تشهد الولايات الهندية مظاهرات شعبية متوالية ينفذها السكان المسلمون، وطلبة الجامعات الليبراليين احتجاجًا على قانون الجنسية المثير للجدل الذي أقره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤخرًا، ويسمح بمنح الجنسية الهندية للاجئين من الأقليات الدينية باستثناء المسلمين، الأمر الذي اعتبره محللون جزءًا من خطة مودي المنتمي للديانة الهندوسية، بتحويله الهند إلى دولة خاصة فقط بالهندوسيين.
تشهد الولايات الهندية مظاهرات شعبية متوالية ينفذها السكان المسلمون، وطلبة الجامعات الليبراليين احتجاجًا على قانون الجنسية المثير للجدل الذي أقره رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مؤخرًا
من إلغاء قانون الحكم الذاتي إلى قرار منح الجنسية
كانت المظاهرات الشعبية قد بدأت في الهند منذ آب/أغسطس الماضي، عندما أصدر مودي عقب فوزه بولاية ثانية قرارًا يلغي قانون A35 الذي يمنح حقوقًا خاصة لسكان الشطر الهندي لإقليم كشمير، ما دفع بنيودلهي لدخول أزمة دبلوماسية مع جارتها باكستان، وما رافقه من تحذيرات دولية من إمكانية نشوب حرب رابعة بين البلدين قد تكون نووية.
اقرأ/ي أيضًا: كشمير.. قصة الإقليم الذي يهدد بإشعال حرب نووية
وخلال الأشهر الماضية بعد تجريد الإقليم من الحكم الذاتي، وتقسيمه إلى منطقتين تديرهما حكومة نيودلهي، في ظل فرض حالة الطوارئ، وانقطاع مستمر للإنترنت، مع حملة قمع ممنهجة قالت عنها حكومة مودي "إنها ضرورية" لمنع الاضطرابات في الإقليم المتنازع عليه مع جارتها باكستان، أدت في نهاية المطاف لاعتقال المحللين السياسين وقادة الأحزاب ومحامين ونشطاء، تحت ما تطلق عليه الهند قانون السلامة العامة الذي يسمح لها باحتجاز الأشخاص دون تهمة رسمية تصل مدتها في أحيان كثيرة للعامين.
وينص القانون الجديد الذي أقرته حكومة مودي على منح الجنسية للأقليات غير المسلمة مثل الهندوس والسيخ والمسيحيين من أفغانستان وبنجلادش وباكستان، التي يقيم كثير من أفرادها في الهند منذ سنوات دون حقوق، على مسار يفضي تلقائيًا إلى حصولهم على الجنسية الهندية إذا كانوا قد أتوا من هذه الدول الثلاث قبل عام 2015.
وفيما ترى الحكومة الهندية أن القانون تم إبرامه دون أي تحيز ديني، فإن السكان المسلمين الذين يشكلون 14 بالمائة من نسبة سكان الهند، يشعرون بالقلق بشكل خاص لأن القانون الجديد أعقب إلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير الذي تسكنه أغلبية مسلمة، كما جاء بعد حكم محكمة ببناء معبد مكان مسجد هدمه متعصبون هندوس في شمال الهند، ويرون في هاتين الخطوطتين تعزيزًا لبرنامج يقوم على الأولوية للهندوس.
رئيس الوزراء لا يهمه وضع الأقليات في الهند
يعتبر حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي من أكبر الأحزاب السياسية في الهند قبل العالم، ويعود تاريخ نشأته إلى عام 1980 على أنقاض حزب جاناتا أو الشعب الذي كان تحالفًا لأحزاب المعارضة، وتبنى الحزب منذ تأسيسه آراء قومية تؤمن بتفوق الهندوس – يشكلون 80 بالمائة من سكان الهند – على باقي الأقليات الدينية الأخرى في البلاد.
شهد مسار حزب بهاراتيا جاناتا منذ عام 1986 صعودًا ثابتًا في الحياة السياسية الهندية، ساعده في ذلك تنظيمه لحملات الهندوس لبناء معبد رام على على أنقاض مسجد بابري التاريخي الذي يعود للقرن الـ16، قبل أن يقوم المتطرفون الهندوس بإحراقه عام 1992 بسبب مزاعم تقول إنه بني فوق موقع ولد فيه الإله راما.
وعلى مرمى 34 عامًا كان بهاراتيا جاناتا يدخل الانتخابات المحلية ضمن تحالفات سياسية مع أحزاب المعارضة وتولى السلطة مطلع التسعينات، إلا أنه بحلول أيار/مايو من عام 2014، هيمن على القرار السياسي الهندي بشكل كامل بعد فوزه بالانتخابات التشريعية بـ274 دائرة من إجمالي 543 دائرة، وفاز مودي بولاية ثانية بعدما تجدد فوز حزبه بالانتخابات التي أجريت في وقت سابق من العام الجاري، وفاز فيها بـ277 دائرة بزيادة ثلاثة دوائر عن الانتخابات السابقة.
وتتوافق سياسة الحزب الداخلية في التعامل مع الأقليات الدينية مع وجهات نظر زعيمه مودي، الذي يرى أنصاره أنه شخص عصامي لا يهمه كثيرًا وضع الأقليات في البلاد وعلى رأسها المسلمة، وشغل قبل وصوله لرئاسة الحكومة الهندية منصب رئيس وزراء ولاية غوجارات لمدة 13 عامًا، وانضم في وقت مبكر من حياته إلى "فيلق المتطوعين الوطنيين" القومي اليميني، الذي يعتبر على نطاق واسع أنه المنظمة الأم لحزب بهاراتيا جاناتا، إضافًة لأنه الواجهة السياسية للفيلق، الذي يؤمن بالهندوتفا، وهي أيديولوجيا تسعى إلى ترسيخ سيادة الهندوس وطريقة الحياة الهندوسية.
مخاوف من تغيير ديموغرافي في الإقليم
بقي إقليم كشمير منطقة غير مستقرة منذ تقسيم الهند البريطانية في عام 1947 بسبب وقوعه بين الهند وباكستان، وكان عدم الاستقرار ناجمًا عن ظهور حركة انفصالية في الشطر الخاضع لسيطرة الحكومة الهندية قوبلت بقمع قاسٍ من القوات الهندية، فضلًا عن استخدام أجزاء من الشطر الباكستاني نقطة انطلاق لشن هجمات عبر الحدود، إلى أن تغير وضع الإقليم بشكل نهائي بحلول آب/أغسطس الماضي عندما ألغي قانون الحكم الذاتي للإقليم.
وكانت الحركة الانفصالية التي تستهدف القوات الهندية في الإقليم قد بدأت هجماتها منذ عام 1989، وأدى العنف في الإقليم لمقتل ما يزيد عن 50 ألف شخص وفقًا للأرقام الرسمية، فضلًا عن اكتشاف مئات المقابر الجماعية، وتقدر مجموعة الأزمات الدولية وجود ما لا يقل عن 30 ألف طفل يتيم، وقرابة ألف امرأة يطلق عليها مسمى "نصف أرملة"، وهو مصطلح يستخدم للنساء الكشميريات اللائي يكون أزواجهنّ من بين المفقودين، ولكن لم يتم إثبات موتهم.
ويرى محللون أن قانون الجنسية الجديد من شأنه أن يؤدي لتغيير ديموغرافي في الإقليم الذي قسمته الحكومة لمنطقتين تحت حكمها، نظرًا لأن 68 بالمائة من سكان الإقليم البالغ عددهم 12,5 مليون من المسلمين، ومن المفترض أن تقوم الحكومة الهندية في وقت لاحق بتشجيع الهندوس على الهجرة إلى المنطقة على غرار ما فعلت الصين عندما دعمت نمو السكان الصينيين الهان في التيبت، إضافًة لإمكانية شراء أكثر من نصف مليون جندي للأراضي والعقارات، بعدما كان الإقليم يمنع سابقًا شراء الأراضي والعقارات لغير سكانه الأصليين.
باكستان تحذر من أزمة لاجئين تثيرها الهند
وتسود مخاوف في الوقت الحالي من تصاعد التوتر في الإقليم بسبب السياسة التي تنتهجها نيودلهي إزاء سكانه، وهو ما قد يدفع بباكستان للتحرك دوليًا في محاولة منها لإصدار قرار أممي يلزم الهند بالتوقف عن الانتهاكات التي ترتكبها، أو أن تقوم إسلام آباد بتقديم الدعم للانفصاليين لشن هجمات ضد القوات الهندية، حيثُ كادت القوتان النوويتان تتصادمان في أكثر من مرة خلال العام الجاري.
وتقول تقارير للصحافة الباكستانية إن رئيس الوزراء عمران خان كان سيقوم بإثارة أزمة إقليم كشمير خلال قمة كوالالمبور التي انعقدت قبل أيام، إلا أن ضغوطًا سعودية – إماراتية جعلته يعتذر عن حضور القمة في اللحظات الأخيرة، كما أن إسلام آباد كانت تسعى لإصدار بيان خلال جلسة في الأمم المتحدة من المقرر أن تناقش أزمة الإقليم، لكنها قامت بإلغائه بعد معارضة أربعة أعضاء دائمين لنقاش قضية الإقليم.
وأعرب خان خلال كلمته أمام المنتدى العالمي حول اللاجئين في جنيف عن قلق بلاده من ظهور أزمة لاجئين جديدة بسبب سياسات الهند، حيث قال "نحن قلقون من أنه قد لا تكون هناك أزمة لاجئين فقط في الهند، بل نحن قلقون من أن يتسبب هذا في نشوب صراع جديد بين بلدين يمتلكان أسلحة نووية"، وتابع مضيفًا: "لن تتمكن بلادنا من استيعاب المزيد من اللاجئين بعد الآن"، مطالبًا المجتمع الدولي أن "يتدخل الآن وفورًا قبل فوات الأوان".
قانون الجنسية أشبه بقوانين نورمبرغ
تشير التقارير إلى أن الاحتجاجات التي تأججت في مختلف أنحاء الهند بسبب قانون الجنسية المثير للجدل، أودت بحياة 21 شخصًا، إضافًة لاعتقال أكثر من 1500 شخص، وكان لافتًا أن المظاهرات شارك فيها معظم الأقليات الدينية بمن فيهم الهندوس والمسلمون، وأظهرت مقاطع مصورة شبانًا من الهندوس والسيخ بنوا جدارًا حول مجموعًة شبان مسلمين كانوا يقيمون الصلاة، حيثُ يؤكد معظم منتقدي القانون على أنه يمثل "إهانة للدستور العلماني الهندي" الضامن لتعامل الحكومة وفق المساواة بين الأديان المتواجدة في الهند.
وهناك مخاوف عديدة لدى المنظمات الحقوقية من أن يكون قانون الجنسية وسيلة تضمن بها الجنسية الهندية المستعجلة للهندوس الذين لم تشملهم قائمة المواطنين في جميع أنحاء البلاد في المستقبل، في حين يحرم منها المسلمون الذين لا يمكنهم إثبات أنهم هنديون، وشبهت الكاتبة أرونداتي روي القانون بقوانين نورمبرغ لعام 1935، ما حرم اليهود من الجنسية الألمانية.
اقرأ/ي أيضًا: على طريقة ترامب.. "الهند أولًا" تحدد مستقبل كشمير
وقالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إنه منذ استلام مودي رئاسة الوزراء في عام 2014، عمل بنشاط على تغيير الكثير من الأمور الخاصة بالمسلمين في البلاد، كان من بينها إعادة كتابة كتب التاريخ مستثنيًا منها الحكام المسلمين، وبدل الأسماء الرسمية للأماكن من الإسلامية إلى الهندوسية، لافتًة إلى أن قانون الجنسية الجديد يعتبر "أول فعل يربط المواطنة بالدين، ما يقوض من الركائز الأساسية لديمقراطية الهند"، وهو ما دفع بالهنود الليبراليين غير المسلمين بالانضمام للمظاهرات.
تشير التقارير إلى أن الاحتجاجات التي تأججت في مختلف أنحاء الهند بسبب قانون الجنسية المثير للجدل، أودت بحياة 21 شخصًا، إضافًة لاعتقال أكثر من 1500 شخص
وترى الصحيفة الأمريكية أن قبضة مودي على السلطة رغم قوتها، فإن المظاهرات أثبتت معارضة الهنود تنفيذ أجندته القومية الهندوسية، على أمل أن تمنع المحكمة الهندية العليا القانون، الذي من المتوقع أن تبدأ النظر به في كانون الثاني/يناير القادم، إلا أنه في حال جرى تمرير القانون فإنه سيكون على الدول الديمقراطية جميعها "رفع صوتها ضد قانون وسياسة قومية تقوم على التمييز وتهدد الديمقراطية الهندية".
اقرأ/ي أيضًا:
قمة كوالالمبور تنعقد رغم محاولات عرقلتها.. لماذا تخاف الرياض من حدوثها؟