وسط هذا التسارع المحموم للدرامات العربية في سوق العرض والطلب، إن كان خلال الموسم الرمضاني أو خارجه، ومع ظهور مفهوم جديد للعرض يتجاوز الشرط التلفزيوني التقليدي، المحكوم بزمن وتسلسل بطيء لعرض المسلسلات التلفزيونية، وهو مفهوم العرض على المنصات الرقمية الذي أتاح فرصة كبيرة لمزيد من الإنتاجات على مستوى النوع والكم، فضلًا عن إتاحته خيار الأرشفة الرقمية من قبل شرائح المستخدمين، وحرية التحكم بأوقات المشاهدة ورتمها؛ صارت هذه المنصات تبحث عن فتح مساحات جديدة أمام الإنتاج الدرامي لتوسيع قاعدة مستخدمي خدماتها الترفيهية.
ولذلك سوف توسع هذه الموجة الجديدة إمكانية اطلاع المشترك على دراما عربية لم تكن في حقبة الفضائيات تثير شهية القنوات التلفزيونية لعرضها، بسبب خضوعها لسياسة الطلب، وكانت هذه المحطات الكبيرة ولا زالت شديدة الارتباط بسوق الإنتاج المصري، ومن بعده السوري، وثم الخليجي.
لكن المستقبل يقول أننا أمام انفتاح أكبر على مختلف أسواق الإنتاج الدرامي في العالم العربي، خاصة مع تبلور مفهوم مزايا العرض المصاحبة لكل منتج درامي. وعلى الرغم من أن موجة المنصات الرقمية على المستوى العربي ما زالت حكرًا على مؤسسات صناعة ميديا عريقة مثل "إم بي سي"، ومنصتها الرقمية الرديفة "شاهد"، لكننا أمام مستقبل قريب سيودع فيه المشاهد شرط المشاهدة التلفزيونية التقليدية، وسوف يكون أمام خيارات تنافسية بين منصات عرض رقمية عديدة.
ومع هذا الاستشعار بمغادرة حقبة والدخول بحقبة جديدة، كان لا بد لنا من إجراء استعراض تاريخي لمختلف كلاسيكيات الدراما العربية، منذ انطلاقتها كمشاريع تلفزة وطنية وحتى نضجها الترفيهي والتوعوي والتوجيهي أحيانًا.
نستعرض من خلال هذا الملف البدايات لكل دراما على حدة وكيف تطورت على مستوى النص والصورة والتمثيل والإخراج والعمليات الفنية الموازية. وعبر هذه العودة، ربما يستطيع المشاهد الواقف على تخوم مستقبل جديد في شرط ونوعية العرض الترفيهي، أن يدرك التراكمات الإبداعية والفنية التي منحت كل واحدة من هذه الدرامات خصوصيتها وكيمياء حضورها، وربما يتصل هذا المشاهد الغارق بخيارات لامحدودة من الترفيه البصري بمشاهد الأمس المسحور بصندوق الدنيا العجائبي المحدود بفترة بثه وبمنتجاته الترفيهية.