من باب تسمية الأشياء بأسمائها، اعتبرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية ما يحدث في شمال غزة تطهيرًا عرقيًّا مكتمل الأركان، وذلك تمهيدًا لاستيطان يهودي في المنطقة، مع الإشارة إلى أن هذا التطهير يحدث علانيةً على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن تقوم أي جهة أو طرف بوقفه.
وأكّدت "هآرتس"، نقلًا عن مراسلها الميداني يانيف كوبوفيتش، أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يقوم بعملية تطهير عرقي في شمال غزة، تشمل تهجير ما تبقى من الفلسطينيين الموجودين بأعداد قليلة في المنطقة المذكورة، بالإضافة إلى سياسة الأرض المحروقة التي زادت وتيرتها مؤخرًا عبر تدمير واسع النطاق للمنازل والبنية التحتية المدنية وشق الطرق الواسعة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل شملت عملية التطهير العرقي أيضًا "استكمال فصل التجمعات السكانية في شمال القطاع عن وسط مدينة غزة".
وفي حين لم يجد مراسل "هآرتس" العسكري وصفًا يصوّر به مستوى الدمار والوضع الإنساني المتردي الذي شاهده على مدار الأسبوع المنصرم، أثناء جولة مع جيش الاحتلال، إلا عبارة "تبدو المنطقة كأنها تعرّضت لكارثة طبيعية"؛ اعتبرت "هآرتس" عبارة مراسلها غير موفقة، فالأمر لا يتعلق بكارثة طبيعية بل بعمل "تدميري مبيّت عن سبق إصرار وترصد"، في إشارة إلى تطبيق ما يسمّى بـ"خطة الجنرالات" سيئة السمعة.
يرتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان في شمالي قطاع غزة تمهيدًا للاستيطان فيها
وأشارت "هآرتس" في هذا السياق إلى ما نقلته صحيفة "الغارديان" البريطانية عن العميد في جيش الاحتلال الإسرائيلي إيتسيك كوهين، قائد الفرقة 162، من "نفيه أن تكون هناك نيةٌ للسماح بعودة سكان شمال قطاع غزة إلى منازلهم"، مؤكّدًا أمام الصحفيين أن "الغالبية العظمى من سكان التجمعات السكانية في المنطقة، ببيت حانون، وبيت لاهيا، والعطاطرة، وجباليا، جرى تهجيرهم بالفعل"، مؤكّدا أن قواته "تلقت أوامر واضحة تمامًا للقيام بعملية التهجير"، مضيفًا أن مهمته تتمثل في "إخلاء مساحة من الأرض وتطهيرها"، زاعمًا أمام الصحفيين أنهم ينقلون السكان "من أجل حمايتهم وإتاحة حرية العمل لقواتنا".
وعند سؤال الصحفيين للعميد في جيش الاحتلال عمّا إذا كان ينفذ "خطة الجنرالات" التي وضعها اللواء المتقاعد غيورا آيلاند وبعض زملائه من القادة المتقاعدين لطرد الفلسطينيين من شمال قطاع غزة مع حجب المساعدات الإنسانية عن الباقين وتجويعهم، باعتبارهم من مقاتلي حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وبالتالي أهدافًا عسكرية مشروعة؟ أنكر العميد كوهين معرفته بالخطة قائلًا "نحن نتصرف بناءً على تعليمات القيادة الجنوبية ورئيس الأركان هرتسي هاليفي".
وبغض النظر عن كون ما يطبقه جيش الاحتلال هو خطة الجنرالات أو خطة أخرى، فإنّ النتيجة حسب هآرتس واحدة "التطهير العرقي للمنطقة في شمال غزة"، وهو تطهير يقوم به جيش الاحتلال بتوجيه من قيادته العسكرية متمثلة في رئيس الأركان الفريق هرتسي هاليفي، وقائد القيادة الجنوبية اللواء يارون فنكلمان، وهذان يخضعان لتوجيهات القيادة السياسية، وبالتحديد لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال مؤخرًا يوآف غالانت وخليفته يسرائيل كاتس.
وترى "هآرتس" أنّه بدلا من الانشغال في الحديث عن "خطة الجنرالات"، يجب التركيز على "أوامر نتنياهو المسؤول عن جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال القطاع باسم حرب الولادة الجديدة التي تستهدف طرد الفلسطينيين وتدمير منازلهم والتحضير على الأرض لاحتلالٍ طويل الأمد واستيطانٍ يهودي" وفقًا للصحيفة الإسرائيلية.