ألترا صوت - فريق التحرير
هذه المساحة مخصصة، كل أربعاء، لأرشيف الثقافة والفن، لكل ما جرى في أزمنة سابقة من معارك أدبية وفنية وفكرية، ولكل ما دار من سجالات وأسئلة في مختلف المجالات، ولكل ما مثّل صدوره حدثًا سواء في الكتب أو المجلات أو الصحف، لكل ذلك كي نقول إن زمن الفن والفكر والأدب زمن واحد، مستمر دون انقطاع.
في أيلول/ سبتمبر عام 1932، صدر في العاصمة المصرية القاهرة العدد الأول من مجلة "أبولّو"، التي كانت تُعنى بشؤون الشعر وتسعى إلى تجديده. ورغم احتجابها بعد نحو أربع سنواتٍ من صدورها، إلا أنها حققت مكانة راسخة في مجالها، وقدّمت مساهمات شعرية ونقدية جعلت منها مرجعًا لا غنى عنه، لكل من يرغب في الاطلاع على مسارات وظروف تطور الشعر العربي المعاصر.
سعت مجلة "أبولّو" إلى النهوض بالشعر العربي وخدمة رجاله والدفاع عن كرامتهم وتوجيه مجهودهم توجيهًا فنيًا ساميًا
مثّلت "أبولّو" لحظة استثنائية فارقة في تاريخ الشعر العربي الحديث، لا سيما أنها صدرت عن جماعة ومدرسة شعرية حملت الاسم نفسه، وضمت في صفوفها مجموعة من أبرز الشعراء العرب المندفعين إلى التجديد، مثل: أحمد زكي أبو شادي، وإبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وأبي القاسم الشابي، ومحمد عبد المعطي الهمشري، وصالح جودت، وإيليا أبي ماضي، وعلي العناني، وكامل كيلاني، ومحمود عماد، وجميلة العلايلي، وصلاح أحمد إبراهيم.
اقرأ/ي أيضًا: أرشيفنا الثقافي: جماعة كركوك
تُعتبر هذه الجماعة واحدة من أبرز التيارات الشعرية العربية، التي حملت على عاتقها مهمة تجديد الشعر العربي عبر وسائل وأدوات مختلفة، منها التنظير للشعر الحديث، والدعوة إليه، وتوفير مساحة لنشر النصوص الشعرية الحديثة ومناقشتها. وهذه هي بالضبط الغاية من مجلة "أبولّو" التي ضمت أعدادها لـ 25 نصوصًا شعرية، ودراساتٍ نقدية، وسجالاتٍ ساخنة، وحوارات، وترجمات، ومقالات رأي مختلفة تدور مدار التجديد والدعوة إلى تجاوز الشعر السائد.
أشار الشاعر المصري الراحل أحمد زكي أبو شادي، أحد أبرز أفراد "جماعة أبولّو"، في تقديمه للعدد الأول من المجلة إلى أن الغاية منها هي: "النهوض بالشعر العربي وخدمة رجاله والدفاع عن كرامتهم وتوجيه مجهودهم توجيهًا فنيًا ساميًا". وأضاف: "راعينا أن ننزه المجلة عن طنطنة الألقاب والرتب حتى ما جرى العُرف التسامح فيه، وحتى تظهر على مثال أرقى المجلات الأوروبية التي من طرازها، وحصّناها ضد عوامل التحزب والغرور، فلا غرض لها بعد هذا إلا خدمة الشعر خدمة خالصة من كل شائبة".
ومع أنها اعتُبرت الناطق الرسمي باسم "جماعة أبولّو" وتوجهات أفرادها، إلا أنها فتحت صفحاتها لجميع شعراء تلك المرحلة، بغض النظر عما إذا كانت قصائدهم منسجمة مع توجهات القائمين عليها، الذين حرصوا على ألا تكون المجلة منحازة لمذهب شعري دون غيره، فلم يترددوا في نشر قصائد تُحسب على الشعر المرسل، والحر، والرمزي، والقصصي، والوصفي، والمسرحي، وغيره.
قدّمت مجلة "أبولّو" مساهمات شعرية ونقدية مهمة جعلت منها مرجعًا لا غنى له لكل من يرغب في الاطلاع على مسارات وظروف تطور الشعر العربي
وبالإضافة إلى الشعر والدراسات النقدية، شهدت صفحات مجلة "أبولّو" سجالاتٍ عنيفة ومعارك أدبية ساخنة، دار الجزء الأكبر منها بين شعراء المجلة والأديب المصري عباس محمود العقاد، الذي خاض حربًا شرسة ضد "جماعة أبولّو" ومجلتها، التي ردت عليه بنشر مقالاتٍ هاجمته وأدانت مواقفه منها وآرائه حولها.
اقرأي/ أيضًا: أرشيفنا الثقافي: حين رفض صنع الله إبراهيم جائزة "ملتقى القاهرة"
ومن بين ما تميّزت به المجلة أيضًا هو نشاطها في الترجمة، حيث تَرجم بعض شعرائها قصائد لعددٍ من أشهر الشعراء العالميين، مثل جان دو لافونتين، وألفونس دو لامارتين، وشارل بودلير، وفيكتور هوغو، وفريدريك شيلر، وألفريد دي موسيه، ووالتر سكوت، وجون كيتس، وشكسبير، وت. إس. إليوت، وغيره. وغالبًا ما كانت تقدّم هذه القصائد برفقة دراساتٍ نقدية موسعة تضيء على تجارب كتّابها.
اقرأي/ أيضًا:
أرشيفنا الثقافي: حين امتنع محمد عابد الجابري عن مساجلة جورج طرابيشي