إعداد: سفيان البالي وخالد عبد الواحد الشهلي
تطفو على السطح فضائح تورط إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مستنقع الدماء باليمن، والتي يسعى ماكرون وحكومته للتملص منها بمراوغة الرأي العام الداخلي.
كشف تحقيق عن تورط شركة توتال في فضيحة تعذيب في اليمن، بتحويل إحدى منشآتها لمعتقل للقوات الإماراتية، بمباركة إدارة ماكرون
لم يقف الأمر عند أول ما كشف: التسليح الفرنسي للتحالف السعودي، بما يعني مشاركة السلاح الفرنسي في جرائم الحرب المتهم بها التحالف السعودي؛ لتضاف إلى السيرة المهنية لماكرون، فضيحة متعلقة بالتعذيب، تورطت فيها شركة توتال الفرنسية للمواد البترولية، تتمثل في تحويل منشأتها في جنوب اليمن إلى معقل لتعذيب معتقلي التحالف السعودي.
اقرأ/ي أيضًا: منظمة فرنسية تنشر تسريبات استخبارية عن سلاح باريس في حرب اليمن
هذا ما كشفه تحقيق لمنظمة مرصد التسليح الفرنسية، بعنوان "عملية شبوة.. حرب فرنسا وتوتال في اليمن"، يستعرض كيفية استغلال منشأة طاقة تابعة لشركة توتال، في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة جنوب اليمن، كمركز اعتقال تابع للقوات الإماراتية المتهمة دوليا في جرائم حرب باليمن.
زيارة إلى معتقل بلحاف
"ها قد وصلت إلى الجحيم!"، قال الجندي دافعًا إياه إلى الزنزانة، حيث وجد الأكف والعصي في انتظاره؛ ضربات على الوجه وأخرى طالت كل شبر من جسده، وأيد امتدت إلى لحيته وشعر رأسه لتصفعه مع الجدار الإسمنتي.
هذه شهادة محمد، وهذا اسم مستعار لأحد المحتجزين السابقين في منشأة بلحاف، كما رصدها تقرير مرصد التسليح. ويضيف المواطن اليمني الذي أخلي سبيله فيما بعد، أنهم اتهموه بالانتماء لتنظيم داعش والقاعدة وحتى الإخوان المسلمين. اتهامات اكتشف بعد ذلك افتقارها لأدلة، ليطلق سراحه بعد أن قضى شهورًا مختطفًا لدى القوات التابعة للإمارات بمحافظة شبوة.
كانت شركة توتال الفرنسية تدير بشراكة مع شركة "YLNG" اليمينية أكبر منشأة في المنطقة لإسالة الغاز الطبيعي، وهي منشأة بلحاف، التي تحولت فيما بعد لمعتقل تديره القوات الإماراتية والقوات التابعة لها، مع ازدياد عمليات الخطف والاعتقال خلال الفترة ما بين 2017 و2018.
كان المختطفون يقتادون رأسًا إلى منشأة توتال، حيث يتم تعذيبهم داخل حاويات من قبل ضباط إماراتيين بغرض التحقيق معهم، بعد ذلك يقادون إلى زنازين ضيقة، حيث يقضون أيامًا طويلة دون أي اتصال خارجي، ودون حتى أن يعرف الأهالي مكانهم.
الزنازين في سجن بلحاف لا تتعدى مساحتها 20 متر مربع. وهي قليلة التهوية، ووجودها بمنطقة صحراوية يجعل منها قدورًا خانقة الحر، يتكدس فيها المحتجزون بالعشرات، ينامون على الأرض، مع نقص في التغذية والمرافق الصحية.
وبحسب التحقيق المذكور، حولت القوات الإماراتية، الجناح الأمنية في المنشأة التي تديرها شركة توال، إلى معسكر احتجاز سري، يقاد إليه المختطفون عشوائيًا، ليجردوا من أي حقوق لهم، تحت وطأة التعذيب وسوء المعاملة.
بلحاف.. قلب فرنسا باليمن
بعد صدور التحقيق المذكور، بدأ موقع ميديابارت الفرنسي تحقيقه الخاص في القضية، لفهم كيفية تحول منشأة طاقة إلى معتقل سري في يد القوات الإماراتية، ومسرحًا لجرائم التعذيب التي لطالما اتهمت بها الإمارات في اليمن.
تعد منشأة بلحاف ثمرة أكبر استثمار عرفه اليمن، وتقدر قيمته خمس مليارات دولار أمريكي. وتملك شركة توتال النسبة الأكبر في المنشأة، التي تحتوي كل المرافق الضرورية للإدارة الذاتية: مقرات سكن ووحدة صحية ومنصة هبوط هليكوبتر وأبراج مراقبة وجناح أمني متخصص.
وفيما يخص الحماية الأمنية، تعقادت المنشأة مع شركات أمنية، إضافة لشركات عسكرية لحمايتها من البحر، إضافة للقوات الحكومية اليمنية التي كانت مشاركة بقطاعات من الجيش والشرطة في حماية المنشأة.
لكن على ما يبدو، لم تكن كل هذه القوا كافية بالنسبة لفرنسا، التي دفعت بقوات كوماندوز بحرية كحماية إضافية في بلحاف، وفقًا لما كشفته تسريبات سابقة نشرتها ويكيليكس، على لسان السفير الأمريكي بصنعاء آنذاك.
"كل هذه القوات الكبيرة لحماية هذه المنشأة ما يدل على أهميتها الإستراتيجية البالغة بالنسبة لسياسة فرنسا الطاقية"، يقول تقرير مرصد التسليح الفرنسي. وتؤكد كذلك وجود جنود فرنسيين في بلحاف، تغريدة للقوات البحرية الفرنسية، تعلن من خلالها سحب 44 جندي من المنطقة شرق اليمن، بعد أسبوع من بدء حرب التحالف السعودي على اليمن في 2015.
تواطؤ فرنسي آخر
بعد اندلاع العمليات العسكرية في اليمن سنة 2015، ظلت المنشأة قيد العمل شهورًا، قبل أن تُسرّح شركة توتال عمال المنشأة برسالة نصية، وتعلن بالتالي خروجها النهائي من البلاد.
لكن هل تهمل الشركة تحول المنشأة إلى معتقل تعذيب؟ جاءت الإجابة على لسان مسؤول حكومي: "توتال على علم كامل بما يقع"، لكنها، أي الشركة، تتجاهل الرد على هذا السؤال، بينما الإدارة الفرنسية، من موضع كونها "حليفًا تاريخيًا للإمارات" كما يصفها تحقيق مرصد التسليح الفرنسي، تقع ضمن دائرة التورط في القضية.
ويزيد على ذلك، ما كشفه تقرير لصحيفة لوموند، عن محاولات الدبلوماسية الفرنسية التوسط لإعادة تشغيل منشأة بلحاف، متجاهلة كل الإدانات الدولية للجرائم التي ترتكب في الموقع.
"على ما يبدو أن توتال والحكومة الفرنسية تفضل مصالحها أكثر، وتضغط لإعادة تشغيل منشأة بلحاف، متجاهلة مأساة الشعب اليمني الذي يدفع ثمن ركض الخارجية الفرنسية وراء أموال النفط والتسليح"، يؤكد تقرير منظمة مرصد التسليح الفرنسية.
نقطة إستراتيجية إماراتية كذلك
"الوجود الإماراتي في بلحاف هو جزء من وجودها في الجنوب اليمني بشكل عام، حيث إن المنشأة تمثل مركز قيادة للقوات للإماراتية في محافظات شبوة وأبين ومأرب"، يقول الخبير العسكري اليمني علي الذهب، في تصريح لـ"الترا صوت".
وأضاف الذهب: "توفر بلحاف منطقة آمنة ومريحة للقيادة الإماراتية، ناهيك عن إطلال المنشأة على البحر حيث تسمح للقوات بالتحرك ونقل السلاح عبر القوارب الحربية والسفن، إضافة إلى ما تمثله من نقطة إلتقاء للقوات الإماراتية المتواجدة في المحافظات المذكورة".
موقع بلحاف في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد، جعل منها مركزًا لسيطرة للقوات الإماراتية منذ العام 2016، متخذة من المنشأة قاعدة عسكرية وسجنًا، من جهة موقعها الإستراتيجي أمنيًا، وإطلالها على بحر الحرب، بما يجعلها منطقة مستقلة غير خاضعة لأي رقابة حكومية، لشحن الأسلحة وإدارة القوات الإماراتية داخل محافظات الجنوب.
وفي حين أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن نحو ثلاث مرات، لا تزال قواتها والقوات التابعة لها متمركزة في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات التحالف وقوات الرئيس عبدربه منصور هادي.
ويؤكد التواجد المستمر في قاعدة بلحالف، أن إعلان الانسحاب ليس إلا نوعًا من تطليف الأجواء السياسية. يقول الخبير العسكري علي الذهب: "وجودها (الإمارات) في بلحاف ومناطق أخرى داخل الجنوب بشكل منخفض، يأتي في ظل التخطيط لعمليات أخرى ضد الحكومة الشرعية، ستنفذها قوات الانتقالي في حال أخفق اتفاق الرياض في حل النزاع بالجنوب".
ما علاقة طريق الحرير الجديد بذلك؟
هذا التواجد المستمر للقوات الإماراتية، في مناطق بعينها، يحيل إلى ما يعتبره الكاتب والمحلل السياسي اليمني صالح مقلم، "تنفيذًا لأجندة اقتصادية في المقام الأول".
يوضح مقلم في حديث لـ"الترا صوت": "يُرجع ذلك بالنظر إلى تركيزها منذ اللحظات الأولى على المنشآت الاستراتيجية في اليمن مثل مينائي عدن و بلحاف لتصدير الغاز المسال اللذان يعدان من أهم المنشآت الاقتصادية في الشرق الأوسط".
تسعى الإمارات من هذا إلى الاستحواذ على موانئ هذه المنطقة البحرية، من بداية سواحلها على بحر العرب وحتى مضيق باب المندب، بما في ذلك بطبيعةا لحال ميناء عدن، وسيطرتها على جزيرة سقطرى.
يعلق صالح مقلم، قائلًا: "من المرجح أن سبب استماتة الإمارات في بسط نفوذها على المناطق النفطية والمنشآت المطلة على السواحل الجنوبية والغربية، هدفه فرض أمر واقع يعطل مسار تحقيق مشروع خط الحرير التجاري الذي كان مقررًا لليمن الدخول ضمنه".
وطريق الحرير الجديدة، وهو المشروع الإستراتيجي الذي تعمل عليه الصين خلال السنوات الأخيرة، اختصار طريق التجارة، بريًا أول الأمر عبر ميناء كراتشي الباكستاني، وبحريًا بعد ذلك عبر ميناء عدن وباب المندب، وهو مشروع ملياري، تهدف الصين من خلال كما يبدو، لتوسيع نفوذها في العالم بالورقة الاقتصادية.
ويعتبر مقلم أن ذلك هو الأمر الأبرز الذي دفع الإمارات إلى التحرك وبسط هيمنتها على تلك الموانئ في اليمن؛ "سعيًا منها ﻹفشال الاتفاق بين اليمن والصين، وقطع خط طريق الحرير"، الذي، وعلى حد تعبير مقلم، "إن تحقق، بلا شك، سيقلب مستقبل ميناء دبي والموانئ الإماراتية والخليجية رأسًا على عقب".
شبكة المعتقلات الإماراتية السرية
ليست منشأة بلحاف المعتقل السري الوحيد للقوات الإمارتية في اليمن، والمشبوه بالاعتقال التعسفي وممارسة ألوان التعذيب بحق المعتقلين، ففي تحقيق لوكالة أسوشيتد برس، يكشف شبكة من 18 معتقل سري تديرها القوات الإماراتية وتوابعها في جنوب اليمن.
وبحسب التحقيق، تقع أغلبية هذه المعتقلات داخل قواعد عسكرية لتلك القوات، وبعضها في منشآت مدنية استولت عليها: مطارات، فيلات خاصة وحتى الملاهي الليلية. فيما ينقل بعض المعتقلين عبر البحر الأحمر، إلى قاعدة الإمارات في إريتريا، حسب وزير الداخلية اليمني. فيما العائلات اليمنية تشير إلى ما يزيد عن ألفي معتقل ابتلعتهم هذه الشبكة إلى المجهول.
ويقول أحد الذين تعرضوا للاعتقال على يد القوات الإماراتية، إنه تم احتجازه لأسابيع داخل حاوية شحن، مغمض العينين ومصفد، يتلقى الضرب بشكل يومي، عدا عن الإهانات، والتعذيب بالحرق والاعتداء الجنسي.
من المحتمل أن يكون تمركز قوات إماراتية في منشأة بلحاف وغيرها على السواحل اليمنية، هدفه عرقلة مشروع طريق الحرير الجديد الصيني!
وتؤكد شهادة لمعتقل سابق آخر، أن "الكل كان يعاني من أمراض وجروح متعفنة، والبعض قارب الموت. ومن كان يتجرأ للشكوى كان يقاد مباشرة إلى حجرات التعذيب!".
اقرأ/ي أيضًا:
سلفيون ومرتزقة وطامعون بالانفصال.. أبرز ميليشيات الإمارات في اليمن
صفقة GIAT.. فساد وانتهاكات قانونية فرنسية - ألمانية لصالح جرائم الإمارات