ألترا صوت – فريق التحرير
كان الفن التشكيلي شاهدًا على القضية الفلسطينية منذ بداياتها الأولى، وقد سجلت تجارب الفنانين الفلسطينيين العديدة شهادات بصرية على مختلف المراحل التي مرت بها قضية الأرض والإنسان الفلسطيني في رؤى إبداعية مأساوية وثورية في آن.
ولعل المتأمل في تاريخ الفن التشكيلي الحديث في فلسطين يرى بوضوح مرحلتين رئيسيتين، الأولى هي مرحلة ما بعد النكبة التي حيث تم تصوير الشعب المشرّد الذي يعيش في الخيام، كما في أعمال الفنان الراحل سماعيل شموط. أما المرحلة الثانية فهي مرحلة الثورة وانطلاق المنظمات الفلسطينية الفدائية، وهنا شهد الفن تحول صورة الإنسان الفلسطيني من الضعيف المهان المطرود إلى صاحب الحق المقاتل من أجل حرية أرضه وكرامة أصحابها، ومن أبرز الفنان الذين عبّروا عن هذه المرحلة الفنان الراحل مصطفى الحلاج، الذي أكد على الرموز الفلسطينية في مختلف اعماله: الخيول والخبز والنساء والنبات والسلاح.
هنا وقفة مع مجموعة من أعلام الفن الفلسطيني في المرحلتين البارزتين المشار إليهما.
إسماعيل شموط
إسماعيل شموط (1930 - 2006) يعد أحد أبرز رواد الفن التشكيلي الفلسطيني. كان من مؤسسي قسم الفنون في منظمة التحرير الفلسطينية، كما شغل منصبي الأمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطيني والأمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
رسم شموط مشهديات اللجوء والتشرد، وصارت لوحاته "إلى أين؟" و"سنعود" و"بداية المأساة" و"جرعة ماء" و"ذكريات ونار" علامات فنية واقعية على المأساة. لكنه أصبح تعبيريًّا رمزيًّا، بعد انطلاق الكفاح المسح، ومن لوحاته في هذه الفترة: "عروسان على الحدود" و"طاقة تنتظر" و"حتى الفجر" و"رقصة النصر"... وغيرها.
قال محمود درويش عنه: "يده التي ترى وقلبه هو الذي يرسم".
مصطفى الحلاج
مارس مصطفى الحلاج (1938 - 2002) فن الغرافيك مبكرًا، وكذلك الرسم والتصوير والطباعة الفنية وفن الملصق. اهتمّ بقراءة الجذور الكنعانية والمصرية في رسوماته الغرافيكية وابتكر خطوطه وحفرياته الخاصّة.
في شهادة فنية قدمها لمجلة "الحياة التشكيلية" عام 1981 قال: "العلاقة بين الفن التشكيلي والصورة أنا لا أفهمها فقط.. أنا اعيشها من خلال عملي ومعارضي حتى قبل ان تنطلق الثورة. وما جاءت الثورة إلا من تمردنا العام ضد الوضع والشراة غير الإنسانيين المحيطين بنا بعد أن طردنا من الوطن. إن أي شعب يحمل في ضميره المعناة والمآسي والحلم، والفنان والكاتب ما هما إلا طاقة تجسيد هذه المأساة وتجازوها. والحلم يرسم معالم الطريق بجانب الطاقة التحريضية للجماهير. الفنان بحذ ذاته "الملتزم" هو طاقة ثورية بشكل دائم. يثور على الواقع وينتقده (...) ساحة المعركة لدى الفنان الفلسطيني واسعة، هو أمام عدو مغتصب لأرضه، ويدعي بأحقية تاريخية لملكية هذه الوطن، فالفن والأدب لدى الكاتب والفنان الفلسطيني هما الشهادتان الحقيقيتان على أن فلسطينيته وعروبته تضربان جذورهما في أعماق التاريخ، والعكس بالنسبة للعدو الطارئ والآني والكذاب. وبجانب نوعية الصراع واتساعه أخذ الأدب والفن ليس كتعبير عن مآسي هذا الشعب وأحلامه فقط، وإنما للتعريف للهوية الفلسطينية لدى الشعوب الأخرى التي غطى عينيها الكذب الإعلامي الصهيوني".
سليمان منصور
استخدم سليمان منصور (مواليد بيرزيت، رام الله عام 1947) خامات من البيئة الفلسطينية: طين على خشب، فخّار أثري، حِنّاء، شيد على خشب، طين وحنّاء وألوان مائية، خيش.
درس الفن في كلية الفنون الجميلة في القدس بين عامي 1968 و1971. وشارك في معارض فناني الأرض المحتلة بين 1974 و1980، ودرّس في دار المعلمات التابعة لوكالة الغوث في القدس. كما اقتحمت سلطات الاحتلال منزله مرات عديدة وأتلفت لوحاته. ووضع تحت الإقامة الجبرية، كما تمّ الزج به في سجون الاحتلال.
وسليمان منصور كما هو معروف صاحب اللوحة المشهورة "جمل المحامل" التي رسمها في بداية السبعينات من القرن الفائت، والتي تمثل عجوزًا فلسطينيًا يحمل القدس على ظهره مربوطة بحبل، بما يمثل التعب والإصرار والصمود الفلسطيني.
عبد الحي مسلّم زرّارة
عبد الحي مسلّم زرّارة (1933 - 2020) فنان ينتسب إلى مجال الفن الشعبي، أو الفن البكر الذي يعتمد على الفلكلور والتقاليد الشعبية. لمسلّم تكنيكه الخاص، وهو استخدام خلطة من نشارة الخشب والغراء التي يُشكل بها المشهد، ثم يقوم بتلوينه. تناولت لوحاته التراث الشعبي والنضال الفلسطيني، وأكّدت عبر لغتها الفنية الخاصة على عالم اللجوء وحق العودة وأحقية الكفاح الوطني.
كتبت عنه مجلة "الحياة التشكيلية" عام 1981: "يستخدم في لوحاته الرموز والقصص الشعبية، ويقدم لنا القرية الفلسطينية، بكل ما فيها من عناصر، لكنه يعطي لعناصر اللوحة حياتها الخاصة، ويربط بين الزخارف والوجوه والأشكال الحديثة والقديمة برباط محكم، لهذا فالبساطة هي التي تميزه".
اقرأ/ي أيضًا: