03-أكتوبر-2021

كاريكاتير لـ بيت كرينر/ أستراليا

 يُكتب الكثير، أكثر مما يطيقه عاقل، عن الصراع بين الولايات المتحدة والصين أو روسيا. وعن هوية المنتصر في أفغانستان، وعن انتصارات إيرانية على الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وعن قرب زوال الإمبراطورية الأمريكية لصالح بزوغ نجم إمبراطورية صينية أو إمبراطورية تقودها الصين.

هل يحسب البعض أن تقدم الصين على الولايات المتحدة سيضع الولايات المتحدة في موقع جورجيا أو المجر أو الصومال؟

إنما ما الذي يعنيه هذا كله؟ هل يحسب البعض أن تقدم الصين على الولايات المتحدة سيضع الولايات المتحدة في موقع جورجيا أو المجر أو الصومال؟ هل يعتقد هؤلاء المتحمسون أن تجاوز الاقتصاد الصيني، لجهة حجمه، للاقتصاد الأمريكي سيجعل شركة أمازون غير قادرة على تسويق المنتجات وبيعها؟ أو سيدفع شركة آبل للإفلاس؟

اقرأ/ي أيضًا: ذوبان الدولة السيدة

ما الذي سيتغير حقًا لو تجاوزت الصين الولايات المتحدة؟ وأين تتنافس الدولتان واقعًا؟ هذان سؤالان يندر أن يفكر فيهما أي من المتحمسين من الكتّاب والصحافيين.

في القرنين الماضيين لم يحدث أن سقط من نادي الدول الغنية والمقتدرة أي عضو. وحدث أن دخل إليها أعضاء جدد: معظم دول الخليج العربي، سنغافورة والصين وكوريا الجنوبية، وإسرائيل..

لكن القرنين الماضيين شهدا سقوط هيمنة إمبراطوريات وصعود أخرى. بل بدا لعقد من الزمن في أواخر القرن الماضي أن اليابان قد تتصدر الإمبراطوريات وقد تنجح في إزاحة الولايات المتحدة الأمريكية عن الصدارة. لم يحصل هذا التمني، مع ذلك لم تسقط اليابان إلى الحضيض جراء خسارتها المواجهة مع الولايات المتحدة. ما زالت دولة كبرى وغنية وما زال حسابها يحسب في كل وقت ومكان.

الانتصار الإيراني والأفغاني أيضًا يجب أن يساءلا طويلًا. ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق؟ خرج الأمريكيون من أفغانستان وقد يخرجون من مناطق نفوذ إيران ومناطق صراعاتها. هل دخل الأفغان إلى العالم؟ أم أنهم في طريقهم إلى التحول لدولة قطاع طرق، تتوسل بالقرصنة الدولية حضورها في نشرات الأخبار واهتمامات الدول كما هي حال إيران؟ بل وتبدو حال إيران أسوأ كثيرا من حال أفغانستان مستقبلًا. ذلك أنها حاضرة في الذهن العالمي بوصفها دولة أزمات اقتصادية متلاحقة. تمامًا كما تحضر سوريا واليمن ولبنان، وهي دول يمكن القول إنها تدور في فلك النفوذ الإيراني.

لا بأس بهذا الانتشاء بالانتصارات. ربما يكون مفيدًا من نواح معينة. أقله حتى لا تشعر شعوب هذه البلدان أنها خسرت كل شيء. إنما ربما يجدر بشعوب هذه البلدان المنتصرة وقادتها في المقدمة أن يفكروا مليًا قبل تمني انهيار الأمبراطورية الأمريكية أو الصينية أو اليابانية، أو حتى انهيار الدولة الهولندية. انهيار أمريكي يعني خرابًا عالميًا وسقوطًا حرًّا إلى قاع الهاوية لكل العالم من دون أي حواجز. وهذا ما سيحصل بدرجة أقل حدة لو أن انهيارًا صينيًا أو يابانيًا أو ألمانيًا وقع. ذلك أن هذه الدول، ليست ممالك مقفلة، هي دول ترتبط معيشة أهل الكوكب كلهم بها بدرجة وثيقة. أن تخرج الصين من معادلة الحضور العالمي يعني أن معظم ما نستعمله اليوم من أدوات وآلات سيختفي فجأة. وأن تخرج الولايات المتحدة من هذا السباق يعني أن معظم اتصالاتنا وتحويلاتنا المالية، ومدخراتنا في المصارف المحلية والعالمية ستتبخر كما لو أنها لم تكن ذات يوم. هل يستطيع الإيراني المحاصر بالعقوبات أو الروسي الذي يستجدي فتح الأسواق الأمريكية أمام منتجاته تحمل مثل هذه الكارثة؟

أن تخرج الصين من معادلة الحضور العالمي يعني أن معظم ما نستعمله اليوم من أدوات وآلات سيختفي فجأة

الأرجح أن مصلحتهما تقضي أن تبقى الولايات المتحدة الأمريكية حيث هي. وأن تبقى الصين أيضا حيث هي. لكي يبقى ثمة أمل لهما بالبقاء أو الترقي، إذا كان الترقي ممكنًا. في الأثناء يستطيع الروسي أن يشن هجمات سيبرانية على مصالح أمريكية ليطلب فدية مالية، ويستطيع الإيراني أن يقاتل من يظن أن الولايات المتحدة تخاف على مصالحهم وتهتم لشؤونهم. هذا لن يغير في المعادلة شيئًا، فهذه معادلة قائمة منذ دهور، ولم تغير هذه المناوشات، المستمرة أيضًا منذ دهور، في الموازين الدولية وزن خردلة.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص |أفغانستان: مستقبل قلق بعد عقدين من الاحتلال الأمريكي

مع ذلك في وسعنا أن نهنئ الإيرانيين بانتصارهم المدوي على الولايات المتحدة، وأن نبارك لهم سعيهم لدفع الولايات المتحدة للانهيار الوشيك. إنما في الأثناء ينعم الأمريكيون بالوفرة والرفاه، ويستمرون في اختراع الحاجات لأنفسهم وللعالم أجمع، ويفرضونها على العالم بمجرد تبنيها. فيما تستمر الأمم التي انتصرت على الولايات المتحدة في المكابدة والمعاناة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف والدولة.. جدليات العلاقة

قرن من التلاعب بالعقول