في مطلع إحدى أغانيه، يقول رامي عصام "الكائن الإخواني ملوش مكان في ميداني"، في جملة بسيطة عاكسة لمدى التجاذب بين قوى المعارضة أو على الأقل جزء منها، والإخوان. وقد غنّى عصام هذه الأغنية في تشرين الثاني/نوفمبر 2012، إبان أزمة الإعلان الدستوري والتي أنتجت حينها "جبهة الإنقاذ". ومنذ ذلك التاريخ وإلى حد الآن، حصل المعلوم، الإخوان في السجون وعصام نجا بجلده إلى الخارج هربًا من الملاحقات الأمنية.
يعيش الاستبداد بتشتت قوى المعارضة التي تنهش بعضها بعضًا لحساب النظام بوعي ودون وعي
اقرأ/ي أيضًا: ماذا يعني انهيار جماعة الإخوان؟
جاء الحراك الشعبي في 15 نيسان/أبريل وبعده في 25 نيسان/أبريل الماضي، وألهب معه من جديد أسئلة حارقة، كيف نسقط هذا النظام؟ وأيّ أرضية لتوحيد القوى المعارضة للنظام؟ عشية الحراك الشعبي الأخير، أصدرت ما تُسمّى "الحملة الشعبية للدفاع عن الأرض" بلاغًا صدّرته بأن الحملة ترفض بشكل قاطع أي تنسيق مع الإخوان وأي عمل مشترك معهم، مع توصيفهم بالقوى الرجعية والظلامية ومع الإضافة أنه "لا مكان لمن أجرم في حق الوطن والشعب". ليكون السؤال جديًا، هل "الكائن الإخواني" مواطن مصري؟
حيث لا تزال بعض القوى المعارضة في مصر تعيش حالة عُصاب من الإخوان وذلك بتبنّي تصنيفهم جماعة إرهابية وبالتالي إخراجهم من الدائرة الوطنية بدون حقّ. لتقدّم بذلك هذه القوى للنظام الدكتاتوري خدمة مجانية. فإن كان تشتت القوى المعارضة هو هدف كل نظام دكتاتوري، ففي مصر يحيا النظام بهذا التشتّت الذي فتح به الباب للانقلاب العسكري.
إن المشاركة في محفل الدّم بشيطنة الإخوان المسلمين، وهو محفل قارب في تمظهراته أشكال الإبادة العرقية في إفريقيا السوداء، هو الجريمة الحقيقية بحقّ الوطن والشّعب. حيث يجب أن يظلّ الاختلاف مع الإخوان ضمن دائرة الجدل السياسي لا غير. فالإخوان، وكأي فصيل سياسي آخر، تتراكم تجاربه ويتفاعل مع المتغيّرات من داخله ومع محيطه. وربّما الحراك الداخلي الجاري حاليًا داخلهم، الذي ظهر بصوت عال، هو إشارة حسنة، ذلك أن الجدل هو خير من هذا الباب. وليبقى بالتوازي الاختلاف معهم ضمن الدائرة الوطنية بعنوان لا تخوين ولا تكفير.
اقرأ/ي أيضًا: لماذا لم يتخل الإخوان عن مرسي؟
وأما استغلال حشر النظام الحالي لهم في الزاوية واعتبار كل "كائن إخواني هو إرهابي بالضرورة"، والاستثمار في ذلك هو من قبيل تجاوز المشترك الوطني وكسر للسلم المجتمعي. والخشية الكبرى هي في تصنّع دور المعارضة لبعض القوى المتحالفة في الباب الخلفي مع النظام وهذا التحالف في هذا الباب ليس بالضرورة مباشرًا، بل يكفي أن تتبنّى هذه القوى أطروحة النظام التي يبني عليها شرعيته المزيّفة، وهي أن حركة الإخوان المسلمين هي حركة إرهابية وأن ما حصل يوم 3 تموز/يوليو هو تصحيح للمسار الثوري. لتكون هذه القوى بالنتيجة "رجعية " وإن ادعت "التقدمية " كذبًا.
يجب أن يظلّ الاختلاف مع الإخوان ضمن دائرة الجدل السياسي لا غير ودون تخوين أو تكفير
إن الرّهان الحالي هو بناء تكتل على قاعدة حفظ الحقوق والحريات وإطلاق عملية انتقال ديمقراطي وذلك في مواجهة النظام الدكتاتوري الحالي. وفي هذا الجانب، تُستذكر تجربة هيئة 18 تشرين الأول/أكتوبر 2005 في تونس، التي مثلت إطارًا سياسيًا بين الإسلاميين واليساريين والمعارضين المستقلّين، معارضًا لبن علي على أرضية مشتركة بين هذه القوى، وقد تشكّلت نتيجة سلسلة من النقاشات بينها.
ولا يمكن القفز على الخلافات داخل القوى المعارضة في مصر، من إسلاميين وليبراليين وقوميين وغيرهم، فذلك هو حكم الطبيعة المطبوع في التاريخ، ولذلك يجب أن تكون دعوات توحيد هذه القوى متحسّسة للأرضية الممكنة لفكرة التوحّد أو التكتّل. ولا أرضية ممكنة لذلك إلا يافطة 25 يناير العظيمة، ولا وصاية على الثورة من أيّ كان.
في يوم 25 أبريل، شاركت في وقفة تضامنية للحراك الشعبي أمام السفارة المصرية بتونس. هتف بعض المشاركين "يسقط كل من خان، عسكر فلول وإخوان"، بقيت أسمع هتافهم ويعصف بي سؤال على سبيل الاستفزاز: "لو الإخوان خانوا، فهل من بارك الانقلاب يوم 3 يوليو الذي عصف بالمسار الديمقراطي في البلاد "خيانته مشروعة" أم ماذا؟ وهل يمكن بحقّ وضع العسكر والفلول والإخوان في نفس المرتبة؟".. فلنتجاوز.
إن الثورة بحكم طبيعتها هي نتيجة تراكمات في التاريخ متناقلة جيل بعد جيل، غير أنه لتحقيق شروطها في الوقت الحاضر يجب التخلص من الشوائب الثقيلة لتراكمات الماضي التي تنهش في الثورة دون حساب. وهذا التخلّص يكون بعنوان الدّرس الذي يجب أن يعيه الجيل الحالي مقارنة بالأجيال السابقة، وهو أن الاستبداد يحيا بتشتت قوى المعارضة التي تنهش بعضها بعضًا لحساب النظام بوعي ودون وعي.
فمتى تنتهي المراهقة السياسية لشيوخ القوى المعارضة، ومتى يكتمل تبلور الوعي السياسي لشبابها ويتصدّر فعل القرار؟ حيث تبدو بوادر تجاوز شباب مختلف هذه القوى، من إسلاميين وليبراليين ومستقلّين وغيرهم، للحساسيات التي خنقت الحراك السياسي داخل المعارضة. فهذا الشباب هو من خرج للميادين منذ كانون الثاني/يناير 2011، وعاش ولا يزال مع المتغيّرات وتفاعل معها وبلغته الدروس. فحينما يُسجن شباب من تيارات سياسية مختلفة في زنزانة واحدة، يعلمون أن مصيرهم سيكون واحدًا فيعون بالطبيعة وجوب تحرّكهم معًا.
اقرأ/ي أيضًا: