وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي دائرة غاراته التي استهدفت عمق الأراضي اللبنانية، وشنّ أمس الأحد غارتين جويتين على العاصمة بيروت. استهدفت الغارة الأولى مبنى يُستخدم كمقرّ لحزب البعث العربي الاشتراكي في منطقة رأس النبع وسط بيروت، أثناء وجود مسؤول العلاقات الإعلامية لحزب الله، محمد عفيف، داخل المبنى. أما الغارة الثانية، فاستهدفت محلًا لبيع الأجهزة الإلكترونية في مخيم مار إلياس. جاء ذلك بالتزامن مع دراسة لبنان لمسودة المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار، مما يترك الباب مفتوحًا أمام جميع السيناريوهات.
ونعى حزب الله في بيان نُشر عبر قناته على "تليغرام" عفيف، الذي وصفه بأنه كان ينقل "صوت المقاومة وموقفها"، بالإضافة إلى "رسم معالم المعركة القائمة بكل وضوح من خلال إطلالاته الحيّة في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت". وأشار البيان إلى أن دور عفيف برز بوضوح خلال حرب تموز/يوليو 2006، عندما كان يعقد المؤتمرات الصحفية من وسط الدمار في الضاحية الجنوبية، وهو الدور الذي أعاد تجسيده مع توسع العدوان الإسرائيلي على لبنان منذ 23 أيلول/سبتمبر الماضي.
وكان عفيف قد أكد، في مؤتمراته الصحفية السابقة التي عقدها بين أنقاض المباني المدمرة في الضاحية، أن "القوات الإسرائيلية لم تتمكن من احتلال أي منطقة في لبنان"، وأن "حزب الله يمتلك ما يكفي من الأسلحة والإمدادات لخوض حرب طويلة". كما أعلن في وقت سابق تبني الحزب رسميًا استهداف مقر إقامة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في قيسارية وسط إسرائيل.
يترك التصعيد الإسرائيلي الذي تشهده مختلف الأراضي اللبنانية الباب مفتوحًا أمام السيناريوهات التي ممكن أن يفضي إليها المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار
وبالتزامن مع استهداف العاصمة بيروت للمرة السادسة في أقل من شهرين، وسّع جيش الاحتلال من دائرة المناطق التي يُنذرها بالإخلاء الفوري، وطالت منطقة الشياح المحاذية لعين الرمانة، وهي من المناطق التي كانت تُعتبر آمنة حتى، أمس الأحد، الأمر الذي أفضى إلى حدوث موجة نزوح جديدة، خاصة وأنها من المناطق التي استقبلت نازحين من مختلف أنحاء لبنان، وهو ما تسبب بنزوح السكان من المنطقتين.
هذا التصعيد الإسرائيلي الذي يتزامن مع دراسة لبنان للمقترح الأميركي، ينظر إليه الخبير العسكري والاستراتيجي، منير شحادة، في حديثه لـ"التلفزيون العربي" على أنه "من ضمن رسائل الضغط بالنار على لبنان، لكي يرضخ لشروط المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار"، لافتًا إلى أن اغتيال عفيف يأتي في سياق المحاولات الإسرائيلية لإحداث "الفتنة والنقمة على المقاومة، والضغط بالنار لكي ترضخ للشروط الإسرائيلية من خلال المفاوضات".
من جانبه، نقل موقع "العربي الجديد" عن أوساط مقربة من رئيس البرلمان اللبناني، نبيه بري، قولها إن "الأجواء وإن كانت إيجابية نوعًا ما، إلا أنه لا يمكن البناء عليها والأخذ بها، سواء للتجارب السابقة مع العدو على الصعيد اللبناني وآخرها المبادرة الأميركية الفرنسية، أو مسار الهدنة في غزة"، وأوضحت المصادر أن لبنان يتعامل "مع عدو لا يؤتمن"، مؤكدة المعرفة المسبقة بـ"مناوراته للظهور بمظهر المتعاون لا المعرقل"، وأنه "لا ثقة تاليًا بكلامه"، مشيرة إلى أنه "من هنا تكرار التأكيد بأن العبرة تبقى بالخواتيم".
واعتبرت المصادر المقربة من بري أن لجوء جيش الاحتلال إلى التصعيد بتوسيع أهدافه التي تطال السكان المدنيين وفرق الدفاع المدني دليل على "إجرامه ونواياه ومحاولته الضغط بقوة النار لفرض شروطه"، لافتةً إلى أن "المقترح الأميركي الأخير أخذ كثيرًا من الملاحظات اللبنانية، وكما بات معروفًا فإن المسودة لا تتضمن أي نوع من حرية الحركة لجيش الاحتلال في لبنان، الأمر الذي كنا نعارضه ونعتبره مسًا بالسيادة الوطنية، كما لا تتضمن بند نشر قوات من حلف شمال الأطلسي "الناتو" أو غيرها في لبنان"، مؤكدة أن "النقاش هو حول لجنة الاشراف على تنفيذ القرار 1701".
14 شهيدًا جراء استهداف الاحتلال للمركز الرئيسي للدفاع المدني اللبناني في منطقة دورس بمدينة بعلبك.
اقرأ أكثر: https://t.co/FRIwRlGhwV pic.twitter.com/etxrNZdBOU— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 16, 2024
وأكدت المصادر أن الموقف اللبناني من المقترح الأميركي يتم بالتنسيق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، وبعلم حزب الله، الذي أوكل الملف السياسي لنبيه بري. وشددت على أن لبنان ليس معرقلًا لأي اتفاق، بل أكد منذ البداية التزامه بالقرار 1701 وانتشار الجيش في الجنوب وتعزيز التعاون مع قوات "اليونيفيل".
مع ذلك، أكدت المصادر أن لبنان لن يقبل بأي تسويات تمسّ سيادته الوطنية. وأشارت إلى أن زيارة المبعوث الأميركي، عاموس هوكشتاين، إلى بيروت قد تكون مرتبطة بنتائج المفاوضات، لكن لم يتم إبلاغ لبنان رسميًا بموعد الزيارة حتى الآن.
في سياق متصل، أعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عباس الحلبي، أمس الأحد، عن إغلاق المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة ومؤسسات التعليم العالي التي تعتمد التعليم الحضوري في بيروت الإدارية، وساحل الشوف، وساحل المتن الشمالي، وبعبدا، وعاليه. وأوضح أن الإغلاق يشمل يومي الإثنين والثلاثاء، مع اعتماد التعليم عن بُعد خلال هذه الفترة، وفق ما أفادت به الوكالة الوطنية للإعلام.