أزمة اقتصادية جديدة يعيشها لبنان مع انخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، بعد أن كان سعرها ثابتًا منذ العام 1999، حيث شهدت العاصمة بيروت ومدن لبنانية مظاهرات غاضبة ضد الفساد وسوء إدارة الحكومة اللبنانية لاقتصاد البلاد، ويتزامن ذلك مع انخفاض الدعم الأممي المقدم للاجئين السوريين بنحو 80 بالمئة بحسب عاملين في الإغاثة.
مع تزايد ضغوط الحكومة والأحزاب اليمينية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، أكد منسق الأمم المتحدة، فيليب لازاريني، أن دمج اللاجئين السوريين في لبنان ليس خيارًا مطروحًا
ومع تزايد ضغوط الحكومة والأحزاب اليمينية اللبنانية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، أكد منسق الأمم المتحدة المقيم في لبنان، فيليب لازاريني، أن "دمج اللاجئين السوريين في لبنان ليس خيارًا مطروحًا، بما يتماشى مع رأي الحكومة اللبنانية"، وأضاف أنه "لا يوجد جدول أعمال خفي للمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال".
اقرأ/ي أيضًا: جريدة النهار اللبنانية.. لا حياد عن العنصرية!
حديث لازاريني جاء خلال اجتماع للجنة التيسيرية لبرنامج الاستجابة للأزمة السورية، الذي يديره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان، وعقد بهدف تقييم أداء البرنامج ونتائجه والتحضير لعام 2020، بحسب وكالة الأناضول.
وتابع لازاريني قائلًا إن الحديث اليوم هو عن "كيفية مساعدة الشعب اللبناني على التعامل مع موقف صعب للغاية حتى يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى ديارهم بشكل طوعي بأمان وكرامة." ويعمل لبنان على إعادة اللاجئين في المخيمات إلى سوريا بالتنسيق مع نظام الأسد وروسيا، فيما تشدد الأمم المتحدة على ضرورة توفر الظروف الملائمة كي لا يتعرضوا للخطر حال عودتهم إلى بلدهم.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني ريشار قيومجيان إن هذا الاجتماع "ليس إلا ترجمة لأهمية تشارك المسؤوليات المترتبة عن أزمة النزوح السوري بين لبنان والمجتمع الدولي". ودعا قيومجيان إلى "زيادة تمويل مشروع دعم الأسر الأكثر فقرًا في لبنان بمبلغ يقارب الـ65 مليون دولار، للتمكن من تقديم المساعدات، لاسيما بطاقة التغذية، لجميع العائلات اللبنانية المستفيدة من البرنامج وعددها 44 ألف عائلة."
سوريا بلد غير آمن
اعتبر الرئيس اللبناني، ميشال عون، أن "شروط عودة النازحين (السوريين) إلى بلدهم أصبحت متوافرة"، وناشد عون "كل زعماء العالم ليساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة إلى سوريا". جاءت مناشدة عون خلال كلمته في أعمال الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وتساءل قائلًا: "هل نحن بحاجة لتذكيركم بحجم التأثيرات السلبية لأزمة النزوح وتداعياتها على لبنان أمنيًا وسياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وبيئيًا، وعلى البنى التحتيّة والنمو وارتفاع معدّل البطالة؟". وتابع أن "النزوح شكّل خطرًا جديًا على برنامج تحقيق أهداف التنمية المستدامة في لبنان، وأدّى إلى تفاقم أزمته الاقتصادية".
لا تنفصل تصريحات رئيس جمهورية لبنان عن سياق تصريحات جبران باسيل وزير الخارجية وصهر عون، والقيادي في التيار الوطني الحر، والذي لاقى انتقادت من مراقبين وصحفيين لبنانيين وصفوا سياسته العنصرية ضد اللاجئين السوريين بـ "الباسيلية".
وعقب قراره الصادر في 13 من أيار/مايو، القاضي بترحيل جميع السوريين الذين دخلوا لبنان بشكل غير نظامي بعد 24 نيسان/أبريل، قال الأمن العام اللبناني إنه رحّل 2731 سوري بين 21 من أيار/مايو و28 من آب/أغسطس 2019 وسلمهم مباشرة إلى النظام السوري.
من جهتها أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن سياسة الترحيل هي إحدى الإجراءات الحكومية العديدة التي زادت من الضغط على اللاجئين السوريين للعودة، بما فيها الهدم القسري لملاجئهم و"قمع" للعمال السوريين ممن ليس لديهم رُخَص عمل، مضيفة أن "هذه التدابير القسرية تأتي وسط خطاب معاد للأجانب من قبل كبار السياسيين الذين يدعون إلى عودة اللاجئين السوريين، ويدّعون أن سوريا آمنة".
وقالت لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط بالإنابة في هيومن رايتس ووتش:"يعرّض لبنان السوريين لمخاطر جسيمة من خلال إعادتهم إلى البلد الذي فروا منه وتسليمهم إلى حكومة مسؤولة عن فظائع جماعية. لبنان ملزم قانونيًا بالسماح للناس بالطعن في ترحيلهم والمطالبة بالحماية، كما يحظر القانون إعادة أي شخص ليواجه الاضطهاد أو التعذيب".
ويوجد في لبنان حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، 74 بالمئة منهم يقيمون بطريقة غير نظامية، بحسب تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية عن عام 2018. كذلك وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري منذ عام 2014 بحق العائدين، وهو العام الذي شهد تصاعد استهداف العائدين بالاعتقال حتى آب/أغسطس الماضي، وقالت الشبكة إن نسبة الذين عادوا إلى المجموع الكلي للاجئين لم تتجاوز 6%، معظمهم من لبنان.
ووثَّق تقرير الشبكة خلال تلك المدة ما لا يقل عن 1916 حالة اعتقال على يد النظام السوري للاجئين العائدين، بينها 219 طفلًا و157 سيدة، ثم أفرج عن 1132 حالة، وبقيت 784 حالة اعتقال، تحول 638 منها إلى حالة إخفاء قسري، كما تم التحقق من مقتل 15 حالة بسبب التعذيب
السوريون في لبنان مديونون وتحت خط الفقر
انتشر اللاجئون السوريون في سوق العمل اللبناني؛ باعتبارهم أيد عاملة رخيصة مقارنة مع أجر المواطن اللبناني. ورغم أن بعض السوريين أسسوا مصالحهم التجارية الخاصة، إلا أن السلطات اللبنانية اتخذت إجراءات قانونية قاسية بحقهم، وإن كان مراقبون يربطون الأمر بحسابات سياسية وانتخابية.
وكان آخرها استجابة بلدية بيروت لنداء وزير الخارجية جبران باسيل بتطبيق القوانين ومنع "منافسة" التجار اللبنانيين. وبدأت بلدية بيروت بإجراءات تشمل إغلاق محال السوريين التجارية بسبب عدم وجود تراخيص، وأذونات عمل، وهددتهم بعقوبات صارمة تتمثل بالإغلاق أو تغريم أصحاب المحلات عن كل عامل سوري مبلغ مليون ليرة بدل إقامة (نحو 670 دولار).
وكان باسيل، المنتمي إلى "التيار الوطني الحر" المتحالف مع "حزب الله"، الذي يشارك قوات النظام في قمع المعارضة السورية، استنجد بالبلديات لتقوم بمهام الدولة والحكومة "اللذين للأسف هم في موقع المقصر في القيام بواجباتهم"، حسب قوله. وأصدرت وزارة العمل اللبنانية، قبل فترة، قرارًا بإقفال المحال التجارية والمؤسسات الصناعية التي يشغلها أشخاص سوريون، كما منعت جميع السوريين من العمل إلا في الأعمال التي حددتها الوزارة، وهي أعمال الزراعة والنظافة والبناء.
منسق اللجنة المركزية للبلديات والعمل الاختياري في "التيار الوطني الحر" روجيه باسيل شدد على ضرورة مواصلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق اللاجئين السوريين الذين يزاولون النشاط التجاري بالمخالفة. وقال للأناضول إن "40% من سكان البلاد (يقصد اللاجئين السوريين) يعملون بطريقة غير شرعية. إذًا البلد في خطر وعلينا معالجة الأمر".
وأضاف باسيل "عندما تصبح 80% من الأراضي السورية آمنة فبقاء السوريين في لبنان يكون غير مقبولًا". وذلك في إشارة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد. وأشار إلى "أن من صلاحيات البلديات ألا تسمح بعمل السوريين إلا بالزراعة والنظافة والبناء، ومنع الاكتظاظ بالمسكن الواحد".
وردًا على ما يتداول من أرقام عن اللاجئين السوريين في لبنان، نشر معهد عصام فارس للدراسات في الجامعة الأمريكية في بيروت دراسة تفيد بأن عدد اللاجئين السوريين المسجلين هي 24 في المئة من تعداد الشعب اللبناني، في حين يشير الرقم المتداول بين وسائل الإعلام إلى أن السوريين يشكلون 40 في المئة وهو ما نفته الدراسة.
وأضاف المعهد أن 29 في المئة من السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 – 24 عامًا، 86 في المئة منهم يعملون في قطاعات البناء والزراعة والخدمات الأخرى، ولم يشغلوا وظائف اللبنانيين، كما تدعي الحملات العنصرية.
وبينما يتذرع رؤساء البلديات لممارسة إجراءاتهم بحق اللاجئين السوريين بالقول إنهم ينافسون اللبنانيين على لقمة عيشهم، ويسلبون فرص عملهم، زاعمين أن اللجوء السوري هو أحد أسباب تدهور الاقتصاد اللبناني، يدحض إحصاء أجرته "الجامعة الأمريكيّة في بيروت" ذلك.
إذ وجد الإحصاء، الذي نُشرت نتائجه مؤخرًا، أن السوريين يعدون أحد أبرز محرّكي العجلة الاقتصاديّة في لبنان؛ كونهم "يساهمون بقيمة 1.25 مليار دولار سنويًا في الاقتصاد اللبناني، ويدفعون نحو 30 مليون دولار شهريًا بدل سكن و20 مليون بدل غذاء، فيما استحدثوا 12 ألف وظيفة جديدة بين اللبنانيين خلال عام، وفقط 6% من السوريين افتتح محلات".
وكانت السلطات اللبنانية أصدرت عددًا من القرارات التي ضيّقت على السوريين، كمنعهم من التجول في بعض المناطق بعد الساعة السابعة مساءً، أو منعهم تمامًا من مزاولة العمل، فضلًا عن تشديد يفرضه الأمن العام اللبناني على السوريين الراغبين بدخول أراضيه، رغم تأمينهم لكافة الأوراق المطلوبة.
ونشر موقع درج الإلكتروني إحصائية أعدها ناصر ياسين أستاذ السياسات العامة في الجامعة الأمريكية ببيروت، تفيد بأن 69 بالمئة من الأسر السورية تحت خط الفقر و51 بالمئة هم في فقر مدقع، و35 بالمئة يعيشون في أماكن سكن غير إنسانية.
كما أن 37 بالمئة من السوريين يتلقون مساعدات قدرها 27 دولارًا للفرد لتغطية تكلفة الغذاء، أي ما يقارب 150 دولار للأسرة شهريًا بحسب عدد أفرادها. وأضاف "ياسين" أن السوريين يصرفون أكثر مما يتلقون من مساعدات، مشيرًا إلى أن 90 بالمئة منهم مديونون بنحو ألف دولار.
القصير.. عودة مشروطة
كشف مصدر خاص لـ"ألترا صوت" أن نظام الأسد سمح بعودة نازحين سوريين داخل سوريا إلى مدينتهم القصير الحدودية مع لبنان، بشرط أن لا يكون العائدون من المطلوبين أمنيًا لأفرع النظام الأمنية، وكان النظام قد سمح في تموز/يونيو الماضي بعودة 1200 شخص إلى القصير معظمهم من الموظفين السابقين في"الدولة" وغير مطلوبين للنظام.
وسيطر نظام الأسد و ميليشيا حزب الله، منتصف 2013،على القصير عقب معارك مع فصائل الجيش الحر، وتسبب القتال في تهجير سكان المدنية، ثم تحويلها إلى ثكنة عسكـرية لكل من مخابرات النظام وعناصر حزب الله.
وتفيد تقديرات بأن عدد المهجّرين من القصير تجاوز الخمسين ألفًا، ورغم عودة عدد من النازحين في الداخل إلى المدينة، فإن الغالبية ما زالوا ممنوعين من العودة.
في لبنان، يتركز لاجئو القصير في منطقتي عرسال والبقاع، وهم يؤيدون عودة اللاجئين السوريين طواعية إلى بلدهم، لكن تحت رعاية وضمانات دولية وأممية. وفرض النظام السوري شروطًا تعجيزية على سكان القصير، الراغبين في العودة إليها. فبعد الدخول إلى القصير، لا يسمح لهم أن يقيموا في منازل مدمـرة أو منازل لا يملكون إثباتًا بملكيتها، ولا يسمح لهم أيضًا بإدخال مواد البناء، لترميم المنازل المهدمة.
عنصرية في الإعلام اللبناني
تسير بعض وسائل الإعلام اللبنانية على إيقاع الخطابات العنصرية للسياسيين اللبنانيين على غرار وزير الخارجية جبران باسيل، حيث أثار كاريكاتير عنصري نشرته قناة "أو تي في" اللبنانية في 24 من أيلول/سبتمبر، غضبًا كبيرًا بين اللبنانيين بعدما سخرت فيه من اللاجئين السوريين الذين يدرسون في المدراس اللبنانية وكذلك من الأجانب.
ونشرت القناة المحسوبة على رئيس الجمهورية ميشال عون، كاريكاتير يُظهر عودة طالبين لبنانيين إلى المدرسة مع العام الدراسي الجديد، ليتفاجئا بأنها لم تعد تتسع للطلاب. وتظهر في الكاريكاتير لافتة وضعت على باب المدرسة مكتوب عليها: "نعتذر منكم، المدرسة ممتلئة بالسوريين والعراقيين والفلسطينيين والهنود والزنوج والأحباش والبنغاليين".
وأشعل الكاريكاتير جدلًا ونقدًا واسعين من قبل ناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبين بـ"إيقاف السياسة العنصرية التي تتفشى في البلاد والتي لا تشبه طبيعة الشعب اللبناني". وفي وقت لاحق اعتذرت المحطة وحذفت الكاريكاتير عن موقعها، وأعلنت أنها ستوقف الفنان الذي قام برسم الكاريكاتير.
وفي 5 من أيلول/سبتمبر 2018، نشرت قناة "إم تي في" اللبنانية، تقريرًا قالت فيه إن "النازحين" السوريين هم أحد أسباب ارتفاع عدد المصابين بمرض السرطان في لبنان. ويشدد مراقبون أنه على الحكومة اللبنانية أن تتحمل مسؤوليتها في لجم ردود الفعل السلبية والمتنامية التي يبديها اللبنانيون تجاه اللاجئين، فالخطاب السلبي من قبل قادة الحكومة يمكن أن يغذى ويؤجج المشاعر المعادية للاجئين.
اقرأ/ي أيضًا: ديك "النهار".. حين يتقيأ عنصرية ضد السوريين
ونقل معهد واشنطن للدراسات عن مسؤولين في الأمم المتحدة، قولهم "إن الوقت ربما حان لإيجاد محفزات في سوريا تشجّع بعض اللاجئين على العودة إلى وطنهم. وباعتقادهم أنه على روسيا والدول الأوروبية أن تناقش مع النظام السوري مسألة إعفاء اللاجئين العائدين من الخدمة العسكرية". مع أن فعالية هذه الخطوة قد تكون محدودة في البداية، بالإضافة إلى تعديل القوانين بما يسهّل على اللاجئين استعادة منازلهم وإعادة بنائها ويسهّل بشكل خاص على المفوضية الوصول إلى العائدين لتلبية احتياجاتهم.
تعتبر الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية أن عودة اللاجئين بأعدادٍ كبيرة من لبنان لن تحدث ما لم تحصل تسوية سياسية تضمن عودتهم السالمة
مع ذلك، تعتبر الأمم المتحدة والجهات المانحة الدولية أن عودة اللاجئين بأعدادٍ كبيرة من لبنان لن تحدث ما لم تحصل تسوية سياسية تضمن عودتهم السالمة وتفتح المجال أمام تدفق أموال إعادة الإعمار إلى سوريا.