- أمي دع عنكِ تنظيف تربة هذه الخيمة، ليست بيتنا ليست ديارنا، لماذا ننظف تربة غيرنا؟ لماذا تنظفين هذه الأماكن
هي مدة بسيطة ونعود للديار؟
- صه يا فتى! ألم تقرأ أن أرض العرب للعرب؟
- يا أماه كل ما درسناه كان كاذبًا، هي لعبة المشاعر فقط.
لم يكن الفتى مؤمنًا بأنه قد هاجر بلا عودة، كان مشغولًا بالتشابهِ بين حجرٍ يثبتُ خيمة اللجوء وبين حجرٍ يثبتُ وردة في بيته قبل الحرب.
للبلادِ التي ضيّعتنا منذ صارت الهوية سكينًا بحدين صارت الأشياء تتشابه، والخيارات تضيق، تضيق حد التلاشي
الفرق بين الوطن والوطن البديل هو اكتساب لغة أو لكنة أو أفكار رائجة تتأرجح، بين درس التشابه ودرس الغاية، حبالها الحنين.
حتى في الوطن تتغير لغتنا حين نتغير.
هذه الخيمة فضفاضة، وغير مستقرة عكس الوطن المستقر الأوطان المستقرة، حين تفيض لا تترك شيئًا لينهار في حربٍ قادمة ولا حتى نقطة دم، تفيض بكل ما لديها حين تنتقل من استقرار التوافق القصري مع الظروف الطاغية، لفيضان الانعتاق.
لحظات الانفجار الأولى لأي وطن تخلعُ الجهات جميعًا فتصبحُ خيمة ما أكثر سِترًا من قلاعٍ مشيدة بجملةٍ شعبية "نمشي الحيط الحيط ونقول يا رب الستر".
صديق الفتى المصاب بنوبةِ سعال يعرف أنه يعاني من الربو، ويتحايل على نفسه ويظن أن الغبار هو سبب السعال لأنه لا يجدُ بابًا في اللجوء ليقرعه، جدران خيمته إسمنت البلاد المضيفة، لا نوافذ ولا أبواب في جدران اللجوء، ولا مرض أخطر من خداع المرء لنفسه.
الإنسانية صرعة من صرعات الموضة في البلاد المضيفة، قد تتغير لسبب أو لظرف ويصير اللاجئ كما في وطنه رقمًا عشوائيًا يصلحُ لمراهنة ما.
صديق الفتى المصاب بالربو جاء راكضًا راقصًا وفي يده ورقة بيضاء مموهة بإشارات زرقاء عريضة، وضعها في حجر الفتى وقال له: "غدًا ستزور مركزًا صحيًا يتكفل بعلاجكَ، وسأكون معكَ صديقي". نظر الفتى إلى أمه مبتسمًا وقال: "الآن نظفي أرض العالم كله، فلا ندري أين ستكون خيمتنا القادمة".
اقرأ/ي أيضًا: