1
بماذا تفكّر يا بلوزار؟
لا تزال هذه الفراغات الضيقة بين الأبنية والشوارع تأكل عينيك منذ عشرين عامًا. وعلى الرغم من ضوء الشمس الساطعة أكثر من المعتاد، هذا الصباح، فإنك لا تستطيع أن ترى أكثر من الرصيف المجاور. حتى هذه الأصوات التي يطلقها الباعة خلف عرباتهم، والتي كنت تتسلى أنت وزوجتك بتقليدها والتمييز بينها، أصبحت الآن رتيبة كأيّام السجن. عليك أن تضع حدًا لهذا الموت الذي يحيط بك: المدرسة، البيت، بعض القراءات والكتب الغامضة.
2
بدأ بلوزار يفكر في الخروج من هذا المكان الضيق. جرّب في اليوم الأول أن يضع قصيدة واحدة وينام نومًا كافيًا. وفي صباح اليوم التالي، بينما كان يهم بقراءة القصيدة من النافذة، سمع انفجارًا عاليًا تبعه صراخ حاد. جلبة اصوات ومزيج من وتائر مختلفة نسائية ورجالية، شابة وشائخة. ارتدى قميصه وهبط إلى الساحة بجانب العمارة التي يسكنها.
حين رآه صاحب الدكان ناداه على الفور:
- لا تحمل هما يا أستاذ بلوزار. هذا بائع الليمون، أصيب برضوض خفيفة. وقع على الأرض. ولكنه لم يصب بأذى.
أراد بلوزار أن يفعل شيئًا. أن يضع حدًا لأحلامه الملساء، ويمزق هذا النسيج الرمادي من الهواء والحجارة. حاول أن يتقدم من الباعة الذين يتحلقون حول بائع الليمون. ولكن صوت زوجته بدأ يحز أذنيه كالسكين، صعد على الفور. أخذ فنجان قهوته وجلس يحدق من النافذة.
صمت قليلًا ثم أخذت الحروف الثقيلة تحبو فوق شفتيه كحشرات مبللة بالماء: "التاجر الكبير اشترى حصته من الدولة، ومن المتحاربين أيضًا. استغل ان الحرب دائرة وأن القذائف عشوائية وفعلها.. لقد سافر ابن الكلب واشترى جنودًا وطائرة وقنابل نووية ليطلقها على هذا البائع الصغير".
3
كان بلوزار مدرّسًا في ثانوية رأس المرج للبنات، وكان معروفًا بحبّه الشديد للمادة التي يدرسها. فجأة، وبعد حادثة الانفجار تغيّر كلّ شيء. لم يعد بلوزار يحتفظ بحماسه القديم للتدريس. صار يدخل الى الصف ويرتمي على كرسيه كأنه عائد من السفر. التلميذات يترقبن صوته بشغف، بينما هو يختفي في شروده المتقطع.
همست ليلى في أذن صديقتها أن " بلوزار سيترك المدرسة ". ولم تضف شيئًا. سألتها صديقتها: إلى أين؟
صمتت ولم تُجِب.
4
اعتدل الرجل الكبير كاللوح الخشبي وأخذ يحدق في وجه بلوزار كأنه يبحث عن أفكاره داخل بشرته الشاحبة، ثم انطلق فمه كحنفية صدئة:
- لماذا تتدخل في حياة هؤلاء الباعة الصغار؟ لقد اعطيناك "عملًا" وعليك أن تحافظ عليه، يقولون أن "أسرج ظهور الغابات" تعني الحرية.
أية حرية تريد وسط كل هذه الفوضى؟
نحن لن نتساهل في نشر مثل هذه القصائد مرة ثانية!
5
"سوف ينهار المعبد
وتندثر المدينة بزلزال عظيم
وسوف تلتهم النار الأرض والسماء".
ولكنني أموت لكي أغسل جسدي
فمن أراد منكم أن يغسل خطيئته
فليمُت بنفسه!
ملاحظة مهمّة: وحده بلوزار يتحمّل مسؤولية هذه الإضافة إلى قول السيّد المسيح.