كما كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى علامة فارقة في تاريخنا، كانت كذلك سببًا في جعل الكاتب والباحث فؤاد عبد النور يفكر في وضع كتاب "الجليل.. الأرض والإنسان" كدليل لمعرفة الجليل وقراه موجه للفلسطيني الذي سيعود، لكي يساعده في معرفة البيت الذي لم يعد موجودًا، والكنائس والمساجد التي تهدمت طيلة فترة غياب أهلها عنها.
وقد صدرت الطبعات الأولى والثانية في القدس عامي 1990 و1992، فيما صدرت الثالثة عام 2018 في برلين عن طريق مركز حيفا الثقافي، وحسب ما ذكر عبد النور في المقدمة فإنه اعتمد في عمله على ثلاث وسائل في جمع المعلومات، الأولى عن طريق تسليم نموذج موحد لطلب المعلومات إلى رؤساء البلديات والمجالس المحلية في صيف عام 1988، والثانية من خلال البحث عمّا يلفت النظر في البلدة مما يستحق الكتابة عنه، والثالثة من خلال قصص الأشخاص الذين تساهم قصة حياتهم وتجاربهم في ابراز ناحية معيّنة لحياة العربي في الجليل.
وفي مقدمة الطبعة الثانية يذكر الكاتب ما لاحظه من ردود فعلٍ مبنية على التعصب للعائلة والحمولة بين أبناء الجليل، بالإضافة الى الصعوبات التي واجهها وهو يعمل على تعديلات وإضافات للطبعة المذكورة، مثل التصادمات ما بين المصلحة العامّة في إنقاذ روح الأمّة والمصلحة الخاصّة للزعامات المتنفذة، كما أنه تفاجأ من سلوك البعض حين يفتحون "المرشد" على صفحة بلدتهم وحين لا يجدون ما يهمّهم أو اسمًا لشخصية من عائلتهم أو أيّة معلومة لا يريدون ذكرها، فإنهم يدّعون أنه عملٌ ناقص.
وكما يُشير عبد النور أيضًا أن مؤلفه هو مزيجٌ من أدب الرحلات والمعلومات الموثقة، وليسَ دليلاً سياحيًا تجاريًا.
في عام 2002 قام الكاتب بزيارة إلى برلين، حيث كان حينها يعاني من مشاكل صحيّة تطلبت منه البقاء في المدينة، ولايزال مقيمًا فيها حتى اليوم، وفي عام 2010 بدأ التفكير في العمل على طبعة ثالثة من الكتاب.
ويبدي الكاتب تعجبه وإعجابه في ذات الوقت مما رآه من تمسك الفلسطينين في المنافي بأرضهم، وأنه برغم تلك السنين التي مرّت، ومحاولات الاحتلال لؤادِ هذه القضية والعمل على إنشاء جيل لا يتذكر، إلّا أنه وبرغم السنين والصعوبات، والمسافات التي تفصل بينَ أماكن اقامتهم الحالية وأرض فلسطين، لازال حقّ العودة عند الأجيال الجديدة يشكّل أساسًا لهويتهم الفلسطينية.
وتتميز الطبعة الأخيرة من الكتاب بإنها أكثر اتساعًا من الطبعات السابقة واحتوت على فهرست للإعلام، وترتيب أفضل للخرائط الموجودة فيها لتسهّل عملية الوصول إلى القرى بشكل كبير، كما يشير الكاتب إلى استعانته بالإنترنت للوصول إلى أهالي تلك القُرى والبلدات وتسجيل ذاكرتهم، كما أنه غطى مقاومة الاستيطان الصهيوني بشكل موسع سواء كانت هذه المقاومة في فلسطين أو في المهجر.
يقسّم عبد النور المرشد إلى أحد عشرَ مسارًا تتبع فيها 265 مدينة وقرية وتجمعًا سكّانيا في الجليل، وتوزعت المسارات ما بين شمالية تنطلق من مدينة عكّا، وجنوبية تنطلق من مدينة الناصرة.
ويتميز هذا العمل بما يحتويه من قصص خاصّة بكلّ مدينة وقرية زارها الكاتب، فمن يقلّب صحفاته بحثًا عن قريةٍ معينة، يجد نفسه وقد أكمل قراءة قصّة تلو الأخرى دون أن يشعر، فقد أضاف عبد النور تجربته الشخصية من حوارات وأحداث صادفها أثناء بحثه المكثف ليضعها بين يدي القارئ.
كما يُسجل للمؤلف جهده الكبير في تأريخ القصص الشفوية التي يتناقلها أبناء كل بلد، وهي الحكايات الحقيقية التي يتناقلها الناس ومن الواجب أن تُحفظ لتنتقل من جيلٍ لآخر، كموروثٍ يجمع الشعب الفلسطيني في كل مكان.
إن هذا الكتاب ليسَ روايةً تُقرأ على جلسة واحدة ثُم يُترك على رفِّ المكتبة، بل هو مرجعٌ جغرافي وقَصصي لكل القُرى المذكورة فيه، ومن خلاله فقط يمُكن لأي فلسطيني لم تُتح له الفرصة لزيارة الجليل أن يتعرف على طبيعته ومُدنه وقراه وقصص أهله أيضًا.
فؤاد عبد النور كاتب وباحث فلسطيني من أصل لبناني، من مواليد 1936،كتب سيرته الذاتية ونشرها تحت عنوان "عشنا وشفنا وهرمنا". يقيم في برلين حاليًا ويشرف على "مركز حيفا الثقافي"، وإلى جانب كتابه هذا لديه كتاب مماثل عن منطقة المثلث بعنوان "المثلث.. الأرض والإنسان".
اقرأ/ي أيضًا: