في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1995، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو"، سلسلة كتب أدبية فريدة من نوعها بعنوان "كتاب في جريدة"، التي أسسها وأشرف عليها الكاتب والشاعر العراقي شوقي عبد الأمير، وضمت هيئتها الاستشارية أسماء أدبية ونقدية وفكرية مهمة، مثل الشاعر الفلسطيني محمود درويش، والشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، والناقد المصري جابر عصفور، والناقدة اللبنانية يمنى العيد، والمفكر المغربي محمد عابد الجابري.
أتاحت السلسلة للكاتب العربي فرصة أن يكون مقروءًا في أكثر من عشرين دولة عربية وصل عدد النسخ المطبوعة فيها، لكل كتاب، إلى مليونين ونصف المليون
تُعتبر سلسلة "كتاب في جريدة" من أهم وأكبر المشاريع الثقافية في العالم، والتجربة الثانية من نوعها بعد سلسلة "الكتاب الدوري"، التي أطلقتها "اليونسكو" في الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية في تسعينيات القرن الفائت. وحدد القائمون على السلسة أهدافها بتوفير روائع الأدب العربي، القديمة والجديدة، للقارئ العادي وقراء الصحف الذين يستهدفهم المشروع بالدرجة الأولى، مجانًا وبصورة دورية.
وأتاحت هذه التجربة للكاتب العربي فرصة أن يكون، ولأول مرة، مقروءًا في أكثر من عشرين دولة عربية وصل عدد النسخ المطبوعة فيها، لكل كتاب، إلى مليونين ونصف المليون. منها مليون و250 ألف في مصر وحدها.
ولدت السلسلة في السابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1995، في مدينة غرناطة الإسبانية التي احتضنت المؤتمر التأسيسي الذي نظمته "اليونسكو"، وشارك فيه رؤساء تحرير أربعة عشر صحيفة من كبريات الصحف اليومية العربية، التي وقع عليها الاختيار لطباعة وتوزيع كتب السلسلة، التي اختارت "اليونسكو" من بيروت مقرًا وعاصمة لها.
وصدر العدد الأول من "كتاب في جريدة" في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 1997، على شكل ملحق بحجم "التايبود" جرى توزيعه، خلال يوم واحد، في أربعة عشر دولة عربية مع العدد اليومي للصحف المشاركة في المشروع، الذي انضمت إليه فيما بعد صحف أخرى مختلفة، ووصل عدد الصحف المشاركة إلى أكثر من عشرين صحيفة، من بينها: "الأنباء" السودانية، و"الأهرام" المصرية، و"الأيام" الفلسطينية، و"الأيام" البحرينية، و"تشرين" السورية، و"الثورة" اليمنية، و"الخليج" الإماراتية، و"الدستور" و"الرأي" الأردنيتين، و"الراية" القطرية، و"الرياض" السعودية، و"الشعب" الجزائرية، و"الشعب" الموريتانية، و"الصباح" المغربية، و"النهضة" العراقية، و"الوطن" العمانية، بالإضافة إلى مجلة "العربي" الكويتية، وصحيفة "القدس العربي" اللندنية.
وضم العدد الأول من السلسلة مختارات من شعر المتنبي. فيما تنوع محتوى أعدادها اللاحقة بين الرواية، والقصة القصيرة، والشعر، والنثر، والدراسات الفكرية والنقدية، بالإضافة إلى نصوص مؤلفات من التراث العربي.
ويتضح من العناوين التي أصدرتها السلسلة، حرص هيئتها الاستشارية على تزويد القراء العرب بالأعمال التي تُعتبر أساسية في تاريخ الأدب العربي القديم والجديد، حيث أصدرت مختارات شعرية لشعراء من عصور وأجيال ومدارس مختلفة، مثل أبو تمام، وبدوي الجيل، وعمر أبو ريشة، وسنية صالح، وعبد الله البردوني، وعبد العزيز المقالح، وغيرهم.
كما أصدرت مختارات من الشعر والنثر الجاهليين، وأخرى من الشعر والنثر العربي الحديث. بالإضافة إلى مختارات قصصية لعدد من أشهر كتّاب القصة العرب، مثل محمد زفزاف، وجمال أبو حمدان، ومحمود شقير. ناهيك عن روايات نجيب محفوظ، وعبد الحميد هدوقة، وهدى بركات. ومؤلفات عزيز العظمة، ومحمد عابد الجابري، وقسطنطين زريق، وحسين البرغوثي، وزكي نجيب محمود، وغيرهم.
سعت سلسلة "كتاب في جريدة" إلى توفير روائع الأدب العربي القديمة والجديدة للقارئ العادي، وقراء الصحف خصوصًا، مجانًا وبصورة دورية
استمرت سلسلة "كتاب في جريدة" بالصدور بشكل منتظم حتى آذار/ مارس عام 2003، حيث توقفت لأسباب مالية، بالإضافة إلى تخلي "اليونسكو" عنها، وتوقف المؤسسات العربية التي بادرت إلى رعايتها بعد انطلاقها، عن دعمها وتمويلها. وكان عدد إصداراتها قد بلغ آنذاك، بين تشرين الثاني/ نوفمبر 1997 وآذار/ مارس 2003 قد وصل إلى 62 كتابًا يتجاوز عدد النسخ المطبوعة منها 120 مليون نسخة، وزعت في أكثر من عشرين دولة عربية.
وبعد نحو تسعة أشهر من التوقف، استأنفت "كتاب في جريدة" نشاطها في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر 2003، وذلك بعد أن تكفلت مؤسسة "MBI" برعايتها وتمويلها. لكن السلسلة توقفت مرة أخرى، وبشكل نهائي، في عام 2011 لأسباب تمويلية وأخرى سياسية.