يقولُ الفيلسوفُ الضّريرُ أبو العَلاء المعريّ:
جَلوْا صَارِمًا وتَلَوْا بِاطِلًا
وقَالُوا صَدَقْنَا، فَقُلْنا نعم
يفسّرُ البيتُ السّابقُ الحالة الطّوعيّة لانتصار الدكتاتور، فبعد تجهيز السّيوف وصقلِها، يتلو السّفاحُ المنتصر خِطابَ النّصر مؤكّدًا صِدقَ كَلامِه، ليكونَ الردّ خوفًا: نعم، فالسّيف مُخيف، والنّطعُ مخيفٌ أكثر. أمّا في الحالة السوريّة فيبدو أنّ فَرْضَ الطّاعة أبسط من تحضير وجبة فطور، وأنّ المجازر أسهل من ترتيل أنغامِ لحنٍ هزيل، فالسّيوفُ الّتي صُقلت استُخدِمت بالفعل فقتلَتْ، وشرَّدَتْ، وسَجَنَتْ الآلاف من أبناء الشّعبِ السّوريّ. وبعدَ الشّتاتِ والموتِ يخاطِبُ أسَد سوريا المنتصر الدّولَ العربيّة: هل انتصرتُ؟! ليكونَ الردّ: نعم انتصرتَ أيّها الجِنرال، قد حقّقتَ رَغَباتِ الحُكم والحاكميّة، فكنتَ نموذَجَ البَقاءِ عَلى الأرضِ، بانتصاركَ أيّها الجِنرال حقّقتَ الثباتَ لعروشِنَا، فنحنُ الملوكَ عَرْشُ الإلهِ على الأرض، وهذه العروش بدأت واهنة ضعيفة أمام صيحات الحُريّة، أنْتَ من ثبّتها أيّها الجِنرال المنتصر.
يظنّ البعض أن التّكبيرات الّتي صدرت من الدّول العربيةّ تكبيراتُ عيد، مؤذنةً بفجرِ سوريا الجديدِ، ولكنْ، واهِنٌ من يدرك ذلك، إنّ التكبيرات الّتي خَرَجتْ من دول العرب تكبيراتُ جنازة وليست تكبيرات عيد
يظنّ البعض أن التّكبيرات الّتي صدرت من الدّول العربيةّ تكبيراتُ عيد، مؤذنةً بفجرِ سوريا الجديدِ، ولكنْ، واهِنٌ من يدرك ذلك، إنّ التكبيرات الّتي خَرَجتْ من دول العرب تكبيراتُ جنازة وليست تكبيرات عيد، الموت السّوري مأساة، موت هنا، وموت هناك.
ألا تدركُ السياسة العربيّة أنّ الأزمة السورية لم تولّد إلا الموت، والجوع، والخنوع ألا تعلم بأنّ الأسد أعادَ إنتاج عشرات الميليشيات بالسّلاح الثقيل، وهذه الميليشيات كافية أنْ تتمرّدَ بلا سُلطة، وتقتلَ بعدَ هُدوء، ألا تدرك السياسة العربيّة أنّ إدلب غزّة ثانيّة من حصار وجوع، أين الانتصار! الموتُ السوريّ شاهد الخذلان على قبر العروبة النابض.
ألا تدرك السياسة العربيّة أنّ فاتورة القتال والأسلحة تعني انقطاعَ الاقتصادِ السوري، وبالتالي الوصول إلى الاقتصاد بطرقٍ غير مشروعة عن طريق تجارة المخدّرات، فقد أغرق ذلك النّظام العالم بحبوب الكبتاجون المُميتة، ليكون شرّ الدكتاتور شرّا شيطانيًّا كونيًّا لا يزول.
تظن الدّول العربيّة بإلقائها تاج النّصر على ناصيةِ الدكتاتور، وإلقائها إكليل ورد على قبرِ الحريّات والكرامةِ، أنّ الشّعوب العربيّة ستردّدُ مَعها خِطابَ الدّكتاتور المنتصِر:
"فمَنْ كانَ يعبرُ هذا البَلدْ
ومن كان يعبُر هذا الجَسدْ
فمن حقّه أنْ يصدّقَ أنّي حي
وحيٌّ هو العرش حتى الأبد"
أمّا نحن الشعوب العربيّة إذ فرضت علينا الذلّة، وضاقت علينا الحريّة، فلا أمل يكون إلا بطوعة جمعيّة نجمع شتات كرامتنا ونذل كبرياءَ نفوسِنا، ونقدّمها قربانًا لعودة الدكتاتور من رحلة الموت القاسية، ونأخذ بحضن الجزّار لنشتمّ عطر الكيماوي الجميل، ألا تعلم الدّول العربية بأنّ الدكتاتور العائد من رحلة الموت القاسية يترع نبيذًا معتّقًا بدماء أطفال الغوطة، ويلبسُ سترة من حرير مصنوعة من جلود أطفال حلب، ما أكْرَه رائحةَ الدكتور الديكتاتور إذ عاد بنصر على شعبه، وما أحقر الأجساد المتعانقة مشكّلة حضن القهر المرير، وألم الموت المستمر.
آسِفٌ أيّها الدّكتاتور لم تنتصر، ولَنْ تنتصر، فمن قال "لا"، يدركُ مرارتها، ويدرك حلاوتها،
وإن كانت الويلات بتصفيق عربيّ رسميّ، ونحن الشّعب العربيّ الباحثين عن الحريّات سنقول "لا" في وجه من قال نعم، وتبقى حلاوة "لا" بطمأنةٍ ربّانيّة بقول من الله تعالى: واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا.