كان عقد الثمانينات في أمريكا يسمى عقد الجشع، في حين مثل محمود عبد العزيز أهم ثلاثة أفلام تعبر عن حالة السقوط الأخلاقي في مصر في عصر ما بعد الانفتاح، فيلم "العار 1982"، وفيلم "الكيف 1985" وفيلم "جري الوحوش 1987".
الشخصيات في الأفلام الثلاثة التي مثلها محمود عبد العزيز انحازت لاختيارات أخلاقية جعلت إنسانيتها على المحك. وسيردد المصريون الجُمل التي قالها محمود عبد العزيز في هذه الأفلام الثلاثة لأكثر من ثلاثين عامًا تالية.
امتاز محمود عبد العزيز بطغيان شخصيته على كادر المشهد وتعميم إحساسه بالدور
ثم من أوائل التسعينيات سيذكر الناس أخف وأظرف وأذكى "كفيف" رأوه في السينما المصرية في فيلم يعد من أجمل أفلام محمود عبد العزيز، ليس فقط على مستوى الإخراج والسيناريو لداوود عبد السيد الذي جعل الفيلم إدمانًا للمتفرجين لأكثر من عشرين عامًا تالية.
اقرأ/ي أيضًا: أودري تاتو.. من هو الفنّان؟
ثلاثة مشاهد لن تنساها للشيخ حسني بطل فيلم الكيت-كات "الحي الشعبي الواقع في شمال الجيزة" مشهد قيادته للدراجة وهو أعمى وتكسيره تقريبًا للسوق الشعبي بالحي. ومشهد قيادته للدراجة مع ابنه "المشهد الأخير" الذي تلته أغنية " يالا بينا تعالوا" كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي.
أما المشهد الأجمل فهو الذي يخاطب فيه "عم مجاهد" الشيخ العجوز مبررًا له بيع بيته. الجملة التي رددتها جداتنا كثيرًا بعد هذا المشهد: "متآخذنيش يا عم مجاهد مغرفة الفول اللي كانت بمليم بقت بنص ريال"، ثم الأداء العبقري للكفيف وهو يشعر أن الشيخ الذي يخاطبه مات جالسًا!
أما أداؤه في فيلم ابراهيم الأبيض بدور عبد الملك زرزور، فقد بدا وكأنه مدمن التمثيل في ذروته، الكاميرا لا تحبه فقط بل هو العنصر الجاذب الوحيد المتربع على عرش الكادر السينمائي في كل المشاهد التي ظهر فيها في الفيلم، براعة اللغة، سلاسة الأداء "عبد الملك زرزور" كان أمتع شخصية في الفيلم تريد أن تراها، رغم أنها ليست المتن، وكأنه قبل الدور رغم هامشيته لأنه يعرف أنه سيكون بطلًا، وسيقوم المتذوقون لدوره بتقطيع مشاهده وحدها لأنها الأثمن حتى لناحية الإحساس السينمائي.
بعيدًا عن اقتناع الناس في مصر بمسلسلات الجاسوسية من عدمه، فقد كان رأفت الهجان أكثرها إتقانًا، وكان أداؤه فيها دقيقًا ومتميزًا، خصوصًا في مراحله الأولى، ولم يأت بعد مسلسل رأفت الهجان مسلسل جاسوسية استمتع به الناس كما استمتعوا بأداء محمود عبد العزيز فيه.
شكل محمود عبد العزيز ثلاثًيا هامًا لعقد من الزمان في السينما المصرية، مع كل من يحيى الفخراني ونور الشريف، كان يستغل نبرة صوته الهادئة، وسرعة بديهته وقدرته على تشكيل أدواره وكأنها خامة من الصلصال تُمنح له فيشكلها كيفما يشاء.
اقرأ/ي أيضًا: محمود عبد العزيز في دور "عم مجاهد".. سلامات
تخلى الحظ عن محمود عبد العزيز في الكثير من مراحل حياته حتى المتأخر منها فكانت بعض أدواره غير محل اهتمام في كثير من الأحيان، مثلما حدث مثلًا مع فيلم ليلة البيبي دول، ومسلسل باب الخلق. لكن محمود عبد العزيز كان قد اكتفى من النجاح وكان يحتاج إلى دور يمثل فيه من أجل المتعة فجاءت بعض المشاهد موفقة في مسلسله قبل الأخير "جبل الحلال"، المشهد يتحدث فيه محمود عبد العزيز عن الموت، حديث قال فيه " شفت الموت والنار من غير عود في جسمي"، يقصد موجودة بلا اشتعال من عود كبرت، ثم يستطرد "مافيش أغلى من الحياة أول ما تفتح عينك الصبح لازم تشكر ربنا، لازم تسلم ع الشمس وتسلم الوكل، وتسلم على قميصك اللي انتا لابسه".
رحل محمود عبد العزيز الليلة وهو يسلم على الحياة لآخر مرة.
اقرأ/ي أيضًا: