يبدو أن العالم مقبل في العام 2017 على تسخين عالٍ للأزمات، في ظل استفحال الحروب، وصعود اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا، والأهم من ذلك، إدارة أمريكية جديدة قد تدير العالم كما تدار الشركات! لاسيما أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب، ملياردير ورجل أعمال، ويتقن عقد الصفقات!
في ظل هذه الصورة، تتصاعد موجات العداء للمهاجرين، والنازحين، وتشدد بحقهم سياسات الهجرة في الغرب، فيما تنزوي بريطانيا بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي الآخذ في التراجع.
أزمات العام الجاري ترحل إلى العام المقبل، وهكذا تبقى أزمات سوريا والعراق واليمن مستعصيةٌ، لا حلَّ لها، ولا يلوحُ في الأفقِ
ولأن "العصا السحرية" غائبة، فإن أزمات العام الجاري ترحل إلى العام المقبل، وهكذا تبقى أزمات سوريا والعراق واليمن مستعصيةٌ، لا حلَّ لها، ولا يلوحُ في الأفقِ من بارقةِ أملٍ بوقفِ الاقتتال.
اقرأ/ي أيضًا: حين أخرجت أمريكا إصبعها الوسطى للعالم
وفي هكذا سياق. يجد ترامب نفسهُ في المكان المناسب! إذ إنه سيكون لاعب مهم في بيئات تفيض بالصراعات، والتناقضات، وهو اللاعب الذي أثبت جدارته، وأنه رقم صعب، وقد تجلى هذا في حملته الانتخابية أثناء مواجهته لهيلاري كلينتون، إذ لم يهزمها فقط، بل وهزم استطلاعات الرأي، وماكينة الإعلام الأمريكية، وأثبتَ أن الشعب الأمريكي يتوقُ إلى رجلٍ خطابهُ شعبويّ موجه ضد المهاجرين، والملونين واللاجئين والأقليات.
لا يحتاج ترامب إلى محرض كي يُسعر الأزمات في الشرق الأوسط، ولا إلى أدلة كي يزداد كراهيةً للمهاجرين، فهو يسير ببرنامج واضح يقوم على تفوق الولايات المتحدة على غيرها، وهو ما ترجم في شعارهِ "أمريكا أولًا"، والذي يعني بالنسبة له، أن هذه البلد أولًا في رفض التنوع، والتعايش، بين الحضارات، وهو توجه، للأسف، يتقاطع مع أطروحات "يهودية الدولة"، ورفض الاعتراف باللاجئين الفلسطينيين.
ترامب، تجاوزَ في أطروحاته، حتى أقطاب الحزب الجمهوري الذي ينتسبُ إليه، حتى أن الرجل داخل حزبهِ، وجد من يرفض رؤيته الأحادية، والإقصائية، ومع ذلك، سيضطر الحزب الجمهوري إلى وضع تصورات ترامب ضمن منطق مرن وسلس لتنفيذ رؤيته.
خشونة الرئيس الأمريكي الجديد، وتصلبهُ في رأيهِ، القائم على رفض الآخر، وتصنيف الدول والبشر إلى طبقات دون عرقهِ المتفوق، تجلت في مستشاريه، الذين يشكلون أقصى اليمين المتطرف، في رفض العرب والمسلمين، والإساءة إليهم.
لا يحتاج ترامب إلى محرض كي يُسعر الأزمات في الشرق الأوسط، ولا إلى أدلة كي يزداد كراهيةً للمهاجرين
ويكفي أن نشير، مثلًا إلى وليد فارس، المستشار الأمريكي من أصل لبناني، والذي كان قبل قدومهِ إلى الولايات المتحدة، عنصرًا فاعلًا في "القوات اللبنانية"، وكان دورهُ التوجيه والتحريض، وللتذكير فإن هذه القوات كان يرأسها بشير الجميل الذي تحالف مع الاحتلال الإسرائيلي في لبنان مقابل تنصيبهِ رئيسًا للجمهورية.
والسؤال الآن: كيف يمكن فلسطينيًا التعامل مع هكذا إدارة يمينية متطرفة؟ في ظل انقسام بين فتح وحماس، وصراع داخل البيت الفتحاوي، وحل سياسي معلق، واستيطان متنامي؟ وفي الداخل؛ هل سينعكس ذلك سلبًا على حقوق المواطنين الأصلانيين؟
في البدء، صار من الضروري العودة إلى المربع الأول فلسطينيًا، والدفع نحو مصالحة جادة تنهي الانقسام وتؤسس لمرحلة جديدة، وذلك بهدف توحيد الصفوف لمواجهة هذه التحديات، ومحاولة لإعادة بناء مشروع وطني فلسطيني جامع، وإلا فإن التشرذم في ازدياد، والخصم هذه المرة عنيد ومكابر.
النشاط الاستيطاني سيزداد، إذ إن ترامب لا يرى فيه خطرًا على عملية السلام، ورجل البيت الأبيض، لا يخفي دعمهُ ومساندته لحكومة نتانياهو المتطرفة، وهذا الأمر هو تجسيد لطبيعة الرئيس الجديد، الكاره للتنوع، والرافض للمهاجرين، والمتنكر للسكان الأصلانيين.
يجد نتانياهو في هذه البيئة ما يعزز من توجهاته، لذا لن يتوانى عن التمدد استيطانيًا، وربما نلتمس رفع وتيرة حملته المسعورة في مطاردة نشطاء الداخل، وضربه للأحزاب العربية، منذ الإعلان عن فوز ترامب.
اقرأ/ي أيضًا: ترامب الواضح... ترامب الجميل
وفي ضوء ذلك؛ فإن المساعي نحو مصالحة فلسطينية، يقابلها مساعٍ أخرى نحو تكتل لعرب الداخل، يلتفون عبره حول مجموعة أهداف مشتركة، تتمثل في تصعيد النضال والعمل الميداني من خلال اللجان الشعبية في وجه حملة الأسرلة والتهويد والإقصاء، والتكاتف في التعبير عن هوية عربية حقيقية مقابل هوية مسخ يراد لها أن تكون الطريق نحو "يهودية الدولة".
النشاط الاستيطاني سيزداد، فترامب لا يرى فيه خطرًا على عملية السلام، لا يخفي دعمهُ ومساندته لحكومة نتنياهو المتطرفة
فمسلسل الملاحقة السياسية مستمر في تقديم لوائح اتهام لنشطاء الحركة الإسلامية من مجموعة "المرابطين" وكذلك الملاحقة السياسية لقيادة وكوادر التجمع ضمن حملة مسعورة تسعى لضرب الحركة الوطنية ومحاصرة العمل السياسي ناهيك عن حلبة الكنيست التي تجاوزت مفهوم القوننة وأصبحت امتدادًا واضحًا لثقافة استيطانية إقصائية وكان آخرها قانون الإرهاب وتجريم العمل السياسي، وقانون "تبييض" الاستيطان، وقانون منع رفع الأذان الذي يبث حقيقة أزمة التعامل مع السكان الأصلانيين، ومع طبيعة المكان الذي تم احتلاله من قبلهم والذين بدورهم رغم كل محاولات طمس هوية ومعالم المكان، ما زال المشهد الطبيعي يسيطر ويفرض نفسه أمام هوس يهودية الدولة.
مشهد التحريض والإقصاء ليس جديدًا هي ثقافة الاحتلال والاستيطان بعينه وقد لاحظنا ذلك أيضًا في حرائق الكرمل ومناطق عديدة عندما أصبح بوق التحريض علينا أمرًا عاديًا ضمن ثقافة عامة من الساسة والإعلام والشعب، ولكن واضح أن الأدوات مختلفة وهنا ندرك أهمية التعامل مع هذا المشهد، ليس فقط من باب الروتين وإنما أيضًا كمراجعة عامة لعملنا ونضالنا في ظل هذا الواقع، وكذلك تقويم أدوات نضالنا والسعي إلى تطوير أدائنا السياسي الصدامي في وجه هذه العنجهية، وكيف لنا أن نكون جزءًا فاعلًا في إعادة بناء مشروع وطني فلسطيني يعزز وجودنا ودورنا أمام الاحتلال، وكي يصبح نضالنا مجديًا أكثر نحتاج إلى وعي المرحلة والتخطيط إلى استراتيجية نضال وحدوية تفرض وجودنا بقوة مع تحديات نراها هامة لهذه المرحلة.
اقرأ/ي أيضًا:
انتصار ترامب.. صفعة في وجه العقلانية السياسية
هل يتخلى الرئيس الجديد عن "ترامبيته"؟