هذه المساحة مخصصة لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
يُصادف يوم غد، الثالث عشر من كانون الثاني/ يناير، الذكرى 113 لولادة الأديب والعالم اللغوي المصري شوقي ضيف (1910 – 2005)، الذي يُعد علامة فارقة في تاريخ الثقافة العربية، وحالة استثنائية فريدة ونادرة في مجالي التأليف والتحقيق الذين كرّس لهما أكثر من 70 عامًا من حياته، التي لم يشغله فيها سوى مشروعه الفكري الذي توزّع على النقد والأدب والبلاغة والنحو والتراث.
أراد شوقي ضيف أن تكون سلسلته موسوعة معرفية تعتمد البساطة أسلوبًا في التأريخ لمسار الأدب العربي وتاريخه وأعلامه ومدارسه وتحولاته
قدّم شوقي ضيف خلال مسيرته أكثر من 50 كتابًا في مجالات مختلفة شملت الأدب والنقد والتراث البلاغي واللغوي والنحوي، إلى جانب الدراسات الإسلامية والحضارية وتحقيق التراث. وتُعتبر "سلسلة تاريخ الأدب العربي" أهم مؤلفاته وأشهرها، وواحدة من أهم الموسوعات المعرفية التي أرّخت للأدب العربي منذ العصر الجاهلي وصولًا إلى العصر الحديث.
تضم السلسلة التي أصدرتها "دار المعارف" في القاهرة، بين عامي 1969 – 1989، 10 أجزاء قضى الراحل نحو 30 عامًا في تأليفها، وهي: "العصر الجاهلي"، و"العصر الإسلامي"، و"العصر العباسي الأول"، و"العصر العباسي الثاني"، و"عصر الدول والإمارات: الجزيرة العربية، العراق، إيران"، و"عصر الدول والإمارات: الشام"، و"عصر الدول والإمارات: مصر"، و"عصر الدول والإمارات: الأندلس"، و"عصر الدول والإمارات: ليبيا، تونس، صقلية"، و"عصر الدول والإمارات: الجزائر، المغرب الأقصى، موريتانيا، السودان".
حاول ضيف في الجزء الأول أن يؤرخ للأدب العربي في العصر الجاهلي، فبحث أولًا في حياة سكان شبه الجزيرة العربية وأحوالهم الاجتماعية، ثم انتقل إلى اللغة العربية وعناصرها السامية القديمة، ومنها إلى الشعر الجاهلي الذي سلط الضوء على نشأته وخصائصه، قبل أن ينتقل إلى حياة وشعر امرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، والأعشى.
يكمل الراحل بقية أجزاء سلسلته على هذا الأساس، فيتناول في كل جزء منها الحياة واللغة والأحوال الاجتماعية والمعيشية والفكرية، إلى جانب خصائص الشعر وتجارب كبار كتّابه، في العصر الذي يغطيه.
تُعتبر السلسلة واحدة من أهم الموسوعات المعرفية التي أرّخت للأدب العربي منذ العصر الجاهلي وصولًا إلى العصر الحديث
أراد ضيف أن تكون سلسلته موسوعة معرفية تعتمد البساطة أسلوبًا في التأريخ لمسار الأدب العربي وتاريخه وأعلامه ومدارسه وتحولاته أيضًا. وفي تقديمه للجزء الأول منها، كتب قائلًا: "لا أبالغ إذا قلت إن تاريخ أدبنا العربي يفتقر إلى طائفة من الأجزاء المبسوطة تُبحث فيها عصوره من الجاهلية إلى عصرنا الحاضر كما تبحث شخصياته الأدبية بحثًا مسهبًا، بحيث ينكشف كل عصر انكشافًا تامًا، بجميع حدوده وبيئاته وآثاره وما عمل فيها من مؤثرات ثقافية وغير ثقافية، وبحيث تنكشف شخصيات الأدباء انكشافًا كاملًا، بجميع ملامحها وقسماتها النفسية والاجتماعية والفنية".
وأضاف الأديب المصري: "حاولت أن أنهض بهذا العبء، وأنا أعلم ثقل المئونة فيه"، لافتًا إلى أن السلسلة لا ترسم صورة نهائية لما جاء فيها، وإنما الصورة التي: "استطعت رسمها مع ما بذلت من جهد واصطنعت من نهج وتحريّت من دقة، وقد يأتي بعدي من يعدّل في جانب من جوانبها بما يهتدي إليه من حقائق أدبية غابت عني في بعض العصور أو بعض البيئات والشخصيات الأدبية".