عام 2001 استبدل أبي المكتبة التي تتوسط غرفة الجلوس بطاولة خشبية مقسّمة حسب قطع الكومبيوتر، بعد شهر دخل الكومبيوتر بيتنا قبل "الستلايت" الذي توسلنا للحصول عليه، بعد توصيل الأسلاك، وضع أبي كرسيًا دوارًا خلف الطاولة، أدار كتفيه العريضين، وراح يكشف لنا هذا الاختراع الأفضل، من نواحي عدة، سيما القدرة على التحكم في محتوياته، ورسائله، وبرامجه، تسمرنا نراقب ما يحصل بفضول، وذهول، وعيون، وأفواه مفتوحة، حمّل برنامج الأسرة التعليمية، وبرامج أخرى لتعليم القرآن، واللغة الإنجليزية، ووعدنا - في حال استخدمناها لتطوير أنفسنا – بشراء "سيديهات" الألعاب، مرة في نهاية الفصل الدراسي الأول، ومرة عند النجاح في السنة الدراسية، ووأذكر أني بذلت جهدًا كبيرًا كي أحظى بتلك المكافأة، حفظت ثلاثة سور من القرآن، والأحرف الإنجليزية، والأرقام.
كان عمري سبع سنوات، وكنت قد سمعت عن لعبة باربي من زميلاتي في الصف الأول، لم أكن قد حصلت على أي من دمى باربي قبل لعبة الكومبيوتر، كانت الدمية الأصلية باهظة الثمن، لكني حصلت على دمى مقلدة، ولا أذكر أني أحببتها، رغم ذلك حلمت لليالٍ طوال باختيار ملابسها، وإكسسواراتها، وترتيب قصرها كما أريد، لم تكن اللعبة مطورة إلى هذا الحد، كان كل "سيدي" يحوي حلمًا واحدًا، لعبة لملابس باربي، لعبة لإكسسواراتها، لعبة لقصرها، لعبة لها على الشاطئ، أخرى في النادي الرياضي، وهكذا، الاختيار بين هذه اللعبة، وتلك أمر صعب، ويحتاج وقفات طويلة أمام البائع، أخيرًا اخترت، باربي في النادي الرياضي.
لا ألقي اللوم على باربي، ولا على من صنعوها، لكني أعرف أني أمقتهم، بسبب تاريخ طويل من النمط الاستهلاكي، والترويج لصور غير واقعية عن أجساد النساء، والإساءة، والصور النمطية
كل خميس، أمط نفسي على الكرسي الدوار، كي أصل إلى الفأرة، وأحرّك باربي في ناديها، تبدو اللعبة تافهة جدًا الآن، لكني أتذكر أنها كانت محور حياتي حينها، جمعت المال كي أشتري نسخ مطورة من اللعبة، استرقت النظر، وحفظت كلمة سر الكومبيوتر كي أشغله حين ينام الجميع، غبت عن المدرسة بحجة المرض كي أبقى مع باربي، وبعد فترة قررت أن أصير باربي، لم تساعدني بشرتي السمراء، وشعري الأسود المجعد، وقصر قامتي، وبدانتي، على إقناع أحد بقراري، لا يهم، المهم أني اقتنعت.
حرمت نفسي من السندويشات في الفرصة المدرسية، وأجبرت نفسي على التقيؤ بعد كل وجبة، صرت أنط في مكاني، لأني ظننت النط يطيل الجسد، دعكت وجهي، وذراعاي بحجر الاستحمام، فردت شعري بالصابون، واخترت في كل عيد فستانًا وردي اللون، لم يفلح الأمر، لم أشبهها، ولن.
ولا أعرف كيف غضضتُ النظر عن الأمر لاحقًا، لكني أعرف أنها ظلت عقدة لم تُحل. ولما بلغت السادسة عشر، دخلت النادي الرياضي للمرة الأولى، مارست الرياضة لسنوات، لا كهواية، ولا لأسباب صحية، لعبت في سبيل المعدة الممسوحة، والفخذ المشدود، تعرقت كثيرًا، وبكيت كثيرًا، تغيرت نوعية الأطعمة التي أتناولها تغيرًا جذريًا، وابتعدت عن طاولة العائلة، ومواعيدها، وطقوسها، صار لي عالمي الخاص. غيّرت لون شعري، ووضعت مساحيقًا لا تناسبني، ولم أحب شكلي ولا مرة. كان مفهوم حب الذات غريبًا جدًا بالنسبة لي، لم يعلمني أحد كيف أحب نفسي، كيف أرضى بها.
رضيت لاحقًا، بطريقة قاسية، تعرضت لحادث سير، منعني الطبيب عن ممارسة الرياضة، ونصحني بتخفيف الحركة قدر المستطاع، التزمت بنصائحه مجبرة، لا بطلة، لازمت الفراش، وكي أسلي نفسي أخرجت الكتب التي لملمها أبي بعد بيع المكتبة، قرأت فيما قرأت، عن الرأسمالية، والاقتصاد، والإنتاج، عن الأيديولوجية، والجمال، والطعام، لم أفهم كل ما قرأت، أعترف، لكني أعزو لبعض مما قرأت قدرتي على فهم ما مررت به سابقًا، ورغبتي في الكف عن اللحاق بوهم، وقدرتي على حب نفسي.
لا ألقي اللوم على باربي، ولا على من صنعوها، لكني أعرف أني أمقتهم، وبحثت عنهم كي أعزز هذا المقت، تاريخ طويل من النمط الاستهلاكي، والترويج لصور غير واقعية عن أجساد النساء، والإساءة، والصور النمطية، والأدوار المتخيلة عن المرأة، ونتائج اضطرابات فقدان الشهية، والنحافة المفرطة، وعمليات التجميل، سنوات من محاولات الدفاع عن الدمية، وفكرتها البريئة، وتعديل مظهرها.
يطفو هذا التاريخ على السطح بعد إعلان فيلم باربي قبل شهور، لم أحضر الفيلم، ولا أخطط لذلك، رأيت بعضًا من الجدل الدائر حوله، فنأيت بنفسي في زاوية بعيدة، هناك حيث أشرح لكل من يسألني لماذا ازداد وزني خمسة عشر كيلو غرامًا، ولماذا أحب شكلي في المرآة مع ذلك!