعلى على الأثرياء، حيث يقول منتقدوه إن سياساته تحابي الأغنياء وتحميهم، وهو ما أدركه الشارع الفرنسي مبكرًا، باحتجاجات ألهمت مئات آلاف المهمشين في بلدان عديدة.
أما بالنسبة لسياساته إزاء مصر، فقد أبدى قلة اهتمام واضحة تجاه أي مسألة حقوقية، مغلقًا عينيه عن واحد من أسوأ أنظمة الاستبداد في التاريخ المعاصر. حيث أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا العام الماضي بعنوان "مصر: استخدام الأسلحة الفرنسية في قتل المعارضة"، يتحدث عن تضاعف صفقات السلاح بين القاهرة وباريس عام 2017 أكثر من أي وقت مضى، لتصل إلى 1.4 مليار يورو.
تحايل على الضغوطات
كانت تصريحات ماكرون قبيل زيارته للقاهرة عن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، مجرد تحايل لمواجهة الضغوطات الحقوقية بشأن تصدير السلاح إلى نظام عبد الفتاح السيسي، كما ترى عديد من الآراء. ورغم أنه قال كما نقلت وكالة رويترز، أن هذه الأوضاع الحقوقية "أسوأ الآن مما كانت عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك الذي أطيح به من قبل الاحتجاجات في عام 2011"، إلا أن أي إجراء جدي لمقاطعة هذا القمع، لم يكن موجودًا، ولا يُتوقع أن يحدث في المدى المنظور.
اقرأ/ي أيضًا: ماكرون الظاهرة.. وأفول الأحزاب التقليدية
ففي الوقت الذي قال فيه، إنني "سأجري حوارًا سريًا حول حالات فردية للمعتقلين، وسأتحدث بوضوح أكثر"، فقد أصر على عدم قطع العلاقات مع القاهرة، حتى لا تعزز علاقتها مع دول مثل روسيا، كما قال إنه سيكون هناك "تبادل رمزي" بين النظامين، لأن ذلك "يصب في مصلحة الرئيس السيسي واستقرار مصر". لم ترق المفردات التي استخدمها ماكرون في انتقاد أوضاع حقوق الإنسان في مصر، إلى النقد، إذ لم تتعد كما رأى مراقبون كونها محاولة لتفادي الضغوط الموجهة على باريس، رغم إدراكه أنه "في مصر، نحن لا نتحدث فقط عن المعارضين السياسيين الذين يتم سجنهم، بل المعارضين الذين هم جزء من المجال الديمقراطي التقليدي العام والذين لا يشكلون تهديدًا للنظام، منهم الصحفيون والمثليون".
تأتي زيارة ماكرون في أجواء ذكرى ثورة كانون الثاني/يناير عام 2011 عند المصريين، وسط مشاعر الخوف والغضب المكتوم، وتجدد القمع
تأتي زيارة ماكرون في أجواء ذكرى ثورة كانون الثاني/يناير عام 2011 عند المصريين، وسط مشاعر الخوف والغضب المكتوم، وحيث تجدد السلطات المصرية القمع باعتقال خمسة من أعضاء تيار حزب الكرامة لإحيائهم ذكرى الثورة، حيث حاصرت قوات الأمن المبنى واعتقلت الأفراد المتواجدين في الاحتفال. تجدد هذه الأجواء وغيرها، الاعتقاد بأن نظام ماكرون جنبًا إلى جنب مع دول غربية عديدة، تدعم القمع الجاري في مصر، سواء بزيارات رسمية تعطي مزيدًا من الشرعية للنظام الحالي، أو بصفقات من السلاح، وتقنيات التجسس المستحدثة، دون أي اكتراث بتقارير حقوق الإنسان الدولية المتلاحقة التي تدين الانتهاكات يومًا بعد آخر.
اقرأ/ي أيضًا:
ماكرون والشرق الأوسط.. ماذا ترَك رجل الوسط لأهل اليمين؟
اللوفر أبوظبي ليس مجرد متحف.. عن القوة الناعمة الفرنسية في عهد ماكرون