23-يناير-2022

(Getty Images)

 بيان صحفي- أمم للتوثيق والأبحاث

 

تسلمت مونيكا بورغمان، مديرة مركز أمم للتوثيق والأبحاث الذي أسسته وزوجها الراحل لقمان سليم الجائزة الفرنسيّة -الألمانيّة لحقوق الإنسان وسيادة القانون في حفل أقيم مساء الواحد والعشرين من كانون الثاني/يناير 2022 في قصر الصنوبر وتمنح هذه الجائزة لشخصيّات حول العالم عُرفت بدَورها البارز والفاعل في الدفاع عن حقوق الإنسان في مُختلَف مَيادين العمل. لمونيكا بورغمان، مسيرةٌ مهنيّةٌ حافلة تشمل عملها في أمم للتوثيق والأبحاث والصحافة والإخراج ومشاريع أخرى تتمحوَر حول الذاكرةِ وأشكالِ العنف. جرى تقديم الجائزة من قبل السفيرة الفرنسية في لبنان آن غرييو ونائبة السفير الألماني أندرياس كيندل وتوجهت بورغمان بكلمة للحضور والسفراء باللغة الإنجليزية، أبرز ما ورد فيها:


اغتيال الناشر والمعارض اللبناني لقمان سليم.. دم الحرية في بيروت


منذ أولى البدايات، وقفتنا المناهضة لثقافة الإفلات من العقاب كانت تصب في محور عملنا أنا ولقمان واليوم أكمل ومن خلال عملي في "أمم "، النضال من أجل الغاية ذاتها وإن كنت أتابعه منفردة هذه المرة فهو من أجل لقمان. هذه المهمة بالطبع باتت أكثر صعوبة في ظل غياب لقمان. لكن على الرغم من ذلك تجاربه، معارفه، طرقه المختلفة في التعبير وكل ما كان عليه لم يزل حاضرا معي وسيبقى دوما في صلب عملنا. لقمان لم يكن زوجي وشريكي فحسب بل كان أيضا قدوة لكل من شاركه رؤياه التي تحثنا على مراجعة التاريخ والسعي من أجل مستقبلٍ يكون فيه للعدل مكان ومكانة.

مسيرتي ولقمان بدأت منذ عشرين عاما، تحديدا في 2001، لما قدمتُ إلى بيروت للعملِ على مشروع فيلم " مَقتَلة"."مقتلة" يستعيد المجازر التي ارتُكِبَت في مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982 من منظور القتلة ويطرح أسئلة حول الذاكرة والعنف الجماعي وتداعيات الحرب الاهلية. العمل على هذا الفيلم قادني ولقمان إلى تأسيس أمم للتوثيق والأبحاث. بعدها بعدة سنوات، عملنا في أمم دفع بنا صوب مشروع مشترك لفيلم ثان هو "تدمر"، الذي يتضمن شهادات حية لمعتقلين سابقين في سجن تدمر السوري.

أفضل وصف قد ينطبق على أمم، أنها مؤسسة تعني بتاريخ العنف في لبنان والذاكرة الجماعية. عبر السنوات تمحور عملنا حول التاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي للبنان. من ضمن ذلك مشاريع تتطرق إلى الاختفاء القسري، العدالة الانتقالية، اللاجئين والنزوح، السجون والنظم السجنية، وسائل التعذيب والتروما. انشغالنا بهذه المواضيع قادنا إلى مقاربة إقليمية أوسع وحاليا اهتمامنا ينصب حول كامل منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بخاصة من خلال منتدى المَشرِق والمَغرِب للشؤون السجنيّة، وهو مشروع يتناول الديناميات السجنية من خلال البلدان المتواجدة في هذه المنطقة.

 طبيعة عملنا يعبر عنها بدقة اسم المؤسسة: التوثيق.  قادنا بحثنا وتتبعنا لمختلف الدلائل والمواد، إلى جمع هذا الأرشيف الذي هو دائما قيد البناء والتوسع ويتناول من خلال عدة زوايا الذاكرة الجماعية للبنان التي هي مزيج متنوع العناصر. دائما ما نشير إلى أن أرشيفنا هو "أرشيف المواطن" مما يعني أنه بوسع أيّ كان الاطلاع عليه، وهذا نابع من قناعتنا بأن للأرشيف أثر بالغ الأهمية في نسج علاقتنا بالماضي وكيفية التعامل معه ولفهم أعمق للحاضر، ولتمهيد الطريق نحو مستقبل أفضل.

 حضرات السفراء، أنا ألمانية منذ ولادتي وبما أن الجائزة ألمانية –فرنسية، اسمحوا لي بأن أحدثكم قليلا عن ماضيّ الشخصي وعن هذه الشراكة. المصالحة ما بين فرنسا وألمانيا تمت بعد الحرب العالمية الثانية و" الهولوكست". لكنني أظن أن الفضل في ذلك يعود إلى محاكمة نونبر وكل المحاكمات الأخرى التي تلتها. أنا على اقتناع أن المصالحة بين هاتين الأمتين العظيمتين باتت ممكنة لسبب واحد وهو أن العدالة تحققت. أنتمي لجيل من الألمان وتبعا لما عاشوه أيقنوا أن العودة إلى الماضي هي ضرورة لبناء حاضر ومستقبل أفضل. وتلك قناعة تشاركتها ولقمان وكانت دائما حاضرة ضمن عملنا في أمم للتوثيق والأبحاث. أنا أيضا لبنانية وهي جنسية استحصلت عليها لاحقا، لكنها تعزز هذا الانتماء الراسخ الذي أحس به تجاه بيروت لان العدالة لم تتحقق ابدا في لبنان ولم تجر محاسبة على أحداث الماضي أو الحاضر. نجد أنفسنا اليوم أمام طريق مسدود، ولا قدرة لنا على العبور نحو الحاضر ولا المستقبل. بدون العدالة، لبنان لن يستطيع أبدا أن يمضي قدما نحو السلام.

كنت ولقمان نوثق ونحلل ونعقّب على كل مظالم الماضي والحاضر، وإذ اغتيل لقمان في الثالث من شباط 2021 بوحشية فأُخفيَ صوته.....

أقف اليوم بينكم لأقول بوضوح:

ما نحتاج إليه وعلى نحوٍ ملّح يفوق كل حاجاتنا الأخرى، هو العدالة

العدالة لضحايا الإغتيالات السياسية

العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت

العدالة لضحايا الحرب الأهلية، بما فيهم عائلات المفقودين

العدالة للبنان

نحتاج العدالة لسوريا والعراق والكثير من البلدان في هذه المنطقة التي عانت ولم تزل تعاني من غير أن يتم اللجوء لأي إجراء يطمح لتحقيق العدالة او الحساب لكننا أيضا نحتاج إلى العدالة في قضية اغتيال لقمان.

لقمان جرى خطفه في جنوب لبنان، في منطقة اليونيفيل، وعلى وجه التحديد في المنطقة الفرنسية، على بعد أقل من كيلومتر واحد قرابة مدخل الثكنات العسكرية الرئيسية للكتبية الفرنسية في بلدة صريفا.

اليوم وفيما أقف على أرض فرنسية، أطالب فرنسا بالمساهمة عبر منحنا المعلومات اللازمة للتعرف على قتلة لقمان ومحاكمتهم.

أعي تمامًا ما أطالب به، لكنني على ثقة بأن فرنسا التي لعبت دورًا أساسيًا في بناء دولة القانون في لبنان الحديث تتطلّع لإنهاء عصر الإفلات من العقاب الذي نعيشه في هذا البلد.

 وحتى اليوم، يصعب عليّ العثور على الكلمات التي بوسعها التعبير عن حزني وانفعالي وفيما أقف هنا، لا تفارقني الذكرى ولا شعوري بالغضب. عمل أمم سيستمر من خلال توثيقنا للأرشيف ومتابعة مشاريعنا للحفاظ على الإرث الفكري للقمان وكي تبقى ذكراه حية وفي الوقت الحالي وبخاصّة من بعد تأسيس مؤسسة لقمان سليم، سنولي اهتماما أكبر لموضوع الإغتيالات السياسية في لبنان وأيضًا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هذه الجائزة تمثل دعما مهما لكل القضايا التي نحارب لأجلها.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

اغتيال الناشر والمعارض اللبناني لقمان سليم.. دم الحرية في بيروت

لبنان الضعيف.. لبنان القوي