كشفت صحيفة "ذا تلغراف" البريطانية أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" استأجر عملاء أمن إيرانيين لزرع قنابل في ثلاث غرف منفصلة في مبنى كان يقيم فيه رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إسماعيل هنية، فيما قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، إن إيران اعتقلت أكثر من عشرين شخصًا، ردًا على الخرق الأمني الضخم والمهين الذي أدى إلى اغتيال هنية.
وأعلنت حركة "حماس" والحكومة الإيرانية نبأ اغتيال هنية، فجر الأربعاء الماضي، إثر انفجار استهدف فندق في "مجمع نشاط" في شمالي طهران، وهو مجمع مخصص لاستضافة الشخصيات السياسية التي تزور إيران، ويخضع لحماية الحرس الثوري الإيراني.
وكان هنية قد وصل إلى طهران، الثلاثاء الماضي، لحضور مراسم أداء اليمين الدستوري للرئيس الإيراني المنتخب حديثًا، مسعود بزشكيان، وألتقى قبيل ساعات من اغتياله بالمرشد الإيراني، آية الله علي خامنئي، الذي توّعد برد "قاس ومؤلم" على اغتيال هنية.
خرق أمني كبير
وقالت "ذا تلغراف" نقلًا عن مسؤولين إيرانيين إنه كان مخططًا في الأصل اغتيال هنية في أيار/مايو الماضي، عندما وصل إلى طهران لحضور مراسم تشييع الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي (1960 – 2024)، مشيرة إلى أن عملية الاغتيال لم تنفذ بسبب الحشود الكبيرة داخل المبنى، واحتمال فشلها الكبير.
جهاز "الموساد" استأجر عملاء أمن إيرانيين لزرع قنابل في ثلاث غرف منفصلة في مبنى كان يقيم فيه إسماعيل هنية
وأضافت الصحيفة البريطانية أنه بدلًا من ذلك، قام العميلان بوضع عبوات ناسفة في ثلاث غرف في دار ضيافة الحرس الثوري في شمال طهران، حيث من المفترض أن يقيم هنية.
ووفقًا للمسؤولين الذين لديهم لقطات كاميرات المراقبة للمبنى، فقد شوهد العملاء وهم يتحركون خلسة أثناء دخولهم وخروجهم من عدة غرف في غضون دقائق.
وبحسب مصادر "ذا تلغراف"، فإن العملاء تسللوا خارج البلاد، لكن كان لديهم مصدر لا يزال في إيران، وأضافت أنه في الساعة الثانية من، فجر الأربعاء، فجروا العبوة الناسفة من الخارج في الغرفة التي كان يقيم فيها هنية.
وقال مسؤول في الحرس الثوري لـ"ذا تلغراف": "إنهم الآن على يقين من أن الموساد استأجر عملاء من وحدة حماية أنصار المهدي"، وهي وحدة التابعة للحرس الثوري مسؤولة عن سلامة المسؤولين رفيعي المستوى.
وأضاف المسؤول بأنهم: "بعد إجراء المزيد من التحقيقات، اكتشفوا عبوات ناسفة إضافية في غرفتين أخريين".
ووصف مسؤول ثانٍ في قوات النخبة العسكرية التابعة للحرس الثوري تحدث لـ"ذا تلغراف" حادثة الاغتيال بأنها "إذلال لإيران، وخرق أمني كبير".
وأضاف المسؤول أنه تم إنشاء مجموعة عمل للخروج بأفكار لتصوير الاغتيال على أنه ليس خرقًا أمنيًا، مضيفًا أنه "لا يزال الأمر محيرًا للجميع كيف حدث ذلك، لا أستطيع فهمه. لابد أن هناك شيئًا في أعلى التسلسل الهرمي لا يعرفه أحد".
الخرق أذل الجميع
وقالت "ذا تلغراف" نقلًا عن المسؤول الأول إن: "هناك الآن لعبة بإلقاء اللوم داخليًا تسيطر على الحرس الثوري، حيث تتهم القطاعات المختلفة بعضها البعض بالفشل".
وأشار المسؤول إلى أن قائد "فيلق القدس"، الذراع الخارجي للحرس الثوري، إسماعيل قاآني، قد استدعى أشخاصًا ليتم فصلهم واعتقالهم، وربما إعدامهم، مضيفًا "لقد أذل الخرق الجميع".
🎥 انتهكت سيادتها وأحرجت قدراتها الدفاعية.. كيف سترد #إيران على عملية اغتيال هنية؟ pic.twitter.com/fmB8RrrfDR
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) August 1, 2024
وأكد المسؤول أن المرشد الأعلى استدعى "جميع القادة عدة مرات خلال اليومين الماضيين، إنه يريد إجابات"، مشيراً إلى أن "بالنسبة له، معالجة الخرق الأمني أصبحت الآن أكثر أهمية من السعي للانتقام".
وذكرت "ذا تلغراف" في تقريرها أن الحرس الثوري يقوم حاليًا بتقييم خياراته للانتقام، مع اعتبار ضربة مباشرة لتل أبيب خيارًا رئيسيًا، والتي ستشمل "حزب الله" اللبناني، والجماعات المقربة من إيران، مشيرةً إلى أن اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية قد أدى إلى تكثيف المخاوف بشأن وصول إسرائيل ونفوذها داخل إيران.
وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن، الثلاثاء الماضي، قبل بضعة ساعات من اغتيال هنية، اغتيال القيادي البارز في "حزب الله"، فؤاد شكر، جراء قصف صاروخي استهدف مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت، المعقل الرئيسي لـ"حزب الله" في العاصمة اللبنانية، وتوّعد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بالرد على "إسرائيل"، مؤكدًا أن "المواجهة مع إسرائيل لم تعد إسنادًا لغزة، بل حربًا واسعة".
وتزامن اغتيال هنية مع اليوم الأول لبزشكيان في منصبه، وكان الرئيس الإصلاحي قد وعد خلال حملته الانتخابية باستعادة مكانة إيران على الساحة الدولية من خلال الحوار.
ونقلت "ذا تلغراف" عن مساعد مقرب من بزشكيان قوله إن الثغرة الأمنية ربما كانت محاولة متعمدة من جانب الحرس الثوري للإضرار بسمعة الرئيس الجديد، مشيرًا إلى أن الحرس الثوري لا يوافق على آرائه بشأن الدبلوماسية الدولية وغيرها من جوانب سياسته الإصلاحية.
وقال المساعد المقرب من بزشكيان لـ"ذا تلغراف" إن: أي عقل سليم لا يمكن أن يقبل أن يكون ما حدث بالصدفة، وخاصة في اليوم الأول من تولي السيد بزشكيان منصبه"، وأضاف: "قد يضطر (بزشكيان) إلى خوض حرب مع إسرائيل في الأيام القليلة الأولى من توليه منصبه، وكل هذا بسبب الحرس الثوري".
اعتقالات رفيعة المستوى
إلى ذلك، قال صحيفة "نيويورك تايمز" إن إيران اعتقلت أكثر من عشرين شخصًا، من بينهم ضباط استخبارات كبار ومسؤولون عسكريون وموظفون في مبنى الضيافة الذي يديره الحرس الثوري، ردًا على الخرق الأمني الضخم والمهين الذي أدى إلى اغتيال هنية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر إيرانية مطلعة على التحقيق أن الاعتقالات رفيعة المستوى جاءت بعد اغتيال هنية، مشيرة إلى أن حادثة الاغتيال أكدت مدى الفشل الأمني المدمر الذي منيت به القيادة الإيرانية، حيث وقعت عملية الاغتيال في مجمع شديد الحراسة في عاصمة البلاد في غضون ساعات من مراسم تنصيب الرئيس الجديد للبلاد.
🎥 37 عامًا في المواجهة.. محطات من حياة #إسماعيل_هنية. pic.twitter.com/m97CcG6ZLF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) July 31, 2024
ووفقًا لمسؤوليّن إيرانيّين، تحدثا لـ"نيويورك تايمز" شرط عدم الكشف عن هويتهما بسبب الطبيعة الحساسة للتحقيقات، فإن وحدة الاستخبارات المتخصصة في التجسس التابعة لـ"الحرس الثوري" هي من تولت التحقيق، وتقوم بمطاردة المشتبه بهم على أمل أن تقودهم إلى أعضاء فريق الاغتيال الذي خطط وساعد ونفذ عملية القتل.
وجاءت الاعتقالات الشاملة بعد أن أعلن الحرس الثوري في بيان له أن "نطاق وتفاصيل هذا الحادث قيد التحقيق وسيتم الإعلان عنها في الوقت المناسب".
استجواب كبار المسؤولين
وتقول "نيويورك تايمز" إن ما هو أكثر أهمية من ذلك، هو أن اغتيال هنية أدى إلى إدراك صادم مفاده أنه إذا كان بوسع "إسرائيل" استهداف مثل هذا الضيف المهم في يوم كانت فيه العاصمة تحت إجراءات أمنية مشددة، بالإضافة إلى تنفيذ الاغتيال في مجمع شديد الحراسة، ومجهز بنوافذ مضادة للرصاص، والدفاع الجوي والرادار، فإن أحدًا لن يكون آمنًا حقًا.
وأشارت الصحيفة نقلًا عن المسؤوليّن الإيرانيّين أن عملاء الأمن الإيرانيون داهموا بعد حادثة الاغتيال مجمع دار الضيافة، ووضع العملاء جميع أفراد طاقم دار الضيافة تحت الحجز، واعتقلوا بعضهم، وصادروا جميع الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الشخصية.
وأضاف المسؤولان الإيرانيان أن فريقًا منفصلًا من العملاء استجوب كبار المسؤولين العسكريين والاستخباريين الذين كانوا مسؤولين عن حماية العاصمة طهران، ووضعوا عددًا منهم قيد الاعتقال حتى اكتمال التحقيقات.
وقال المسؤولان الإيرانيان لـ"نيويورك تايمز"، إن عملاء الأمن عندما داهموا مجمع دار الضيافة، قاموا بتمشيط كل شبر فيه، وفحصوا كاميرات المراقبة التي يعود تاريخها إلى أشهر، وكذلك قوائم الضيوف، فضلًا عن فحصهم ذهابًا وإيابًا أعضاء الموظفين، الذين يخضعون لفحص صارم قبل التوظيف، ويتم اختيارهم من الرتب الدنيا في الحرس الثوري، وكذلك قوات "الباستيج"، وهي قوة المهام التطوعية شبه العسكرية.
فريقًا منفصلًا من العملاء استجوب كبار المسؤولين العسكريين والاستخباريين الذين كانوا مسؤولين عن حماية العاصمة طهران
وذكر المسؤولان الإيرانيان أن التحقيق ركّز أيضًا على مطارات طهران الدولية والمحلية، حيث تم تمركز العملاء، وفحصوا أشهرًا من اللقطات على الكاميرات من صالات الوصول والمغادرة، وفحصوا قوائم الرحلات الجوية، وأضافت أن إيران تعتقد أن أعضاء فريق الاغتيال التابع لـ"الموساد" ما زالوا في البلاد، وهدفها هو اعتقالهم.
وقال عضو في "الحرس الثوري"، طلب من "نيويورك تايمز" عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول بالحديث، إنه لم يكن على علم بالاعتقالات، لكنه أشار إلى أن البروتوكولات الأمنية قد تم إصلاحها بالكامل في اليومين الماضيين لكبار المسؤولين.
وأوضح أن تفاصيل الأمن الخاصة بكبار المسؤولين قد تغيرت، وتم تبديل المعدات الإلكترونية مثل الهواتف الجوالة، مشيرًا إلى أن بعض كبار المسؤولين قد تم نقلهم إلى مكان مختلف.