عن حكاية جيلين هزمهما الحب والثورة معًا، يعزف الكاتب عبد الرحيم كمال أنشودته "أهو ده اللي صار"، بين زمنين أحدهما ماضٍ والآخر معاصر، وعلى أنقاض جيلين كبيرهم ابن ثورة 1919، وصغيرهم ابن ثورة 25 يناير، يأتينا هذا المسلسل شارحًا لما حدث، بمشرط جراح وليس بقلم كاتب، يروي قصة خالدة.
يحكي مسلسل "أهو ده اللي صار" سيرة جيلين بين ثورتي 1919 و25 يناير
لا أخفيك سرًّا، توقفت كثيرًا قبل أن أكتب عن هذا المسلسل بالذات، لما عليه من جدل ولما أصابه من عاصفة إعجاب جعلت جمل حواره تتنقل بين مواقع التواصل الاجتماعي، الكل أجمع علي حب المسلسل، ولا يخلو الحُب من مبالغة، لذا دعنا نخض هذه الرحلة بين جنبات "أهو ده اللي صار" متحررين من المعايير الأدبية ومن الإطراء بلا سبب.
اقرأ/ي أيضًا: مسلسل "العاصوف".. كشف المستور في المجتمع السعودي
يبدو أن الثورات في هذا البلد تشبه الأطفال المبتسرين، تولد في غير أوانها، تتجلى لبعض من الوقت، يصل صوتها عنان السماء، ثم تتلقى الهزيمة الموجعة على يد أبنائها وأعدائها معًا، كل على طريقته، تخمد نيرانها لزمن طويل، ثم تعود لتشتعل مرة أخرى، لتلقى نفس المصير، وهكذا دواليك.
من الملاحظ أن جيلنا، أعني جيل المولود في الثمانينات والتسعينات، يشكل جُلّ -إن لم يكن كُلّ- جمهور "أهو ده اللي صار". يحبّ جيلنا بكائيات الثورة وترانيم الشغف، يطارد جيلنا شغفه أينما حل، في حوار درامي أو بين سطور كتاب، ربما في جُملة كتبها عابر على أحد الجدران، أو في كوب قهوة متقن الصنع، في مكان يشعر فيه بالأُلفة، وأحيانًا في موسيقى تعزف نغمة أحلامه البعيدة!
أحببت أكثر حكاية يوسف ونادرة، تلك الحكاية المغزولة بعبق من الفن والحب، براقون هم أكثر من يوسف و سلمى، دائمًا ما يأسرنا الحنين إلي الماضي، ليس لأنه زمن الفن الجميل بل لأنه يجمع بين الهروب من الواقع والإيهام، والإيهام هو سحر كل ما هو بعيد، ونحن مصابون بحب كل بعيد.
نعم نحن أسرى القصور القديمة، الشبابيك الضخمة والأبواب المزخرفة، الفناجين المزخرفة وصوت أم كلثوم، الطرابيش والفساتين، مساجين الأصالة والعراقة والتوق إلى الهدوء، في زمن كان فيه الخشب والأرابيسك والمشغولات اليدوية هم عنوان الفخامة، زمن كانت أجمل مدنه باريس والقاهرة، وليست أبراج دبي ونيويورك الزجاجية كما هو الحال الآن!
عزف عبد الرحيم كمال على أوتار الحب والثورة فأعيا من ليس به داء، في رأيي أن حكاية يوسف ونادرة هي كل المسلسل، وليست الحكاية الأخرى إلا انعكاسًا لتجليات السيرة الأولى، سيرة الأجداد أو إن شئت فقُل سيرة "اللي حب وما طالش"!
بين يوسف ونادرة، أصداف وعلي بحر، وكذلك جوني منصور، تدور رحا الحب المنهزم
بين يوسف ونادرة، أصداف وعلي بحر، وكذلك جوني منصور، تدور رحا الحب المنهزم، كل منهم يحب الآخر بطريقته، بعضهم أحب من لم يحبه، وبعضهم أحب من أحبه، وكلهم عاندته الأقدار، دارت من خلفهم أحداث عظام غيرت وجه هذا الوطن، وغيرتهم أيضًا فلم تبق في قلوبهم موطنًا سليمًا ولم تذر!
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "يوم الدين".. دراما مستعمرة الجذام المصرية
قد تعيينا الهزيمة، لكنها لم تفقدنا القدرة على الحلم، ناطحتنا الثورة، وصلت بطموحنا حد السماء ثم هبطت بنا إلى سابع أرض، لكننا ما زلنا نحلم، عائدون من الغربة وغريبون في أوطاننا، تحطمت قلوبنا على الأرصفة وحطمنا قلوبًا كما حُطمِنا!
اقرأ/ي أيضًا: