يتناول الفيلم الوثائقي The Three Identical Strangers بشكل أساسي، قضية الثلاثي التوأم روبرت شارفان، دايفيد كيلمان وإدوارد غالان، الذين تبنّتهم ثلاث عائلات مختلفة وهم في سن الستة أشهر، ولم يكتشف أي منهم حقيقة أنه جزء من توائم ثلاثة إلا حين بلغوا سن الـ19، ومن خلال مصادفة غريبة. الفيلم الذي قام بإخراجه تيم واردل في العام 2018، والمتوفّر على موقع نيتفليكس، حقق نسب مشاهدات عالية وحصل على جوائز عديدة، وأثار جدلًا واسعًا وطرح إشكاليات عديدة حول أخلاقيات البحث العلمي.
حقق الفيلم نسب مشاهدات عالية وحصل على جوائز عديدة، وأثار جدلًا واسعًا وطرح إشكاليات عديدة حول أخلاقيات البحث العلمي
يمتدّ الفيلم لساعتين من الزمن تقريبًا، ويرتكز بشكل أساسي على مقابلتين مطوّلتين مع روبرت ودايفيد (كان إدوارد قد انتحر في عام 1995)، بالإضافة إلى شهادات حية لأشخاص مرتبطين بالقصة بطريقة أو بأخرى. ويمكننا من حيث المضمون تقسيم الفيلم إلى جزئين اثنين، حيث نتعرف في الساعة الأولى على قصة التوائم الثلاثة والطريقة التي التقوا فيها، والتغيير الذي طرأ على حياتهم بعدها، بالإضافة إلى نبذة عن طفولة كل منهم والظروف التي عاش بها. فيما يسلّط الجزء الثاني الضوء على الفضيحة التي طالت "لويز وايز"، المؤسسة التي احتضنت التوائم الثلاثة بعد ولادتهم، وطبيب النفس الأمريكي من أصل نمساوي بيتر نويبار، والذين استخدموا الأطفال كفئران تجارب لإجراء أبحاث، والوصول إلى نتائج فيما يخص دور كلّ من العوامل الجينية والوراثية من جهة، والبيئة والتربية من جهة أخرى، في تشكيل شخصية الطفل، وتحديد سلوكياته ونمط حياته لاحقًا.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "بابيشة".. ألوان الحياة تتحدى عتمة الإرهاب
في العام 1980، ينتقل روبرتشارفان إلى مدرسة جديدة في سيلفان كانتي في نيويورك. وفور دخوله إلى حرم المدرسة، يتفاجأ بكمية الترحيب والعناق التي حصل عليها من زملائه الجدد. يظن في البدء أن الأمر لا يعدو كونه مبادرة لطيفة منهم للترحيب بالطلاب الجدد، لكنهم في الحقيقة كانوا يخلطون بينه وبين زميلهم السابق إدوارد غالان. من خلال مطابقة تاريخ الميلاد، والميتم الذي احتضن الطفلين عند الولادة، يكتشف صديق إدوارد في السكن أن روبرت وإدوارد هما أخوان توأمان.
اللقاء الأول بين إدوارد وروبرت بعد 19 سنة شكّل مادة صحفية دسمة، فأفردت صحيفة نيويورك تايمز صفحتها الأولى لتغطية هذا اللقاء مع نشر صورة للأخوين. وصلت إحدى نسخ الصحيفة لشقيقة صديق دايفيد كيلمان التي سرعان ما اكتشفت الشبه الهائل بين التوأمين وبين صديق شقيقها. ليتبين لاحقًا أن دايفيد الذي ولد في 12 تموز/يوليو 1961، والذي تبّنته أسرته الجديدة من مؤسسة "لويز وايز" أيضًا هو الأخ التوأم الثالث. وقد شعر الإخوة الثلاثة وأهلهم بالتبّني بالذهول التام، حيث لم يكن لديهم أي علم بأن مؤسسة التبّني قد قامت بفصل الإخوة الثلاثة وتوزيعهم على أسر مختلفة. ولدى مراجعة إدارة المؤسسة قدّمت هذه الأخيرة حججًا واهية، ومع ذلك نجحت في إقناع الأهل بعدم رفع دعوى ضدهم.
تحوّل الإخوة الثلاثة إلى نجوم الإعلام وشاشات التلفزة في أمريكا في تلك الفترة. استضافتهم عشرات البرامج التلفزيونية وكُتبت عنهم مئات المقالات. انتقلوا للعيش سويًّا، وافتتحوا مطعمًا لهم في نيو يورك أسموه The Triplet الثلاثي، وحقّقوا أرباحًا هائلة، حيث قصدهم الناس من كل مكان. كانت لافتة الأمور المشتركة التي جمعت الإخوة الثلاثة، بالرغم من أنهم ترعرعوا في بيئات مختلفة كلّيًا. فقد كانوا جميعًا يدخّنون النوع نفسه من السجائر، يمارسون الملاكمة، يفضّلون اللون نفسه، الموسيقى نفسها.
في منتصف التسعينات اكتشف لورانس رايت الصحفي المعروف، خلال إجرائه بحثًا حول قضية تبنّي الأطفال التوائم، في إحدى الملفات السرية غير القابلة للنشر معلومات مفصّلة عن التوأم الثلاثي الشهير. ومن خلال بعض المراجعات، تبيّن أن إدوارد، روبرت، ودايفيد، لم يكونوا سوى فئران تجارب لطبيب نفس نمساوي من طلاب سيجموند فرويد، وأن عملية توزيع الأطفال على ثلاث أسر متبيانة اجتماعيًا (ثرية، متوسطة وكادحة) لم تكن إلا جزءًا من الدراسة. وبعد قيام لورانس رايت بنشر بحثه، بدأ آلاف الأطفال المتبنّين رحلة البحث عن توائم مفترضين لهم، وبالفعل اكتشفت إحدى الفتيات شقيقتها التوأم في الفترة نفسها.
وأشارت معلومات مسرّبة إلى أن مؤسسة لويز وايز قامت بتقديم بين 6 و8 توائم كمواد للدراسة للطبيب النمساوي في الفترة نفسها. تركت هذه الفضيحة آثارًا نفسية كبيرة لدى دايفيد وروبرت. شعرا بأنهما تعرضا لأبشع أنواع الاستغلال، وبأنهما حرما مع إدوارد من شعور الأخوّة لأكثر من 19 سنة، بالرغم أنهم عاشوا طفولتهم في ثلاث منازل تتواجد جميعها ضمن دائرة قطرها 160 كلم فقط. الذين عملوا في الدراسة كانوا يعلمون جميعًا بسرّ الإخوة الثلاثة، لكنهم أخفوه عن الجميع. وكان إدوارد قد انتحر وهو في العقد الثالث بسبب الاضطرابات النفسية الكثيرة التي كان يواجهها في عائلته بالتبنّي.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Persona" لإنغمار برغمان.. ثنائية الوجه الحقيقي والقناع
كان فريق عمل الطبيب بيتر نويبار يأتي بشكل مستمر إلى منازل الأطفال الثلاثة، وعلى امتداد سنوات طويلة، ويجري لهم اختبارات الشخصية والذكاء وما إلى ذلك، ويدوّن النتائج والملاحظات. الهدف الأساسي المعلن للدراسة كان معرفة تأثير البيئة التي يترعرع فيها الطفل على تكوينه النفسي، الأمر الذي يبرّر بالنسبة لهم، البحث عن توائم يمتلكون صفات بيولوجية متشابهة.
كان فريق عمل الطبيب بيتر نويبار يأتي بشكل مستمر إلى منازل الأطفال الثلاثة، وعلى امتداد سنوات طويلة، ويجري لهم اختبارات الشخصية والذكاء وما إلى ذلك، ويدوّن النتائج والملاحظات
كانت للدكتور نويبار وفريقه وجهة نظرهم الخاصة، حيث كانوا يرون أن الدراسة التي كانوا في صدد إجرائها، هي الطريقة الوحيدة لفهم مدى ومجال تأثير كل من الفطرة والبيئة على التكوين النفسي والذهني للطفل، الأمر الذي من شأنه أن يساعد كثيرًا في علاج الأمراض النفسية في المستقبل. في المقابل، فإن الرأي العام بأغلبه انحاز لروبرت ودايفيد، ورفض بشكل قاطع استغلال أطفال وفصلهم وتحويلهم لفئران تجارب. ويُذكر أن الأبحاث والدراسات توقفت جميعها في العام 1980 بعد بروز قضية التوائم، بسبب خوف القيمين عليها من الملاحقة القانونية، قبل 15 عام تقريبًا من افتضاح أمرهم بشكل كامل. يُذكر أيضًا أن نتائج هذه الدراسات لم تصدر حتى اليوم، وقد سُمح لدايفيد وروبرت فقط بالاطلاع عليها.
اقرأ/ي أيضًا: