أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرها السنوي بعنوان "التقرير العالمي 2023.. مراجعات لأوضاع حقوق الإنسان حول العالم"، والذي جاء في 700 صفحة، ويفحص حالة حقوق الإنسان في 100 دولة، ما بين الحرب الروسية على أوكرانيا، وانتهاكات الصين ضد المسلمين فيها، وصولًا إلى حق الإجهاض في الولايات المتحدة والتعامل مع اللاجئين في العالم، والقضية الفلسطينية.
أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرها السنوي بعنوان "التقرير العالمي 2023.. مراجعات لأوضاع حقوق الإنسان حول العالم"، والذي جاء في 700 صفحة، ويفحص حالة حقوق الإنسان في 100 دولة
وجاء في مقدمة التقرير إشارةً إلى أن "السلسلة الطويلة من أزمات حقوق الإنسان في هذا العام، تنتهي إلى استنتاج أن السلطة الاستبدادية المطلقة تفضي إلى معاناة إنسانية هائلة"، وتحدثت المقدمة عن أن المعايير المزدوجة لم تقتصر على القوى العظمى بل على كثير من الحكومات التي لم تلتزم بتعهداتها، وأن هناك مساحةً أكبر لظهور تحالفات وأصوات قيادية جديدة تعمل على تغيير واقع حقوق الإنسان.
فلسطين.. تزايد القمع الإسرائيلي
أفرد التقرير مساحةً للوضع في فلسطين المحتلة، وتحدث عن تزايد القمع الإسرائيلي خلال ولاية حكومة نفتالي بينيت ويائير لابيد، وأضاف حولها: "ترقى ممارسات السلطات الإسرائيلية، المتخذة ضمن سياسة الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين، إلى الجريمتين ضد الإنسانية المتمثلتين في الفصل العنصري والاضطهاد".
وحول الاستيطان، أكدت هيومان رايتس واتش، على استمرار الحكومة الإسرائيلية في تسهيل الاستيطان بالضفة الغربية، والإعلان عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، بزيادة قدرها 26% مقارنةً بالمتوسط السنوي للفترة التي كان فيها بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء بين 2012 و2020.
وحول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في آب/ أغسطس، قالت المنظمة "قصفت السلطات الإسرائيلية منزل قيادي في حركة الجهاد الإسلامي في غزة من دون استفزاز واضح من طرف الحركة"، وخلال الحرب أغلقت إسرائيل معابر قطاع غزة، ووصفت هيومان رايتس واتش الممارسة بأنها إجراءات تستهدف عموم السكان المدنيين في القطاع وترقى إلى حد العقاب الجماعي غير القانوني.
ومع تزايد أعداد الشهداء وعنف المستوطنين في الضفة الغربية، فقد أشارت المنظمة إلى غياب المحاسبة من قبل سلطات الاحتلال، قائلةً: "نادرًا ما حاسبت السلطات الإسرائيلية قوات الأمن التي استخدمت القوة المفرطة أو المستوطنين الذين هاجموا الفلسطينيين. وأدى أقل من 1% من الشكاوى التي قدمها فلسطينيون في الضفة الغربية بين 2017 و2021 بشأن انتهاكات القوات الإسرائيلية إلى لوائح اتهام". وتحدثت المنظمة عن زيادة عمليات جيش الاحتلال في الضفة الغربية، مما أدى إلى استشهاد 147 فلسطينيًا.
الحرب في أوكرانيا.. تفاعل مهم وازدواجية في المعايير
اعتبر تقرير المنظمة أن ملف أوكرانيا، يحمل مثالًا إيجابيًا، لتفعيل نظام حقوق الإنسان العالمي، عن طريق محاسبة روسيا، وتعليق عضويتها في مجلس حقوق الإنسان.
وفتح التقرير مجالًا للتفكير في تصرفات بوتين السابقة وكيفية تفاعل العالم معها، بقوله: "على الحكومات التفكير كيف سيكون الوضع لو كان المجتمع الدولي قد قام بجهود متضافرة لمحاسبة بوتين قبل ذلك بكثير، في العام 2014 مع بداية الحرب في شرق أوكرانيا، والعام 2015 على انتهاكاته في سوريا، أو بسبب القمع المتصاعد لحقوق الإنسان داخل روسيا خلال العقد الماضي".
وتطرق التقرير إلى ما تلا الغزو الروسي لأوكرانيا من فضائع، حيث أشار إلى أن الأمم المتحدة وجدت عمليات قتل غير قانونية للمدنيين وجرائم حرب، كررتها القوات الروسية بعدد هائل، ورصدت الأمم المتحدة، استهداف القوات الروسية للبنية التحتية في أوكرانيا، وقمع الناشطين المناهضين للحرب في روسيا. كما وثق التقرير، 86 حالة عنف جنسي تشمل الاغتصاب والتعرية القسرية، معظمها نفذت من قبل القوات الروسية. بالإضافة إلى تنفيذ القوات الروسية عمليات قصف عشوائية و"غير متناسبة في آثارها مع الضحايا المدنيين".
وتحدث التقرير عن ارتكاب القوات الروسية جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية في المناطق التي احتلتها، بما في ذلك سوء المعاملة والتعذيب والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري للمدنيين وأفراد القوات المسلحة الأوكرانية. بالإضافة إلى عمليات الإعدام والتعذيب. بالإضافة للهجمات الروسية على منشآت الطاقة الأوكرانية، التي كانت تهدف إلى بث الرعب بين السكان وجعل الحياة غير محتملة.
وأظهرت معلومات وثقتها المنظمة الحقوقية عن إساءة القوات الروسية والأوكرانية، معاملة أسرى الحرب، وإعدامهم بإجراءات موجزة، بما قد يشكل جريمة حرب، بالإضافة إلى نشر هويات الأسرى وتعريضهم للتعذيب. كما أشار التقرير إلى أن القوات الروسية والأوكرانية، استخدمت المدارس في هجماتها العسكرية مما أدى إلى تضررها، كما استخدمت تلك القوات القنابل العنقودية في الهجمات.
وأشار تقرير المنظمة إلى أن الحرب في أوكرانيا كشفت عن ازدواجية المعايير في أوروبا، قائلًا: "رحبت الدول الأوروبية بملايين اللاجئين الأوكرانيين، وهي استجابة جديرة بالثناء، ولكنها كشفت أيضا عن المعايير المزدوجة لمعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في معاملتها المستمرة لعدد كبير من السوريين، والأفغان، والفلسطينيين، والصوماليين وغيرهم ممن يلتمسون اللجوء".
وفي سياق حديث هيومان رايتس واتش عن الغزو الروسي لأوكرانيا، عقدت مقارنةً مباشرةً مع سوريا، بالإشارة إلى أنه "لم تكن الخسائر في أرواح المدنيين في أوكرانيا مفاجأة للسوريين الذين عانوا من انتهاكات جسيمة من الضربات الجوية بعد تدخل روسيا لدعم القوات السورية بقيادة بشار الأسد في العام 2015".
وتحدث التقرير عن المهاجرين الذي كانوا يمرون عبر أوكرانيا باتجاه أوروبا، قائلًا: "في الأشهر الأولى من الغزو، واصلت أوكرانيا احتجاز المهاجرين وطالبي اللجوء بشكلٍ تعسفي في عدة مواقع في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك بالقرب من الخطوط الأمامية في ميكولايف. وفي نهاية المطاف، أطلقت السلطات الأوكرانية سراحهم أو نقلت معظم المهاجرين إلى مناطق أكثر أمانًا".
قيس سعيّد أعاق التحول الديمقراطي
أمّا في تونس، التي تشهد وضعًا سياسيًا متوترًا منذ انقلاب قيس سعيّد في تموز/ يوليو 2021، فقد انطلق التقرير من استمرار الانتهاكات فيها، قائلًا: "استمرت الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، وشملت القيود على حرية التعبير والعنف ضد النساء والقيود التعسفية بموجب قانون حالة الطوارئ التونسي. اتخذت السلطات مجموعة من الإجراءات القمعية ضد المعارضين والمنتقدين والشخصيات السياسية، بما يشمل إجبارهم على عدم تغيير إقامتهم، وإخضاعهم لمنع السفر ومحاكمتهم -أحيانا في محاكم عسكرية- لانتقادهم العلني للرئيس أو القوات الأمنية أو مسؤولين آخرين".
واعتبر التقرير أن "استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطة في تموز/ يوليو 2021، أضعف المؤسسات الحكومية المصمَّمة لتشكل ضوابط على السلطات الرئاسية وأعاق التحول الديمقراطي في البلاد".
وحول مسار السعيّد والاستفتاء الذي أعلن عنه والذي قاطعته معظم القوى السياسية في تونس، جاء في التقرير عنه: "عملية الإصلاح الدستوري كانت غير شفافة وقاطعها جزء كبير من المعارضة والمجتمع المدني. والدستور الجديد، الذي نال الموافقة في 26 يوليو/تموز، منح الرئيس سلطات شبه مطلقة دون حماية قوية لحقوق الإنسان".
وأضاف التقرير، أن "سعيّد استخدم الاجراءات لتوطيد حكمه في 2022 من خلال إدخال سلسلة من الإصلاحات الرجعية وتقويض استقلال القضاء". وأكد التقرير على تراجع الحريات بشكلٍ كبير خلال عهد السعيد، بما في ذلك حرية الصحافة والتعبير.
وحول واقع المرأة في تونس، فقد أشار التقرير إلى أن سعيد لم يعمل على تحسين حقوق المرأة، ورغم تعيين نجلاء بودن رئيسةً للوزراء، إلّا أنه لم يمنحها أي استقلالية سياسية تذكر.
السودان.. العسكر يعرقلون الانتقال الديمقراطي
وفي السودان، أشار التقرير إلى عرقلة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان الانتقال الديمقراطي منذ تنفيذ الانقلاب في تشرين أول/ أكتوبر 2021، وشدد على "ضرورة النظر في مطالب المدنيين، مثل المطالبة بالعدالة وإنهاء الإفلات من العقاب، وأهمية اتخاذ إجراءات دولية ضد الانقلابيين لإجبارهم على التنازل عن السلطة".
وتحدث التقرير عن الاعتقالات التي تنفذها السلطات الأمنية في السودان دون سند قانوني، وما يترافق معها من تعذيب وتهديد المتظاهرات بالعنف الجنسي.
الصين.. سجن كبير للإيغور
وفي الصين، فقد انطلق التقرير في حديثه عن واقع حقوق الإنسان فيها، بالإشارة إلى تمديد ولاية الرئيس شي جين بينغ "زعيمًا مدى الحياة، وإحاطة نفسه بالموالين ومضاعفة جهوده في بناء دولة أمنية". بالإضافة للحديث عن إجراءات "صفر كوفيد" التي أدت إلى إغلاق مناطق واسعة، بالأسلاك أو بالقضبان المعدنية، مما منع الناس من الخروج في منازلهم عند حدوث الحرائق أو الزلازل، بالإضافة إلى انتهاكات واسعة على مستوى الرقابة والخصوصية.
وحول أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ، فقد أكد التقرير استمرار بكين باحتجاز "نحو مليون شخص من الإيغور وغيرهم من المسلمين، الذين يتعرضون للتعذيب، والتلقين السياسي، والعمل القسري، مع فرض قيود شديدة على حقوق الدين والتعبير والثقافة لعامة السكان".
وأدى تسليط الضوء على "حالة حقوق الإنسان الفظيعة في شينجيانغ، إلى وضع بكين في موقف دفاعي، دفع الحكومة الصينية للعمل جاهدة لتبرير سلوكها"، ودعا التقرير الأمم المتحدة إلى "استخدام ثقلها السياسي الكامل لمواصلة المراقبة والتوثيق، وتقديم التقارير عن الوضع في شينجيانغ، وعلى نطاق أوسع في الصين". التي أشار التقرير إلى الانتهاكات المستمرة فيها ضد حرية التعبير، وضد النساء وخاصةً بعد انطلاق حملة MeToo التي ظهرت فيها شهادات تحرش عن مسؤولين في الحزب الشيوعي.
وتحدث التقرير عن انتهاكات تمارسها الدولة الصينية ضد الأديان عمومًا، وتسعى السلطات الصينية إلى جعلها متماشيةً مع إيديولوجية الحزب (Sinicization) وعاملًا مساعدًا للولاء له وللرئيس الصيني. كما تشير المنظمة الحقوقية إلى انتهاكات مرتبطة في مبادرة الحزام والطريق، وتحديدًا في حقوق العمال بالمشاريع التي تنفذ في دول أفريقية.
إثيوبيا.. حرب دون اهتمام
وعن الوضع في إثيوبيا، قال التقرير إن النزاع المسلح شمالي إثيوبيا "لم يحظ سوى بجزء ضئيل من الاهتمام العالمي المركّز على أوكرانيا، رغم عامين من الفظائع، بما فيها عدد من المذابح، من قبل الأطراف المتحاربة".
وتطرق التقرير إلى الانتهاكات التي وقعت خلال النزاع، مثل فرض الحكومة الإثيوبية "قيودًا شديدةً على وصول المحققين الحقوقيين والصحافيين إلى المناطق المتضررة من النزاع في تيغراي، ما صعّب التدقيق في الانتهاكات التي تتكشف، حتى مع امتداد النزاع إلى منطقتي أمهرة وعفار المجاورتين".
وذكر التقرير، عن استمرار الحكومة الإثيوبية للحصار الفعلي لمنطقة تيغراي حتى العام 2022، ما حرم السكان المدنيين من الحصول على الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية الضرورية، فضلًا عن الكهرباء، والاتصالات، في انتهاك صريح للقانون الدولي. ورغم إدانة الحكومات والأمم المتحدة، لـ"عمليات القتل، والعنف الجنسي الواسع، والنهب، بإجراءات موجزة، لكنها لم تفعل شيئًا آخر يذكر".
وعرج التقرير، على مواقف الدول الأفريقية المنتخبة في مجلس الأمن الدولي، وهي الغابون وغانا وكينيا، إلى جانب روسيا والصين، التي منعت وضع إثيوبيا على جدول أعماله الرسمي للمناقشة، رغم "صلاحية المجلس بحفظ السلام والأمن الدوليين واستعادتهما"، كما ترددت الحكومات في "تبني عقوبات مستهدِفة ضد الكيانات والأفراد الإثيوبيين المسؤولين عن الانتهاكات".
إيران.. احتجاجات مستمرة ومحاكم غير عادلة
تناول التقرير الوضع في إيران، والقمع الذي تعرضت له الاحتجاجات التي خرجت عقب مقتل الشابة مهسا أميني، وأشار إلى أن حصيلة قتلى الاحتجاجات بلغت حتى تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، 341 متظاهرًا بينهم 52 طفلًا، كما أن السلطات الإيرانية اعتقلت أكثر من 15 ألف متظاهر، وتحتجز الآلاف منهم في سجون مكتظة، حرمتهم من حقهم في محاكمة عادلة.
وبحسب التقرير، فإن من بين المعتقلين مئات المدافعين عن حقوق الإنسان، والنشطاء والصحفيين والمحامين، الذين تم اعتقالهم بسبب معارضتهم السلمية في الاحتجاجات أو دعمها.
وشدد التقرير، على أن "المحاكم الإيرانية، ولا سيما المحاكم الثورية، ترفض بانتظام إجراء محاكمات عادلة، وتستخدم الاعترافات التي يُرجح أنها انتُزعت تحت التعذيب كدليل في المحكمة، ولم تحقق السلطات بشكل هادف في مزاعم التعذيب العديدة ضد المعتقلين، وقيدت باستمرار وصول المعتقلين إلى محاميهم، لا سيما أثناء الاستجواب". ودعا التقرير، إلى "زيادة الضغط على هذه السلطات القاسية، وضمان محاسبتها على جرائمها".
تذكرنا التعبئة العالمية حول أوكرانيا بالإمكانات الاستثنائية للحكومات عندما تُدرك مسؤولياتها الحقوقية على نطاق عالمي. على جميع الحكومات أن تجلب روح التضامن هذه نفسها إلى باقي الأزمات الحقوقية حول العالم
في ختام افتتاحية التقرير، قالت المنظمة: "تذكرنا التعبئة العالمية حول أوكرانيا بالإمكانات الاستثنائية للحكومات عندما تُدرك مسؤولياتها الحقوقية على نطاق عالمي. على جميع الحكومات أن تجلب روح التضامن هذه نفسها إلى باقي الأزمات الحقوقية حول العالم، وليس فقط عندما يتناسب ذلك مع مصالحها".