كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن الضابط في جهاز مخابرات النظام السوري أمجد يوسف الذي ظهر في فيديو بحي التضامن وهو ينفذ عمليات قتل جماعي بحق مدنيين عزل، ومن ثم يقوم بحرق جثثهم، والمتهم أيضًا بتنفيذ ما يصل إلى اثني عشر عملية قتل جماعي أخرى، لا يزال على رأس عمله في قاعدة عسكرية تابعة لجيش النظام السوري في كفر سوسة بضواحي دمشق.
الضابط في جهاز مخابرات النظام السوري أمجد يوسف الذي ظهر في فيديو بحي التضامن وهو ينفذ عمليات قتل جماعي لا يزال على رأس عمله
وفي تقرير أعده مراسل شؤون الشرق الأوسط في الصحيفة مارتن شولوف، قال إن "أمجد يوسف لا يزال على رأس عمله"، في الوحدة التي تعتبر من أسوأ الوحدات سمعة، والأكثر رعبًا في جهاز الاستخبارات، منذ ستة أشهر، تاريخ كشف "الغارديان" عن وقائع المجزرة.
وتشير الصحيفة إلى أن زميل سابق ليوسف يؤكد أنه اعترف بعمليات القتل في مكالمة هاتفية مع صديق مشترك، وقال "نعم فعلت ذلك، وهذا ما كان يجب عليّ عمله في ذلك الوقت، لم يشعر أحد بالصدمة، وهذا هو النظام".
وصدمت مقاطع الفيديو المسربة العالم، وخاصة الشتات السوري، ونددت عواصم غربية بالمجزرة، حيث فتحت كل من باريس وبرلين وأمستردام تحقيقات في جرائم الحرب المرتكبة في سوريا، وذلك باستخدام الاختصاص الجنائي العام، حيث طاردت الجناة الذين يعتقد أن بعضهم ربما هرب إلى الأراضي الأوروبية.
وفي هذا الإطار، ذكرت الصحيفة بأن محققين ألمان يعتقدون أنهم قد تعرفوا على زميل ليوسف يعيش الآن في ألمانيا، ويقومون بإعداد قضية ضد ضابط المخابرات السابق. كما أثارت مجزرة التضامن أيضًا ضجة في الداخل سوري حتى في صفوف أنصار النظام، وخلقت قلقًا وخوفًا لقيادته من تداعيات هذا التسريب، وبعد الكشف عن المجزرة، أفرج النظام عن حوالي مئة معتقل ممن تمت إدانتهم بمحكوميات طويلة، وقضى بعضهم قرابة عقدٍ أو أكثر في أقبية النظام.
يقول صديق سابق لأمجد يوسف لصحيفة "الغارديان" إنه كان يُخشى من وجود يوسف في حي التضامن على مدار العقد الماضي، فقد كان يخطف بانتظام النساء من شوارع الضاحية القريبة من دمشق، وكثير منهن لم يُشاهدن مرة أخرى. وبضيف "رأيته يأخذ النساء من طابور الخبز ذات صباح، كن بريئات، لم يفعلن شيئًا، تعرضن إما للاغتصاب أو القتل، لا شيء اقل".
وتشير الصحيفة إلى تسجيل مصور غير منشور قالت إنها اطلعت عليه، ويظهر أمجد يوسف يطلق النار على ست سيدات ضمن حفرة، ثم يجري إشعال النار في الحفرة، وتتولى جرافة ردم الحفرة، فيما يبدو أنه محاولة محو آثار الجريمة.
وجرى تنفيذ ما يصل إلى 12 مجزرة أخرى، تلفت الصحيفة أن أهالي التضامن يعرفون مواقعها، وفق ما نقلته عن زميل سابق ليوسف، وألمحت في الوقت نفسه إلى الاشتباه بوجود بعد طائفي لعمليات القتل، لكن اثنين آخرين من زملاء يوسف السابقين أشاروا إلى أن عمليات القتل كانت تهدف أيضًا إلى تحذير سكان التضامن، والمناطق القريبة منها بعدم التعاون مع جماعات المعارضة. حيث أشار المصدر إلى أن جميع مواقع المذابح في التضامن كانت مناطق محظورة على السكان المحليين، وأن العدد النهائي للقتلى على يد الفرع 227 قد يصل إلى 350 شخصًا.
وتقول "الغارديان" إن "الفيديوهات كشفت عن مثال ارتكبت فيه عناصر بارزة في النظام المجازر، وقامت الوحدة بتسجيل المجزرة لكي تثبت للقيادة البارزة، وحتى القيادة السياسية في النظام أن المجزرة قد حدثت".
وتم التعرف على ضابط المخابرات أمجد يوسف من خلال بحث أجراه البروفيسور أوغور أنجور، والباحثة أنصار شحود من معهد دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية بجامعة أمستردام. حيث تم تسريب 27 مقطع فيديو للأكاديميين، قاما بتحميلها من جهاز كمبيوتر محمول يستخدمه الفرع 227 في المخابرات السورية، وكان يوسف نائبًا لرئيس الفرع.
المصادر التي سربت مقاطع الفيديو استطاعت الهرب من سوريا في وقت سابق من هذا العام، في حين تحاول المخابرات العسكرية التابعة للنظام من ملاحقتهم سعيًا للكشف عن هوياتهم، وقد فتحت تحقيقًا لمعرفة كيفية تسريب المواد.
وتبرز خشية نظام الأسد من تداعيات التسريب من خلال ردة فعله الغاضبة عندما أعلنت فرنسا في آب/أغسطس الماضي أنها ستفتح تحقيقًا في جرائم الحرب بسوريا، حيث اعتبر مصدر رسمي في خارجية النظام أن "المقطع المسرب مفبرك، ومجهول المصدر، ويفتقد لأدنى درجات المصداقية". وأضاف أن "الحكومة الفرنسية من خلال انخراطها الكامل في دعمها اللامحدود للإرهاب في الحرب على سوريا، تتحمل مسؤولية أساسية في سفك الدم السوري".
ذكرت الصحيفة بأن محققين ألمان يعتقدون أنهم قد تعرفوا على زميل ليوسف يعيش الآن في ألمانيا، ويقومون بإعداد قضية ضده
وأحالت الخارجية الفرنسية إلى مكتب المدعي العام لمكافحة الإرهاب مقاطع الفيديو، ووثائق تتعلق بمجزرة حي التضامن للتحقيق فيها، وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية إنه من "المرجح أن تشكل الأعمال المزعومة جرائم دولية خطيرة، وتحديدًا الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب". وتابع أن "الحرب ضد الإفلات من العقاب مسألة تتعلق بإنصاف الضحايا"، مشيرًا إلى أنه "شرط أساسي لبناء سلام دائم في سوريا، وبعد عقد من الجرائم ضد الشعب السوري، لا تزال فرنسا ملتزمة بضمان تقديم المسؤولين عنها للعدالة ".