رغم أن الولايات المتحدة قبلت أعدادًا منتظمة من اللاجئين منذ الثمانينات، فإن إدارة دونالد ترامب تنقلب بشكل كامل على هذا التراث، تحت مبررات الاقتصاد والإرهاب، بيد أن إيشان ثارور في هذا المقال المترجم عن صحيفة "واشنطن بوست"، يوضح أن هذا العداء ليس للاجئين، ولكن لدول العالم الثالث بشكل خاص وللمسلمين، مع عدم وجود أي مخاوف أو عداء لمن يطلبون الإقامة في أمريكا، من دول أوروبية.
وفقًا للدراسات التي صدرت في وقتٍ سابقٍ هذا الصيف، كان عام 2017 هو أول عام منذ حوالي أربعة عقود تستقبل فيه الولايات المتحدة عدد لاجئين أقل مقارنة ببقية العالم
تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة أكثر الدول ترحيبًا باللاجئين على كوكب الأرض. منذ اعتماد قانون اللاجئين الأمريكي لعام 1980، استقبلت حوالي 3 ملايين من بين أكثر من 4 ملايين لاجئ تم توطينهم في جميع أنحاء العالم. لكن ترامب جعل من استبعاد اللاجئين موضوعًا جوهريًا في رئاسته، كما أقفلت إدارته البوابات أمام الأجانب الذين يلتمسون اللجوء في أمريكا.
وفقًا للدراسات التي صدرت في وقتٍ سابقٍ هذا الصيف، كان عام 2017 هو أول عام منذ حوالي أربعة عقود تستقبل فيه الولايات المتحدة عدد لاجئين أقل مقارنة ببقية العالم. في حين لا تزال واشنطن تقبل عددًا من اللاجئين أكثر من أي دولة منفردة، انخفض هذا العدد إلى 33,000 من حوالي 97,000 لاجئ في العام السابق. وعندما يتم احتسابها كنسبة مئوية من إجمالي عدد السكان في البلد، تتخلف نسب القبول الأمريكي كثيرًا عن بلدان مثل كندا وأستراليا والنرويج.
يُحذّر العديد من السياسيين ومنظمات الإغاثة والمدافعين عن حقوق الإنسان من تفكيك ترامب لنظام إعادة التوطين في البلاد. ووجد تحقيق نشرته وكالة رويترز هذا الأسبوع، استنادًا إلى مقابلات مع أكثر من 20 مسؤولًا أمريكيًا سابقًا وحاليًا، أن "الإدارة رفضت النتائج الداخلية التي تفيد بأنه يمكن قبول اللاجئين بأمان وبقليل من النفقات"، كما جمدت الأصوات المعارضة. وجاء في التقرير أنه "تم عزل اثنين من كبار الموظفين الذين شككوا في سياسات الإدارة من منصبيهما".
اقرأ/ي أيضًا: أمريكا أولًا.. ما أهم ملامح إستراتيجية الأمن القومي الجديدة لإدارة ترامب؟
كتب الصحافيان في رويترز ييجانه تورباتي وعمر محمد: "لقد شرعت الإدارة في اتخاذ إجراءات تدقيق أمنية جديدة ومعقدة وغامضة لفحص الطلبات، والتي أعاقت قبول طلبات اللجوء واستبعدت العديد من مرشحي إعادة التوطين ممن كانوا سيقبلون في السابق". وتابع تقريرهما: "امتد هذا النوع الصارم من التدقيق إلى النساء بالإضافة للرجال من 11 دولة، معظمهم في الشرق الأوسط وأفريقيا. كما خَفّضت الإدارة عدد المسؤولين الذين يجرون مقابلات مع اللاجئين بنسبة تقارب الثلثين، حيث أعادت تكليف حوالي 100 من أصل 155 من الموظفين الذين يجرون المقابلات للتعامل مع طلبات اللجوء للأشخاص الموجودين بالفعل في البلد، بمن فيهم أولئك الذين عبروا الحدود بطريقة غير شرعية".
غالبًا ما يستند تبرير مثل هذه الأعمال على أسسٌ أمنية أو اقتصادية، إذ يقول ترامب إن الهجرة تستورد الإرهاب وتقتل الوظائف الأمريكية. باستخدام هذه الحجج، حاول هو ومساعدوه قمع الهجرة القانونية وغير القانونية على حد سواء.
لكن لا تصمد هذه المحاولات أمام الكثير من التدقيق. حيث وجد تقرير وزارة الصحة والخدمات الإنسانية لعام 2017 -وهو ما حاولت إدارة ترامب التعتيم عليه- أن ما أدخله اللاجئون في إيرادات الحكومة يفوق ما أُنفق عليهم من تكاليف إعادة التوطين بست وثلاثين مليار دولارًا. ووفقًا لرويترز، شعر موظفو البيت الأبيض بالفزع أيضًا عندما تم استعراض إجراءات فحصية أجريت في العام الماضي "خلصت إلى إمكانية السماح بدخول اللاجئين من جميع الدول بأمان" مع بعض التعديلات على النظام. ولكن بدلاً من ذلك، روّجت الإدارة إلى تقرير يدعي أن الإرهاب مرتبط بشكل كبير بالهجرة؛ إلا أن هذا هذا التقرير "المضلّل" كان قد تعرض لاحقًا لهجوم عنيف من قبل مجموعة من المسؤولين السابقين في مكافحة الإرهاب خلال دعوى قضائية.
"من منظور اقتصادي أو أمني بحت، فليست إعادة التوطين أمرًا يستحق حتى أن يحتل صدارة أولويات المتشككين في الهجرة"، حسبما يشير تقرير جديد صادر عن مجموعة الأزمات الدولية، ويضيف التقرير "يميل اللاجئون الذين يعاد توطينهم إلى أن يكونوا مساهمين أقوياء في الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل. فهم لا يأتون بأعداد كافية (بمعدل 80,000 سنويًا منذ عام 1980) لخلق منافسة وظيفية حقيقية للعمال الأمريكيين الحاليين. وعلى الرغم من بعض من الحالات المُهوّل من شأنها، وحقيقة أن أي شكل من أشكال الهجرة لن يكون أبدًا خاليًا تمامًا من الخطر، يتم الفحص بدقة خلال البرنامج ليكون بمثابة مصفاة للتهديدات الأمنية المحتملة".
"تريد إدارة ترامب إلقاء اللوم على نظام الهجرة في أمور حدثت بعد 15 إلى 20 سنة من دخول الناس إلى النظام"، كما يقول جوشوا غيلتزر (Joshua Geltzer)، المدير السابق لمجلس الأمن القومي السابق لمكافحة الإرهاب، لزميلتي إيلين ناكاسيما (Ellen Nakashima). ويضيف "هذه مشكلة تطرف. ليست مشكلة هجرة".
بالطبع، لا شيء من هذا الأمر يهم ترامب أو حلفائه. فمعارضتهم للهجرة تتمحور حول الأيديولوجية والهوية وليس السياسة، وهو أمر يتضح بشكل قوي من البيانات الخاصة باللاجئين الذين أعيد توطينهم في الولايات المتحدة في ولاية ترامب.
لاحظت رويترز أن النسبة المئوية للاجئين المسلمين الذين أعيد توطينهم بلغت ثلث ما كانت عليه قبل عامين، بينما تضاعفت نسبة اللاجئين الأوروبيين ثلاث مرات. وأشارت إلى أن "عدد اللاجئين الوافدين إلى الولايات المتحدة من بلد مولدوفا الأوروبي الصغير، على سبيل المثال، يفوق عدد اللاجئين القادمين من سوريا بمقدار ثلاثة أشخاص إلى واحد، على الرغم من أن عدد اللاجئين السوريين في جميع أنحاء العالم يتجاوز عدد سكان مولدوفا".
اقرأ/ي أيضًا: مترجم: "أمريكا ترامب تذكّر بألمانيا هتلر قبل الحرب العالمية الثانية"
ليس من الصعب استنتاج ما يجري هنا. إن ترامب، بعد كل شيء، هو الرجل الذي أعلن أنه يريد المزيد من المهاجرين من "النرويج" بدلًا من دول "الفضلات" خارج أوروبا. وقد بدأ كبار مشجعوه في وسائل الإعلام اليمينية بالفعل بتحويل مراكز الأهداف إلى ما هو أبعد من الأمور المتعلقة باللاجئين أو المهاجرين، متحدين بدلًا من ذلك، الفكرة الأساسية القائلة بأن التنوع هو سر قوة أمريكا.
إن ترامب، بعد كل شيء، هو الرجل الذي أعلن أنه يريد المزيد من المهاجرين من "النرويج" بدلًا من دول "الفضلات" خارج أوروبا
لكن المسؤولين الحكوميين السابقين يقولون بأن ترامب يبدد دون مبرر تقليدًا متّبعًا في الحزبين بالتواصل مع اللاجئين يعود إلى وقت الحرب الباردة. "لقد قمنا بإجلاء الفيتناميين بعد سقوط سايغون، واستقبلنا اليهود السوفييت في ثمانينات القرن العشرين، ونقلنا جوًا الكوسوفيين الهاربين من الإبادة الجماعية في التسعينات، واعترفنا بآلاف الفتية الضائعين السودانيين الذين تيتموا بسبب الحرب في هذا القرن"، كما كتب كلٌ من أريانا بيرنغوت (Ariana Berengau) وأنتوني بلينكين (Anthony Blinken) في نيويورك تايمز. "في كل حالة، أرسلنا إشارة مهمة إلى العالم. وهكذا دفعنا الحكومات إلى العمل، وقوضنا شرعية الزعماء السلطويين ودافعنا عن الحرية الدينية."
الآن، ومع إدارة ترامب ظهره لهم، يشعر الكثيرون في المجتمع الدولي بالقلق من أن الحكومات الأخرى يمكن أن تحذو حذوه، تاركين البلدان الفقيرة في العالم تتحمل وطأة أزمات اللاجئين في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا. "إذا تقلصت هذه المشاركة، فإن قوتي التفاوضية الإنسانية تتضاءل أيضًا"، كما قال فيليبو غراندي (Filippo Grandi) -رئيس وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين- للصحفيين العام الماضي. وقد يتضح أن تراجع النفوذ هو أحد أثقل التركات الهائلة لرئاسة ترامب.
اقرأ/ي أيضًا:
كشف حسابات السوشيال ميديا شرط جديد للحصول على التأشيرة الأمريكية!