عشتُ أسبوعين في المغرب، خارج التغطية الإعلامية، بعيدًا تمامًا عمّا يحدث في العالم، ما عدا إشارات قليلة كنت ألتقطها أثناء احتكاكي بالشارع المغربي الغارق في يومياته التي يتجاذبها اليسر والعسر في المعيشة. لا فيسبوك ولا هاتف ولا إذاعة ولا جريدة ولا تلفاز. لقد كنت، وأنا أهمّ بالنوم، أسأل نفسي: هل يمكن أنه حدث أمر جلل في بقعة ما؟
من يفكر لهؤلاء الدواعش؟ من منحهم هذا الذكاء في التعامل مع الخرائط والأحداث؟
ما إن دخلت الطائرة المغربية، أثناء عودتي إلى الجزائر، حتى سارعتُ إلى أخذ نخبة من الجرائد المغربية، فوجدتها، على اختلاف مسمياتها، تطالب حكومة الرباط بأن تترك تساهلها مع الأمين العام الأممي بان كي مون ومبعوثه إلى الصحراء كريستوفر، لأنهما، بحسبها، يجاملان الجزائر على حساب المصالح المغربية. في مطار الجزائر، سارعت إلى أخذ نخبة من الجرائد الجزائرية، فوجدتها مجمعة على الإشادة بموقف الرجل الأول في المنتظم الدولي الداعي إلى التعامل مع الملف، في إطار تصفية الاستعمار.
اقرأ/ي أيضًا: بنقردان.. حصن تونس وقلعة الصمود
سفير المملكة العربية السعودية في المغرب، يصرّح بأن بلاده سترسل وفدًا من رجال الأعمال إلى الجنوب المغربي، قصد مباشرة مشاريع استثمارية تهدف إلى الحفاظ على الوحدة الترابية للحليف المغربي الذي أرسل قوات ضمن التحالف العربي في اليمن. كان ذلك مباشرة بعد موقف الجزائر الرافض لتصنيف حزب الله منظمة إرهابية.
كانت السيارة التي نقلتني من المطار إلى بيتي، تغالب الريح والمطر والضباب، وكنت أجتهد في أن أتدارك ما فاتني من أحداث، من خلال الجرائد والإذاعات، فصدمني أن الدواعش هاجموا منطقة بنقردان في تونس. قال السائق الذي ظهر أنه مهتم بالسياسة: حين نراعي البعد الجغرافي لبنقردان، فسنجد أنها بقعة استراتيجية تمكّن التنظيم من التحكم في مفاصلَ مغاربية وأفريقية ومتوسطية كثيرة، من يفكر لهؤلاء؟ من منحهم هذا الذكاء في التعامل مع الخرائط والأحداث؟
إن انتصار التونسيين في معركة بنقردان، من خلال التحام الشعب بالجيش، معطى يدعو إلى الإعجاب والتأمل، ويؤكد الاستثناء التونسي عربيًا منذ بدايات الربيع العربي، فالإرهاب لا يحقق أهدافه إلا في البيئة التي يختفي فيها هذا الالتحام، ويعشش فيها خوف الشعب منه، فمسمّاه اللغوي من "أرهبَ يرهبُ إرهابًا"، وقد أثبت التونسيون أنهم تجاوزوا مرحلة الخوف التي زرعتها فيهم تجربة جبل الشعانبي، إلى مرحلة جديدة يؤطرها الإيمان بأنفسهم وبخيارهم الديمقراطي الذي جلب لهم هذا الإرهاب بصفته انتقامًا.
تحول داعش إلى هاجس حقيقي لحكومة سلال، بالموازاة مع هاجس سقوط البترول الذي يشكل تقريبًا مصدر الدخل الوحيد
ساعات قليلة من الغرق في القنوات الإخبارية، نسفت كل الجهل الذي خلفته عزلة أسبوعين، هل أسميه جهلًا أم راحة؟ الجزائر تشدد الرقابة على الطائرات القادمة من عشر وجهات عربية وغربية، بعد اكتشافها أن مبالغَ ضخمة من العملة الصعبة تهرّب من خلال هذه الوجهات، تأتي الوجهة التركية في صدارتها، وتصرف في مسعى تمويل التحاق الجهاديين بداعش.
اقرأ/ي أيضًا: ياسين عدنان.. المغرب في كوميديا حيوانية معاصرة
رئيس الحكومة الجزائري يقول إنه لن يتوقف عن رعاية الأبعاد الاجتماعية في سياسته، على رأسها سياسة توفير السكن للمواطنين، إلى آخر فلس في الخزينة، لأن أي تقاعس في هذا الباب، سيصب في مصلحة الفكر الجهادي الذي ينتعش في البيئات البعيدة عن الرعاية الرسمية. هنا قررت وزارة السكن أن تمنح "لوحة شرف" لكل مقاولة تسلّم مشاريعها في الوقت المتفق عليه، تعطيها الأولوية في الاستفادة من المشاريع القادمة.
نفس المسؤول يقول إن الجزائر لن تسحب سفاراتها من الدول العربية التي ينتعش فيها تنظيم الدولة، حتى تعمل على استرجاع مواطنيها الذين يرغبون في الهرب منه، أو تم القبض عليهم من طرف أجهزة هذه الدول، من هنا، فقد تم إرسال وفد إلى بغداد لدراسة مشروع إعادة بعث السفارة الجزائرية، ومطالبة حكومة العبادي بتجميعهم في مكان واحد حتى يسهل التعامل مع هذا الملف.
صحيح أن الدواعش لم يفلحوا في دخول المشهد الجزائري، أو استقطاب عدد كبير من شبابه، لكنهم تحولوا في الأسابيع الأخيرة إلى هاجس حقيقي لحكومة سلال، بالموزاة مع هاجس سقوط البترول الذي يشكل تقريبًا مصدر الدخل الوحيد. رأسي يُؤلمني، فهل أعود إلى عزلتي الإعلامية من جديد؟
اقرأ/ي أيضًا: