02-أغسطس-2023
قيس سعيّد وأحمد الحشاني

لا يحب الرئيس أن تلمع أسماء أخرى في فترة حكمه

 

لمحاولة الإجابة عن سؤال العنوان، "هل هناك رئيس حكومة جديد في تونس فعلًا؟"، يمكن النظر في توقيت التعيين وملابساته. بلاغ موجز جدًا، نصه التالي "قرر رئيس الجمهورية قيس سعيّد، مساء الثلاثاء 1 أوت 2023، إنهاء مهام نجلاء بودن رمضان رئيسة للحكومة وتعيين أحمد الحشاني خلفًا لها".

يُنشر البلاغ حوالي منتصف الليل، ولا يتضمن أي تفاصيل عن هوية الرجل وما يتمتع به من "خصال" إن وُجدت و"إمكانيات" للحظوة بالمنصب، خاصة وهو المجهول من قبل عموم الشعب التونسي والذي لا يُعرف له نشاط حزبي أو مدني.

كيف يُمكن تفسير ذلك إلا إذا كان المنصب مفرغًا من كل أهمية و"سلطة" وكان موظفًا جديدًا - مع كل التقدير للموظفين في مناصبهم الإدارية وجهودهم - سيؤدي مهامًا مضبوطة بأوامر محددة ويغادر المنصب في صمت كمن سبقته. 

فقد منصب رئاسة الحكومة في تونس منذ 25 جويلية/يوليو 2021، كل بهرجه السابق وصار رئيس الجمهورية المُحدد لسياسات الدولة وخياراتها أساساً

في تونس، حافظ دستور 2022، الذي خطه الرئيس سعيّد نفسه، على تسمية "رئيس حكومة" للشخصية الثانية في السلطة التنفيذية لكن ذات الدستور منحها صلاحيات محدودة جدًا لا تقارن بالتسمية. فقد هذا المنصب منذ 25 جويلية/يوليو 2021، كل بهرجه السابق وصار رئيس الجمهورية المُحدد لسياسات الدولة وخياراتها أساساً. 

وبعيدًا عن قيمة المنصب من حيث الصلاحيات والمهام، لا يحب الرئيس أن تلمع أسماء غيره في فترة حكمه، هو يعرف حجم التشويه والفشل الذي يُحيط بمن سبقه حكمًا ومعارضة ولا يريد صناعة بدلاء زمن حكمه، وهو الرئيس "الداعم لما يريده الشباب" دون أن يكون الشباب في المناصب العليا في حكمه وإن وُجدوا فبإمكانيات شبه منعدمة.

لا يحب الرئيس أن تلمع أسماء غيره في فترة حكمه، هو يعرف حجم التشويه والفشل الذي يُحيط بمن سبقه حكمًا ومعارضة ولا يريد صناعة بدلاء زمن حكمه وهذا يفسر فلسفة تعييناته ومنها منصب رئاسة الحكومة

خلال فترة حكمه التي تلت 25 جويلية 2021، عيّن الرئيس رئيسي حكومة، لم تكن الأولى معروفة لحظة تعيينها، أقصد نجلاء بودن طبعًا، وأحيط تعيينها بهالة استحسان على اعتبار أنها أول رئيسة حكومة في العالم العربي. كان هناك بحث عن الرمزيات غالبًا وكانت بودن في ختام حياتها المهنية ودون تجربة سياسية واضحة وكذلك المُعيّن الجديد أحمد الحشاني. 

نحن أمام شخصية مجهولة بالنسبة لعموم التونسيين، كل ما اتضح حول مسيرته المهنية هو خلفيته القانونية وعمله في الأقسام الإدارية للبنك المركزي وما استشفه التونسيون من حساب فيسبوك ـ لم تثبت صحته من عدمها ومتوقف عن النشر منذ فترة ـ والذي يُظهر شخصية ذات حمولة إيديولوجية واضحة، ومعاد لتيار الإسلام السياسي بشكل لافت.

نحن أمام شخصية مجهولة بالنسبة لعموم التونسيين، كل ما اتضح حول مسيرته المهنية هو خلفيته القانونية وعمله في الأقسام الإدارية للبنك المركزي

الآن بعيدًا عن صلاحيات المنصب وتركيبة الشخصيات المختارة له، كان سعيّد منذ توليه في سنة 2019 يردد أن لا وجود "لرئاسات ثلاث" وأن هناك رئيسًا واحدًا للبلد، وأصر منذ 2021 أن يعيّن شخصيات مجهولة في مناصب أُفرغت من سلطتها الحقيقية، شخصيات صامتة ومطيعة، وحتى من كان مقربًا منه يُغادر هذه المناصب مُقالاً، لا أحد يستقيل في فترة حكمه، ولا أحد يعود للنقاش مع الإعلام مثلًا عن تقييمه وما حققه وما فشل فيه، الكل يغادر المنصب صغيرًا للنسيان أو لبلد آخر أو للصفوف المقابلة.. إذًا هل هناك فعلًا "رئيس حكومة" جديد في تونس بكل ما تحمله تسمية المنصب من قدرة على التغيير ومعطى  "الجدة" من انتظارات؟

وبعيدًا عن الصلاحيات المحدودة وتركيبة الشخصيات وفلسفة اختيارها، المتابع للشأن التونسي خلال السنتين الأخيرتين خاصة يلاحظ أن ​الرئيس "لا يُخطئ" عند داعميه، ورغم ذلك فتأزم الوضع واضح سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لذلك هناك حاجة لمن من المُتاح القول إنه أخطأ أو حتى أكثر من ذلك بكثير وتحميله كل المسؤولية، حتى وإن كان في محل تطبيق أوامر لا غير.

​الرئيس "لا يُخطئ" عند داعميه، ورغم ذلك فتأزم الوضع واضح سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، لذلك هناك حاجة لمن من المُتاح القول إنه أخطأ أو حتى أكثر من ذلك بكثير وتحميله كل المسؤولية

في هذا السياق لا غير، تتتالى أسماء على منصب رئاسة الحكومة التونسية وآخرها أحمد الحشاني، وقد تظهر أسماء أخرى خلال الفترة القادمة، لترك مجال للنقاش العام والتداول حولها وتحميل المسؤوليات.. لكن هل يعني هذا فعلًا أن هناك "رئيس حكومة" جديدًا في تونس؟

لرئيس البلاد صلاحيات هائلة يحرص على تفعيلها تدريجيًا، وحيدًا أحيانًا أو مرفقًا بشخصيات مستعدة للتطبيق في أحيان أخرى. تتغيّر هذه الشخصيات وتُنسى سريعًا في ذهن التونسي، على الأقل هذا ما وصمَ آخر سنتين تونسيًا، في انتظار مزيد استكشاف ملامح ومبادرات أحمد الحشاني، الوافد الجديد إلى القصبة.