ينحدر الشكل الإستطيقي للمادّة من ترسيم حدود المبادلة بين جمود المعنى وتحريكه حاسيًّا عبر مرايا المؤالفة والتنديد في آن. مبلورًا إيقاعًا يذهب نحو تحرير العمل الفني من التّلقي العابر، ليدخل في دائرة الخطر، أي استدعاء الشكل بالتّمدّد نحو ديونيزوسيّة الاحتفاء الفلسفيّ، المرحلة التي يكون فيها العمل الفنيّ عرضةً لثنائيّة المخيال، وأعني الانوجاد بين محكيّ العربدة والتسليم. المقام الذي يمنح الشكل اغتذاء الحركة بفلسفة الحركة نفسها، أي استفزاز الحاسّة بمخياليّة التخطي المنبثق من زمن الرّغبة الدلوزيّة.
قيمة العمل الفنيّ تكمن في تفعيل دور الزّمن من خلال تبنّي ضرورة العبور من الانطفاء الجزئيّ، المتمثل بإرجاء الفعل إلى الاشتال الكلي
في هذا الإطار نرى أنّ قيمة العمل الفنيّ تكمن في تفعيل دور الزّمن من خلال تبنّي ضرورة العبور من الانطفاء الجزئيّ، المتمثل بإرجاء الفعل إلى الاشتال الكليّ، المتأتّي من انفعال الزمن في ضرورة تخليص الحاسّة من كسلها ومنحها صفة الزمن بوساطة المخيال. والأخير هو الّذي يحدّد زمن الحاسّة ومدى حيويّة الفعل لديها، خصوصًا إذا كان المحسوس يندرج تحت مفهوم فنون الحركة الساكنة كالتّشكيل والعمارة.
هذا التلاسن المباهجيّ هو عالمٌ لحظيٌّ ينطلق من بواعث السّحر المنفلت من نظام التفكير المتصالب بترحيل هذه المباهج التي نسعى لاستتباع سبيلها، والتي في تلمّس أثرها يتحوّل المخيال إلى فكرٍ نسّاء يتأبّى على العقل بلوغ عالمه، لكونه ينبثق من الحاسّة إلى محاولة موتها التي يقترن بها الانجماع المباغت للأشياء والإنسان معًا، وهذه هي معالم الجنون الهارب من التّوافقي إلى الإشكالي في استزراع تربة الفكر الجماليّ بسؤالٍ ينبغي إثارته: هل العمارة فنٌّ نحتيٌّ أم هو علمٌ هندسيٌّ يغترف من منابع التشكيل مياهه الصوريّة التي دخلت في ما بعد الحداثة عالم الهجنة الشكليّة، وتوكّد هذا في أعمال المعمارية زها حديد، لكونها جعلت من الشكل البصريّ فعلًا جماليًّا، في تبنّيها تحرير البناء المعماريّ من الحتميّ الذي هو علم الهندسة القائم على تحديد وظائفيّة الشكل إلى الاحتماليّ البصريّ، والأخير ترجيحٌ للفنيّ على الهندسيّ، أي هي تعمل على إنتاج عملٍ فنيٍّ وليس بناءات وظيفة. وعلى ضوء ذلك جاءت أعمالها متاخمةً للفكر والفنّ بشعريّة الجسد الأنوثيّ وإعادة انتاجه برغبة المتأمّل الإيروسي لعبقريّة تضاريسه، حيث تعاملت مع المادّة بسيولةٍ نادرةٍ تتمدّد فاتحةً أفق الرّؤيا لاستقبال أشكالٍ مستمدّةٍ من تحفيزها للشكل بفهمٍّ جسداني الحضور، وفي هذا توكيدٌ على تبنّيها معاودة دولوز وتفكيك دريدا في آن، فالأولى تكمن في توسيع دائرة الرغبة في تجديد الفهم المعماري، بانفلاتٍ نحو المبتكر بقراءةٍ جذموريّةٍ محايثةٍ لتحولات العصر بمضاعفة الاغتذاء من حيويّة الجسم المفكّك للمرحلة وفي هذا منحًا دريديًّا.
يعترض تطوير الشكل المعماريّ العديد من المعيقات منها أن فنّ العمارة ينتسب لمفهوم الذاكرة الحيويّة، لكونه جمع بين قدم الأمكنة بحداثة الزمن، ما يجعل التجديد في هذا النوع من الفنون يعدّ من الرّهانات الخاسرة مسبّقًا، ليس كما يحدث في ضروب الفنون الأخرى، علاوةً على ذلك يعدّ فنّ العمارة راوٍ ذو لسانين وتأخذ حكايته على محمل الجدّ دائمًا. فهو يتكلّم عن الزمن بلسان الأمكنة وبالعكس. كما وأنّ الوثوق بسرديّات العمارة متأتٍ من أنّ كلّ بنايةٍ هي وثيقةٌ تاريخيّةٌ (1)، نفهم من هذا أنّها لسانٌ زمنيٌّ يتقن لغة الحواس الكامنة في جسد الأمكنة، وبذا تكون كالجسد الذي هو وثيقةٌ اجتماعيّةٌ بحسب ميرلوبونتي، إذًا تطابقه مع البعد الابتكاريّ للمعاودة الدولوزيّة يحتاج لسقفٍ عالٍ من الغياب والحضور التنديدي.
إنّ سؤال العمارة لدى حديد هو تعظيمٌ لجسدٍ صيروري فهي تنفلت من المادة إلى الأحياز، بمعنى أنّها تغامر في تحريك التلقي المألوف بأجسادٍ تتحرك في فضاء السؤال عن زمنيّة هذه الأشكال. إنّها ترى في عمارة العولمة سؤالًا سائلًا في تنظيف بشرة المدن جسديًّا، ربّما أرادت توكيد ذكوريّة الاستهلاك، ما دعاها إلى المواجهة بعمارةٍ سائلةٍ مهمتها (أدرمة) السواكن بسيولةٍ تنهل من باومان ثقافة أيديولوجيّة الاستهلاك فقط، أمّا سيولتها الشكليّة فتتجلى في تخطيها الحركة المنطقيّة في اعتمادها الايقاع الدرامي الشكلي للإنسان. لأنّها ترى في العمارة أكثر من مجرّد تعليقٍ على الحالة الإنسانيّة، فمع الحرب والسلام والحبّ والموت والوباء والولادة والغيض والنكبات والهواء الذي نتنفسه، أنها هي الحالة الإنسانية (2).
بيّنت عوالمها البصريّة رغبتها في خلق أجساد موازيةٍ فكريًا وبصريًا لشواش العولمة، وتكون في الوقت نفسه مباطنةً لإيقاع الأثر الفكريّ الناجم عن فهمٍ فلسفيٍّ لحركة العمارة على أرضيّة فكر القرن الواحد والعشرين المليء بنظريّات الانفجار الثقافي، وليس سوى الجسد بمستطاعه الدخول في صراعٍ كوسموبوليتيٍّ حيث الهويات تتقافر باتجاه الامحاء الفرجوي. لأنّ العمارة الحديثة من الناحية الأيديولوجيّة، بدون أسلوبٍ بحسب تشارلز جنكس فيخال المشاهد نفسه في عرضٍ لبصريّاتٍ مسرحيّةٍ تتحرك فوق خشبة الفكر والجمال.
المسرح في أصوله هو الفكرة في الجسد، وكلّما تماهت حديد في جسدنة العمارة لوّح بيدها منديل عطيل، وفي ذلك إشارةٌ لخيانة السلف المحلّيّ والعالميّ
والمسرح في أصوله هو الفكرة في الجسد (3)، وكلّما تماهت حديد في جسدنة العمارة لوّح بيدها منديل عطيل، وفي ذلك إشارةٌ لخيانة السلف المحلّيّ والعالميّ.
لم تكتف زها حديد بتمييع الشكل المعماريّ، وإعطاءه صفة المعاصرة، بل ذهبت أبعد من ذلك حيث تجديد مسار الرؤية من المشاهدة إلى الفرجة، أي أنّها أضفت على الشكل المعماريّ صبغة الأدرمة، وبهذا تكون قد انتقلت من التصميم إلى التأليف المعماريّ، ربّما تجده وهذا ما تشير إليه أعمالها بأنّ الفضاء وليس المكان بجاجةٍ لمن يؤلّف عالمه وليس لمن يجعل منه بنايةً جامدةً، لأنّها تصعد من حيوية المكان الفراغي، المستمد طاقته من كتابة المكان في تكثيف الاشتغال على "الفضاء الذي هو ليس مكانًا لكنه علاقة مع المكان"(4)ويعتمد التأليف على الزمن وحتى وإن استدعى المكان فيكون بصفة حكّاءٍ ذاكراتي، من خلال تكثيف الاشتغال على ثنائيّة الحركة (الزمن الجسد) باعتبار أنّ الإيقاع الدراميّ لا يتوافر إلّا في استبطان عوالم هذه الثنائيّة، وفي هذا انتقالٌ من السكون إلى الحركة، لأنّ الفرجة قائمةٌ على الفعل، سيّما وهي تشتغل ضمن فضاءٍ زمنيٍّ قائمٍ على الزوال والمحو، لذا يمكن القول إنّ عمارة زها حديد هي جسد لفضاءات العصر وقد جمع بين سديمة الشّعر وفلسفة الشكل. "فما قدمته من عقل مختلف ينتج رؤيةً مغايرةً للعمارة ونظم كتابتها، يذهب بعيدًا عن تكرار مبادئ الأعمال السابقة، يزيح الوقائع عن واقعيتها ووقائعيتها، ويقصد بها إلى اقتراح ما هو مختلف وضاج بالخيال والحلم" (5).
إنّ في فرجات زها حديد نزوعًا نحو تلصّصيّةٍ عالية الإيقاع، إذ لا يقتصر دور البنايات على كونها مكانًا لحركة الإنسان وإنّما البنايات ممثلون ذو أطرافٍ ثقيلةٍ نوعًا ما (6)، كذلك عمدت في أعمالٍ كثيرةٍ إلى توسيع دائرة السؤال الإيروتيكي، فيصدم المتفرج للجرأة الواضحة في تكوينها لهذا العمل، وبذا تكون قد تخطّت ملامح (العمارة الذكوريّة) التي خصّها الباحث الجماليّ شاكر لعيبي بمؤلفٍ خاصٍ، متجاوزةً فكرة العمارة الأنثويّة إلى عمارةٍ فرجيّةٍ، ويبدو ذلك جليًّا في عملها (ملعب نادي الوكرة في الدوحة، ومطار بكين في الصين)، فهل أرادت بهكذا أعمال تخليص العمارة من شكلها الاحتشامي، والذهاب بها إلى أقاصي الّلذة التي ستعيدها إلى فضاءات الفنّ والدهشة بعد أن تحوّلت لبنايةٍ مقموعةٍ وعاجزةٍ عن تأدية دورها الفكريّ والجماليّ، ويمكن التّخلي عنها متى ما انتفت الحاجة إليها.
يجيء الطابع الدراميّ لعمارة زها حديد من تموّجات الجسد الّذي بدوره يعمل على ترغيب المكان على الانتقال من الذاكرة المعماريّة المنبثقة من العلوم الهندسيّة، إلى ذاكرةٍ سائلةٍ تأتي من الفعل لتنتهي به، وهذه مهمةٌ من مهمات الجسد المنوط به استدراج المكان وتوطينه في سدم الحواس قبل المنطق. لكون العمارة الحديثة زمنيّةً أكثر منها مكانيةً، والزمن فيها هو من سيقود انتماءنا المقبل للمدينة وليس المكان (7). في حين تأتي مكانيّتها من لحظة استدعاء الإنسان للقاء بزمنه، بمعنى أنّها تضطلع بمهمةٍ تماكنيةٍ، وهنا يتوافر لدى المتفرج شعورٌ بملامسته لمكانٍ ريبي، إذًا هي مكانٌ جذموري وليست ذاكرتي لأنّها لا تحيل إلى مشهد حركتها داخل مخيال المتفرج، وفي هذا تحرير المدينة وتحويلها إلى فضاءٍ فنيٍّ، هذا الإصرار على تحقيق الأفضنة منح أشكال زها حديد حضورًا شعريًّا. ذلك لأنّ الشّعر هو الفضاء الفكريّ والفنيّ للّغة.
لا تحتاج عمارة زها حديد لمتلقٍّ مشاهدٍ، إنّما هي بحاجةٍ لعينٍ دراميّةٍ تؤلّف الشكل بحركةٍ جسديّةٍ تعبر بالشكل من الكتلة إلى التمثيل الذي سيمنح الشكل إيقاعًا فنيًّا داخليًّا موازيًا لاشتباكها البصري، وهذا متأتٍ من دخولها حيّز الفعل الناجم في سعيٍ منها للانوجاد التمثيلي، لتنقتل بذلك من الفضاء إلى الزمن.
يختبر الزمن نشاطه بتوافر جسدٍ مسترفدٍ من الحركة السريّة للزمن وهو يتعقب أثره في الأشياء قبل الإنسان، راصدًا عبوره المرآوي من خلال تأجيج الخلاف بين الجسد ومقامه الاجتماعيّ والسياسيّ، ذلك لأنّ الفكر يعمل على بذر الجسد بالنميمة، ويتجلّى هذا الأثر في اشتغالات حديد المستفزة للجسد باستضافة العين لمرح ذلك الشكل الذي لا يحتفى به فكريًّا وجماليًّا إلّا بجسدٍ حاملٍ لذبذباتٍ عابرةٍ لحدودٍ ثنائيّة التّلقي المألوف (الرفض القبول) التي في مغادرتها يحظى المتفرج بالحسّ التأليفي، فحركةٌ خياليّةٌ تقابلها حركةٌ جسديّةٌ توازي لحظة التخيّل لدى الخالق البصري.
لم يحضر الجسد في عمارة زها حديد كمعطىً جماليًّا وفكريًّا وحسب، إنّما حضر لتفعيل دور الرّاوي البصريّ البوليفوني، لتحرير الجسد نفسه من سرديّة الجسد الواحد
أين موقع المكان من عمارةٍ لا تنشغل بالأحياز الماديّة للأشياء، بقدر انهمامها في مجاوزة الواقعي بالافتراضي الّذي هو سمة الفنون المعاصرة التي تعتبر أنّ فكرة المكان في الراهن العولمي هي تأهبٌ زمنيٌّ، بعبارةٍ أخرى هي تتعاطى مع المكان بوصفه تجديدًا لفكرة الزمن نفسه، وبذلك تكون قد غادرت المكان لتدخل في الفضاء الذي هو كلمةٌ تجريديّةٌ بحدّ ذاتها أكثر من كلمة مكان (8)، وكما يبدو فإنّ التجريد إيقاعٌ وبعدٌ فنيٌّ ينشغل بتدعيم زمن الفرجة بمقترحاتٍ صوريّةٍ، بخلاف المكان الحاضن للصورة المرجأة أو التي تنتظر من يخرجها من قفصها، وتنشيط نضيدتها بالذاكرة. وما ينطبق على الفنّ المعاصر يجري على العمارة الحديثة خصوصًا مع عمارةٍ مثل تأليفات زها حديد، ذلك لأن الجسد في حضوره في عملٍ ما يعمل على (أدرمة) المكان بالفضاء، لأنّه يتنامى في التحرّك السريّ للزمن، أمّا الأشياء فتكمن حركتها في الاقتران بالجسد الذي سوف يمنحها صفة الفعل وليس الجسدنة معه كما يحدث في عوالم الفضاء.
لم يحضر الجسد في عمارة زها حديد كمعطىً جماليًّا وفكريًّا وحسب، إنّما حضر لتفعيل دور الرّاوي البصريّ البوليفوني، لتحرير الجسد نفسه من سرديّة الجسد الواحد، والانشطاريّة ههنا منبثقةٌ من اجتراح فرجةٍ حكائيّةٍ جديدةٍ تعلّي من مقام السّرد، إنّ لمقاربة الجسد بعلم السّرد عوالم لا تنفكّ تمتدّ عروقها في تربة السؤال عن جدليّةٍ سماويّةٍ مفادها: هل الجسد ساردٌ الهيّ قبل أن يكون ساردًا اجتماعيًّا وسياسيًّا، وكيف يتأسّس السؤال عن علاقة الجسد بوصفه حكّاءً بفنّ العمارة التي هي شهرزاد الزمكان في آنٍ واحدٍ، وهل يحقّ لنا الحديث بوجازةٍ عن ذلك.
في ظنّي أنّ لقاءهما لا يتمّ الّا في مبادرةٍ فكريّةٍ تجمع الاثنين معًا، فإن عدنا إلى ""ألف ليلة وليلة" نرى بأنّ الجسد بجنسيه هو ساردٌ مراوغٌ لأسرار وحكايات عمارة الرغبة، وبدونه تتشظّى الحكاية، وتنهدم عمارة الخيال المرتكزة على دعامة سؤال الجسد المفتّش عن رغبة الكاتب في تشييد عمارته السرديّة بمعزلٍ عن الجسد، وكيف سيكون شكلها آنذاك، وهل بإمكانه تحقيق ذلك بدون جسد.
ثمة استفهامٍ لابدّ منه، يكمن في استفزاز اللّغة بسؤالٍ أعدّه من ضرورات الإبداع السرديّ، هل ثمّة جسدٍ ساردٍ وآخر غير ساردٍ؟ وما هي ملامح الجسد السارد؟ وهل تقام عمارة السّرد على المكان أم الفضاء؟ في ظنّي أنّ لإضفاء إيقاعٍ دامي على الحكاية مقرونًا بتوافر جسدٍ ساردٍ يجمع التنبّه والمكر في قراءة أطراسه، ذلك لأنّه كما الأكوان بحاجةٍ لقراءةٍ لامتناهيةٍ، ومقاربة الجسد بعمارة الكون متأتٍ من تقبّل فكرة الحضور والغياب من خلال تبنيه اللعبة الطرسية، وفي الأخير ترتسم ملامحها بتوافر جسدٍ شهرزاديٍّ يعيد قراءة مسروداته على مرّ العصر.
إنّ حضور الجسد السارد في أنثروبولوجيا العولمة يختلف عن حضوره في سرديات شتراوس، وموضع الاختلاف يكمن في أنّ العولمة تقوم على اقتراح الجسد وليس تأكيده، إذ لا شيء ثابتٌ في عالم مضاربات البورصة وأسواق السلع، ما دفع القائمين على مراكز التجارة للأخذ بنظر الاعتبار زئبقيّة وسيولة الإنسان في زمننا، وفي هذا بعدٌ انشطاريٌّ في لسان السارد الذي هو الجسد، فيبدو للقارئ البصريّ أنّنا أمام امتحانٍ يختبر به المسرود الأدبيّ نظيره المسرود البصريّ، وتجلت هذه العوالم في سرديات الفنان القاص أنيس الرافعي لا سيّما في كتابه الموسوم "اعتقال الغابة في زجاجةٍ"، المؤلّف الذي غادر به الرافعي كليشيهات السرد العربيّ، فقد استطاع أن يشيّد عمارته السرديّة بثقافةٍ جسديّةٍ مستقاةٍ من تشبّعه بثقافةٍ بصريّةٍ، من تشكيل وسينما عمقها الجسد.
عند الإمعان في فحص السلّم التأليفي لعمارة زها حديد، نشعر وكأنّنا في حضرة جسدٍ راوٍ لحكايةٍ عجزت اللغة من استكناه سرّها، فلجأ إلى السرد البصريّ
عند الإمعان في فحص السلّم التأليفي لعمارة زها حديد، نشعر وكأنّنا في حضرة جسدٍ راوٍ لحكايةٍ عجزت اللغة من استكناه سرّها، فلجأ إلى السرد البصريّ، ففي زمن العولمة كلّ شيءٍ في الوجود يقرأ سرديًّا، في حين يضطلع الجسد بمهمّتي التناقض هو الكتابة والقراءة في آنٍ واحد، إذن المسرود الصوريّ لا يختلف في آليّات السّرد فحسب، إنّما في طرائق القراءة أيضًا، هذا لا يعني أنّ الجسد معطّلًا في قراءة النصّ الأدبيّ، إذ لا يستثمر انوجاده كما يحدث في قراءة النصّ الصوريّ، لذا تكون حركته متباطئةً، مقارنة واندفاقه مع الجسد والعمارة.
مراجع
1. سينكلير جولدي: تذوق الفن المعماري، تر: محمد بن عبد الحسين ابراهيم، /2.
2. ينر بانهام: عصر أساطين العمارة، تر: سعاد عبد علي مهدي، /13.
3. آلان باديو: في مدح الحب، تر: غادة الحلواني، / 110.
4.شاكر لعيبي: العمارة السوريالية، /42.
5.أسعد الأسدي: معرفة المكان، /105.
6. تذوق الفن المعماري، / 13.
7. جان بورديار وجان نوفيل: الأشياء الفريدة، تر: راوية صادق، /72.
8. مارك أوجيه: اللا أمكنة، تر: ميساء السيوفي /84.