هذه المساحة مخصصة، كل خميس، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
"الطين" هو عنوان إحدى أشهر قصائد الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي (1890 - 1957)، الذي يوصف بـ "أمير شعراء المهجر"، ويُعتبر أحد أهم الشعراء العرب خلال النصف الأول من القرن العشرين.
بنى روكس بن زائد العزيزي اتهامه لأبي ماضي بالسرقة على تطابق كلمات قصيدته مع قصيدة الشاعر الأردني الشعبي علي الرميثي
المفارقة في شهرة قصيدة "الطين" أن مصدرها ليس جمالها أو عمق معانيها ودلالاتها فقط، وإنما الجدل الذي دار حولها بعد إعلان الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي في عام 1956، وعبر إذاعة "الشرق الأدنى"، أن أبا ماضي سرق قصيدته هذه من قصيدة لشاعر أردني بدوي شعبي يُدعى علي الرميثي.
وفي العام نفسه، نشر الباحث الأردني المتخصص في الأدب الشعبي والتراث البدوي بحثًا مطولًا في صحيفة "السائح" بيّن فيه تفاصيل السرقة، واستعرض عبره جملة من الأدلة التي تثبت صحة روايته، قبل أن يخصص لهذه المسألة مؤلفًا كاملًا صدر عام 1956 تحت عنوان "فريسة أبي ماضي: أول دراسة علمية للشعر في البادية".
بنى روكس بن زائد العزيزي اتهامه لصاحب "الخمائل" على تطابق كلمات قصيدته مع قصيدة علي الرميثي، التي لا تختلف عنها إلا في كونها قصيدة شفوية قالها الشاعر الشعبي، والأمّي، تعليقًا على حادثة شخصية وقف العزيزي على تفاصيلها في مؤلفه، الذي بيّن فيه أن الشاعر اللبناني قام بنقلها من اللغة العامية إلى الفصحى، ثمة نسبها لنفسه.
أشعل اتهام الباحث الأردني لأبي ماضي بالسرقة من الرميثي، الذي يقال إنه عاش في أواخر القرن التاسع عشر، جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية والأدبية العربية في منتصف خمسينيات القرن الفائت، وأثار ردود فعل متباينة بين أدباء تلك الحقبة، الذين تبنى بعضهم رواية العزيزي، بينما دافع بعضهم الآخر عن الشاعر اللبناني.
أشعل اتهام العزيزي لأبي ماضي بالسرقة من الرميثي جدلًا واسعًا في الأوساط الثقافية والأدبية العربية في منتصف خمسينيات القرن الفائت
وأكد مؤلف "معلمة للتراث الأردني" أن القصيدة تحظى بشهرة واسعة في البادية الأردنية، وأن الشاعر اللبناني استفاد من كونها قصيدة شفهية غير مدوّنة، ولشاعر أمّي شعبي لم يحظى بالشهرة خارج حدود بلاده، في الإغارة عليها ونسبها لنفسه.
لم يتأخر إيليا أبو ماضي في الرد على العزيزي، حيث خصص صفحات مجلته "السمير" لمهاجمته وشتمه إلى جانب إنكاره وجود شاعر يُدعى علي الرميثي، وهو ما دفع العزيزي إلى الرد عليه عبر نشر مجموعة شهادات لشخصيات ثقافية وأدبية أردنية أكدت أن القصيدة تعود إلى الرميثي.