05-سبتمبر-2024
ماكرون ونتنياهو

تصر فرنسا على مواصلة تسليح إسرائيل (رويترز)

وجد قرار الحكومة البريطانية تعليق جزءٍ من رُخص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل صداه في الإعلام الفرنسي، الذي أثار بشكلٍ نقدي موضوع تصدير الأسلحة الفرنسية إلى تل أبيب وتسليح جيش الاحتلال، المتهم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة، والذي وضعته الأمم المتحدة في قائمتها السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال.

ولفتت وسائل إعلام فرنسية، بينها صحيفة "لاكروا" وموقع "ميديا بارت" ومجلة "ديسكلوز"، إلى مخاطر استخدام الأسلحة الفرنسية من طرف دولة الاحتلال في انتهاك القانون الدولي في غزة، منوهةً بخطوة حكومة ستارمر في بريطانيا، وذلك بمراجعةٍ تفصيلية للتراخيص الممنوحة من قبل السلطة التنفيذية المحافظة السابقة.

وعلى غرار بريطانيا، قامت دول أخرى بينها إسبانيا وبلجيكا وإيطاليا بتجميد مبيعات الأسلحة بالفعل إلى إسرائيل، كما أمرت المحكمة الهولندية بوقف تسليم قطع الغيار لمقاتلات "إف-35" لإسرائيل. أما فرنسا، فكشفت مجلة "ديسكلوز" أنها تزود تل أبيب بوصلات "إم 27" التي تدخل في تركيب بنادق آلية من نوع "إم 249".

ونشر موقع "ميديا بارت" تفاصيل تقريرٍ حكومي فرنسي يكشف أن باريس سلمت أسلحةً بقيمة 30 مليون يورو لإسرائيل في عام 2023، لكنها ترفض الإجابة عن سؤال ما إذا تمت عمليات تسليم أخرى بعد بدء الحرب في غزة، ربما تكون استخدمت لاستهداف المدنيين؟

لم تعلن فرنسا حظرًا كليًا ولا جزئيًا على شحنات الأسلحة إلى إسرائيل رغم الأدلة المتراكمة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها في غزة

ولفت الموقع، وكذلك صحيفة "لاكروا"، إلى أنّ فرنسا قد: "وقّعت مثل المملكة المتحدة، على العديد من النصوص، بما فيها معاهدة تجارة الأسلحة التي تحظر عليها تسليم الأسلحة إذا كان هناك خطر في استخدامها لارتكاب جرائم حرب أو هجمات موجهة ضد المدنيين".

وتؤكد الصحيفة أنّ الحكومة الفرنسية ملزمةٌ باحترام التزاماتها الدولية وتطبيق معاهدة تجارة الأسلحة، خاصةً أن المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز قالت في تقريرها عن الحرب في غزة إن: "هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل وصلت بالفعل للحد الذي جعل محكمة العدل الدولية تميل إلى وجود خطر معقول بوقوع إبادة جماعية".

لكنّ موقع ميديا بارت يقول متهكّمًا إنّ فرنسا، على ما يبدو وبعد كل نزيف الدماء والدمار في غزة، لم تتوصل إلى نفس الاستنتاجات التي توصلت إليها الحكومة البريطانية، وأنها لم تعلن قط حظرًا كليًا ولا جزئيا على شحنات الأسلحة إلى إسرائيل رغم الأدلة المتراكمة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محتملة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة منذ خريف 2023.

ويشار إلى أنّ الحكومة الفرنسية تصرّ دائمًا على الرد على مثل هذه الانتقادات بالقول إنها تسلم الأسلحة لإسرائيل لأغراض دفاعية فقط. لكنها، حسب المتابعين، لا توفر وسيلةً للتحقق من ذلك رغم الطلبات المتكررة من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية، ولا تزال القائمة الدقيقة للأسلحة التي باعتها أو سلمتها فرنسا إلى إسرائيل غير معروفة.

تقرير عام 2024

لم تنشر الحكومة الفرنسية بعد تقرير عام 2024، كما لم تعرضه على البرلمان رغم تأخر الموعد المحدد لعرضه أمام الجمعية الوطنية الفرنسية. لكن موقع "ميديا بارت" تمكن من الحصول على التقرير ونشره أمس الأربعاء. ويتضمن التقرير الأرقام المضخمة عن عمدٍ للمساعدات العسكرية الفرنسية لأوكرانيا.

ولاحظ ميديا بارت مجموعةً من الأمور الخطيرة في التقرير، مثل ترخيص "التدريب العملياتي" الممنوح لرواندا رغم أن جيشها يقاتل من خلال حركة التمرد إم23، ويرتكب جرائم في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما تم ترخيص آخر للتكنولوجيا العسكرية الممنوحة لإثيوبيا التي لا يزال جيشها متواطئًا في التطهير العرقي في غرب تيغراي.

كما كشف التقرير أنّ الحكومة الفرنسية أعطت الضوء الأخضر في عام 2023 لبيع معدات عسكرية مختلفة للمجر بقيادة فيكتور أوربان، على الرغم من إدانات باريس الرسمية لهذا النظام غير الليبرالي، حسب الموقع.

وفيما يتعلق بإسرائيل والسياسة الفرنسية المتبعة في تصدير الأسلحة إليها، تعلن الدولة الفرنسية في التقرير أنها سلمت عام 2023 معدات عسكرية بقيمة 30 مليون يورو. وبما أن الأشهر غير محددة، فمن المستحيل، حسب "ميديا بارت"، معرفة ما إذا كانت هذه الشحنات قد استمرت بعد شن إسرائيل عمليتها العسكرية الانتقامية ضدّ قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وتكشف الوثيقة أنّ فرنسا صادقت حتى عام 2023 على طلبات إسرائيلية بقيمة 20 مليون يورو من المصنعين الفرنسيين، ومنحت 75 ترخيص تصدير لإسرائيل بقيمة 176 مليون يورو، تتعلق بأسلحة من عيار يساوي أو يزيد عن 20 ملم ومكوناتها، و"قنابل وطوربيدات وصواريخ وقذائف وأجهزة أخرى"، وغيرها.

وزادت فرنسا، حسب الوثيقة التي نشرها موقع "ميديا بارت" من التراخيص التي تسمح بتصدير البضائع ذات الاستخدام المزدوج إلى إسرائيل بشكل كبير في عام 2023، حيث تمثل ما مجموعه 192.2 مليون يورو، مقارنةً مع 34 مليون يورو لعام 2022. وتتعلق هذه التراخيص بالإلكترونيات والاتصالات السلكية واللاسلكية، ولكن أيضًا: "بأجهزة الاستشعار والليزر والملاحة وإلكترونيات الطيران".

وأعاد "ميديا بارت" التساؤل عما إذا كانت هذه التراخيص صدرت قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر أم بعده؟ وعن أنواع أجهزة الاستشعار، ومن هو المتلقي النهائي؟ مشيرًا إلى أنه لا توجد معلومات حول هذا في الوثائق الرسمية. وينقل الموقع الفرنسي عن توني فورتين مدير الدراسة في مرصد التسلح، قوله إنه: "يجب، نظرًا لحساسية الموضوع، أن يكون هناك تفسير للنص، وقبل كل شيء يجب أن نتوقف عن إصدار تراخيص لإسرائيل في ضوء ما يحدث حاليًا في غزة".

وفي السياق ذاته، نقلت صحيفة "لاكروا" عن بينوا موراتشيولي، رئيس جمعية "آسير" التي تهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان في مجال السلام والأمن، قوله: "إن الحكومة الفرنسية ملزمةٌ بوقف أي نقل للأسلحة إلى الحكومة الإسرائيلية التي ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، باعتراف الأمم المتحدة، وأثيرت حولها مسألة الإبادة الجماعية".

ورغم ذلك، أكد وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو أن باريس ليس لديها اتفاق دفاعي مع إسرائيل، بل مجرد ترتيب إطاري يعود تاريخه إلى عام 2016، وتعتبر باريس أن تجارتها مع إسرائيل تتم بمنطق إعادة التصدير إلى دول ثالثة، أي أن الأجزاء المبيعة مخصصة لصناعة التصدير الإسرائيلية، وهي حجة تعتبرها أحزاب المعارضة، وخاصة حزب فرنسا الأبية، "منحازة".