مع حالة تراجع الزخم الثوري الذي شهدته بلدان الربيع العربي، تغير موقف كثير من النخب السياسية والثقافية التي كانت تدافع عن الحريات والتعددية السياسية سابقًا، لتجعل من نفسها الآن داعمًا لكل رؤى الاستبداد والإقصاء، بحجة مبررات عديمة المعنى وفارغة المضمون.
الكثير من رموز النخب المصرية، لا يجدون حرجًا في دعم ومساندة منع التظاهر وتكميم الأفواه
وفي مصر بعد أحداث "30 يونيو" انكشفت حقيقة الكثير من النخب والرموز، ورغم أن البعض منهم دخل المعتقلات في عهد السادات، ومن بعده المخلوع مبارك، أثناء دفاعهم عن هموم وطموحات الشعب ومطالبهم بالديمقراطية، إلا أنهم الآن لا يجدون حرجًا في دعم ومساندة منع التظاهر وتكميم الأفواه، وتقييد حرية الرأي والتعبير وتكبيل الحياة السياسية، علاوة على ذلك مساندتهم لنتائج الانتخابات البرلمانية، برغم ما شابها من شبهات بفعل تدخل السلطة.
اقرأ/ي أيضًا: الإعدام في فلسطين.. الجدل الساخن والمهم
ومن الممكن اعتبار فشلهم في تحصيل مكاسب سياسية بعد 25 كانون الثاني/يناير 2011، كان أحد أهم أسباب التحول الذي حصل لهم، فحقيقة كونهم أقلية ضئيلة لا تمثل إلا نفسها وليس لها أي ظهير جماهيري، جعلهم يطبقون قاعدة اقتسام الغنيمة وليس قاعدة المبادئ، وهذا كان سبب تمسحهم على أعتاب الديكتاتورية والفساد.
من المؤسف أن جزءًا من قيادات ورموز ونخب اليسار المصري، هم جزء من تكوين هذا المعسكر السيء الساقط أخلاقيًا قبل سقوطه سياسيًا وشعبيًا، ودائمًا ما يبررون انتهازيتهم بأنها مرونة سياسية! وعندما تتناقش معهم بخصوص مواقفهم المخيبة للآمال، يذكرون لك ماضيهم وكأن مواقفهم في الماضي تبرر ما يرتبكوه في الحاضر! ليستحقوا أن نلقبهم: مناضلون قدامى.. مخبرون جدد!
وفي وصف تلك النوعية من اليساريين يقول عنهم المفكر الماركسي آلان وودز: إن "يساريينا" المتشككين يشبهون تمامًا ذلك المعلم العجوز، إنهم يحبون الثرثرة كثيرًا حول الثورة ويحرصون على تذكيرنا بالزمن الذي كانوا فيه شبابًا، لكنهم في الواقع لا يمتلكون أية ذرة من الروح الثورية أو أي قيراط من الوعي الماركسي، يشكل مثل هؤلاء الناس عائقًا في طريق الثورة، إذ ينشرون بين صفوف الشباب سموم الريبة، لكنهم لحسن الحظ لا يمتلكون أي تأثير في شباب الجيل الجديد. ويؤكد وودز أن مثل هؤلاء الناس موجودون دائمًا، لقد كانوا موجودين في روسيا خلال ثورة 1917.
اقرأ/ي أيضًا: خذوا الديمقراطية عن النمسا
وقد شبه تروتسكي المناشفة الروس بمعلم مدرسة تعب، بفعل سنوات طويلة من تعليم تلامذته معنى فصل الربيع، لكنه عندما فتح نافذته صباح أحد الأيام ليدخل بعض الهواء النقي إلى قسمه الفاسد الهواء، رأى فجأة السماء زرقاء، والشمس مشرقة والعصافير تغرد، فإذا به يغلق النافذة بعنف معلنًا أن فصل الربيع تشويه فظيع للطبيعة.
وعن الدعوة لعدم تكرار الأخطاء السابقة في أوقات المراحل الثورية والسير على طريق التحول الديمقراطي، يجب التنبيه من خطورة تلك النماذج والتحذير منها حتى، لا تظهر مرًة أخرى في فترة ما يعرف بتجديد النخب السياسية ولا ينخدع أحد بما يطرحوه!
اقرأ/ي أيضًا: