هل ستوظف شخصًا يؤمن بأن الأرض مسطحة؟ سؤال لفت انتباهي هذا الصباح على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، سؤال قد يقود لجدل أوسع وأكثر تعقيدًا حول التحقق من مرجعيات ومعتقدات المرشح للوظيفة قبل قبوله، وعند التفكير فيما إذا كان ينبغي أخذ المبادئ الشخصية في الاعتبار أثناء التوظيف تتكشف عوامل متعددة يجب مراعاتها، عوامل يمكن أن تؤثر على كيفية التعامل مع هذا السؤال اعتمادًا على السياق والطبيعة المحددة للمعتقدات أو المبادئ المعنية وطبيعة العمل وطبيعة المؤسسة.
ولنكون واضحين من البداية لا نتكلم هنا عن المعتقدات الدينية التي يجب ألا تؤثر على عملية التوظيف بأي شكل من الأشكال، مع التركيز على الاعتبارات القانونية والأخلاقية، حيث تحظر العديد من القانونين التمييز في العمل على أساس خصائص محمية معينة، مثل العرق أو الدين أو الجنس أو الإعاقة، ومن الضروري لأصحاب العمل الامتثال لهذه القوانين وتجنب أي ممارسات تمييزية أثناء التوظيف، فإذا كانت المعتقدات أو المبادئ الشخصية تندرج تحت الفئات المحمية، فلا ينبغي اعتبارها أساسًا لتعيين مرشح أو رفضه.
هل يصح توظيف شخص لا يؤمن بحقوق الإنسان والأقليات ويسحج لقمع المنظومات السلطوية لفئات معينة في منظمة تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان؟
ولكن ما أود طرحه هنا هو تساؤل حول المبادئ الشخصية التي لا تندرج تحت الفئات المحمية بشكل عام، على سبيل المثال؛ هل يصح توظيف شخص لا يؤمن بحقوق الإنسان والأقليات ويسحج لقمع المنظومات السلطوية لفئات معينة في منظمة تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان؟ هل يصح توظيف شخص في منظمة إنسانية دولية يدافع عن حقوق أقلية ولكن في ذات الوقت لا يجد حرجًا من الدعوة علنًا لانتهاك حقوق فئة مهمشة أخرى في سبيل الدفاع عن الفئة الأولى؟
وهذه ليست أسئلة افتراضية بل تمثل حالات فعلية رأيناها سابقًا على أرض الواقع. فالمعتقدات الشخصية تؤثر بشكل كبير على مدى ملائمة الفرد لثقافة المؤسسة وأهدافها، مما يجعل من الضروري التأكد من أن قيم المرشح للوظيفة تتماشى مع قيم ورسالة المؤسسة، بالتوازي مع احترام واستيعاب وجهات النظر المتنوعة طالما أنها لا تروج للتمييز أو الأذى.
وعودة لأهمية تقييم المعتقدات الشخصية للمرشحين فهنالك عدة أسباب تزيد من أهمية أخذها بعين الاعتبار عند التوظيف منها على سبيل المثال لا الحصر الحساسية الثقافية والقدرة على التكيف، ففي عالمنا المعاصر حيث تعمل المؤسسات في بيئات متنوعة ومتعددة الثقافات، يمكن للمرشحين الذين يتمتعون بفهم قوي واحترام للثقافات وانفتاح على المعتقدات والعادات المختلفة أن يتفاعلوا بشكل أفضل مع الثقافات المتعددة، مع مرونة أكبر في التنقل بين المجموعات المختلفة وتقريب وجهات النظر المتباينة، بحيث تصبح الحساسية الثقافية والقدرة على التكيف أمرين حاسمين لتعزيز العلاقات الإيجابية والتعاون مع جميع أصحاب المصلحة من مختلف الخلفيات، والعكس قد يؤدي الى نتائج غير مرغوبة تمامًا.
كما أن انسجام القيم الشخصية للمرشحين مع الرؤى والقيم التي توجه المؤسسات يمكن أن يساهم في تكوين فريق متماسك وموجه نحو هدف أكبر واحد، عندما يتقاسم جميع أعضاء الفريق مبادئ مشتركة، بحيث يؤدي هذا التوافق بين المعتقدات الشخصية والقيم التنظيمية إلى زيادة التعاون والالتزام بمهمة المؤسسة.
ولا نستطيع فصل ذلك عن السلوك الأخلاقي والنزاهة، حيث يمكن أن تؤثر المعتقدات والمبادئ الشخصية على اتخاذ القرارات الأخلاقية للفرد. بالنسبة للمؤسسات التي تعمل غالبًا في سياقات معقدة وحساسة، فإن الحفاظ على مستويات عالية من الأخلاق والنزاهة أمر ضروري، وخصوصًا عندما يتم التعامل مع فئات شديدة الهشاشة من المستفيدين تمر في الغالب في أضعف حالاتها، مما يجعلها عرضةً للإساءة والاستغلال، حتى من قبل من يدعون أنهم يقدمون المساعدة، ولنا تذكرة في فضائح الاعتداءات الجنسية لقوات عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي والكونغو والصومال ودول أخرى، أو قضية أوكسفام والاستغلال الجنسي من قبل بعض موظفيها في هايتي عام 2018، وهذه ليست حالات فردية من الخروقات الإنسانية أو الفساد المالي والإداري، بل هي معضلة متفشية عابرة للمؤسسات والجغرافيا يجب الانتباه لها والعمل على تجنبها حول العالم. وهنا من المرجح أن يعزز المرشحون ذوو القيم الأخلاقية القوية سمعة المؤسسة ومصداقيتها ونموذج عملها.
ومع ذلك لا نستطيع أن نغفل أنه في بعض السياقات والأعمال الأخرى قد لا تعد المعتقدات الشخصية عاملًا مهمًا عند التوظيف، حيث تكون الأولوية فعليًا للمهارات والمعارف التقنية بصرف النظر عن المعتقدات الشخصية للمرشح إن لم يترتب عليها تمييز أو أذى أو عواقب أخلاقية أو قانونية، مع زيادة توجه المؤسسات في أيامنا هذه إلى تعزيز التنوع والشمول الذي بات يشكل جانبًا مهمًا من ممارسات التوظيف الحديثة. ففي هذه السياقات يمكن أن يؤدي التركيز على مؤهلات المرشح ومهاراته وخبراته، بدلًا من المعتقدات الشخصية، إلى بناء قوة عاملة أكثر تنوعًا وشمولية، وغالبًا ما تجلب فرق العمل المتنوعة وجهات نظر وأفكار مختلفة، مما يؤدي إلى تحسين حل المشكلات والإبداع.
في النهاية، على الرغم من جميع هذه الاعتبارات المتداخلة والمتعارضة، من الضروري التعامل مع تقييم المعتقدات والمبادئ الشخصية بحذر ووفقًا للتشريعات السارية والمبادئ التوجيهية الأخلاقية للمؤسسة. لضمان العدالة والشمولية، بحيث يكون التركيز في المقام الأول على مؤهلات المرشح ومهاراته وخبراته المتعلقة بالدور الوظيفي مع محاولة التأكد من أن معتقداته الشخصية لا تتعارض مع قيم المؤسسة والقواعد القانونية والاخلاقية العامة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد تنفيذ عمليات مقابلة صارمة ومنظمة والتدقيق في خلفية المرشح في تقييم الوعي الثقافي للمرشح والسلوك الأخلاقي والقدرة على التكيف دون إدخال تحيز أو تمييز من جهة، ومن جهة أخرى دون المخاطرة بتوظيف تفاحة فاسدة قد تضر بالمؤسسة كاملةً.