15-أغسطس-2024
نازحون من خانيونس

(AP) فلسطينيون نازحون من مدينة حمد في خانيونس جراء إصدار الاحتلال أوامر بالإخلاء

صنّف تحقيق لصحيفة "هآرتس" العبرية الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، على أنه من بين أكثر الحروب دموية منذ بداية القرن الـ21، مشيرًا إلى أن الإحصائيات التي ربما توضح بشكل أفضل مدى شدة الكارثة الإنسانية في غزة، تدل على أنه أمر غير معتاد في عصر الحروب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945).

الصحيفة العبرية أعادت التذكير في مقدمة تحقيقها الذي نشر، أمس الأربعاء، بتصريحات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي "دأب على اتهام المجتمع الدولي بالنفاق في موقفه من الحرب على قطاع غزة، مدعيًا بأنه يتجاهل الصراعات الأخرى وغيرها من الكوارث الإنسانية".

وأكدت "هآرتس" على كلامها بالاستناد إلى تصريح نتنياهو – على سبيل المثال – حين أشار متسائلًا في كانون الثاني/يناير الماضي بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد "إسرائيل" في محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكابها إبادة جماعية في غزة، إذ قال يومها: "أين كانت جنوب إفريقيا عندما قُتل الملايين أو أُجبروا على النزوح من ديارهم في سوريا واليمن؟".

من بين أكثر الحروب دموية في القرن الـ21

وأضافت الصحيفة العبرية مستدركة في تحقيقها بأن "فحص عدد القتلى في قطاع غزة يكشف أن هذه الحرب من أكثر الحروب دموية منذ بداية القرن (الـ21)، خاصة إذا نظرت إلى معدل الوفاة ونسبة القتلى من عامة الناس"، مشيرةً إلى أنه "قتل نحو 40 ألف شخص في قطاع غزة منذ السابع من (تشرين الأول) أكتوبر"، لافتة إلى أنه "بالنسب المئوية: 2 بالمئة من أصل عدد السكان البالغ نحو مليوني نسمة".

تكشف الإحصائيات التي توضح شدة الكارثة الإنسانية أن الحرب الإسرائيلية على غزة من أكثر الحروب دموية في القرن الـ21

ووفقًا لما رصده فريق "ألترا صوت"، فإن عدد الشهداء الذين قالت "هآرتس" إنهم قضوا في العدوان الإسرائيلي على غزة، تتوافق مع أرقام وزارة الصحة في غزة التي قالت في تقريرها اليومي، أمس الأربعاء، إن عدد الشهداء ارتفع إلى 39965 شهيدًا وشهيدة، فضلًا عن إصابة 92294 فلسطينيًا وفلسطينية، وهي أرقام قابلة للارتفاع نظرًا لأنه لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.

ومع ذلك رجّح العشرات من الأطباء والممرضين الأميركيين الذين عملوا في غزة في رسالة موجهة إلى الرئيس الأميركي، جو بايدن، في تموز/يوليو الماضي، أن "تكون حصيلة الضحايا الناجمة عن هذا الصراع قد وصلت حتى الآن إلى أكثر من 92 ألفًا، أي ما نسبته 4.2 بالمئة من سكان قطاع غزة".

وفندت الصحيفة العبرية مزاعم الجيش الإسرائيلي التي طلب فيها من سكان القطاع – الذين أصبح معظمهم نازحين – الانتقال إلى "المناطق الآمنة" بالقول: "إن فرارهم إلى المناطق التي وصفها الجيش الإسرائيلي بأنها آمنة لم يجد نفعًا دائمًا، حيث قُتل الكثيرون في هذه المناطق أيضًا"، مشيرة إلى أن معظم الدراسات التي أجرتها جهات أممية وحقوقية مختلفة أكدت "مصداقية أرقام القتلى التي تنشرها وزارة الصحة في غزة، وهناك إجماع واسع على أنها موثوقة".

وتكرر خلال الأسابيع الماضية استهداف الاحتلال الإسرائيلي لتجمعات النازحين في المناطق التي حددها بأنها "آمنة"، بالإضافة لاستهدافه تجمعات النازحين في مراكز الإيواء والمدارس مما تسبب باستشهاد وإصابة المئات، جلهم من الأطفال والنساء.

ونوهت "هآرتس" إلى أن "الحرب في غزة تسببت في وفيات أكثر من بعض الأحداث التي أثارت المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة"، وفي مقارنة مع حروب تخللها إبادة جماعية، وجدت الصحيفة أنه "خلال الإبادة الجماعية للروهينغا في ميانمار، على سبيل المثال، قُتل نحو 25 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة".

وفي مقاربة أخرى للصراعات التي شهدتها أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، قالت الصحيفة إنه: "على سبيل المثال في يوغوسلافيا، ومن أبرز الساحات هناك كانت البوسنة، وفي أسوأ أعوامها (1991) بلغ متوسط عدد الوفيات شهريًا 2097، وبلغ إجمالي عدد الوفيات في أربع سنوات هناك 63 ألفًا".

أمر غير معتاد منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية

تحقيق الصحيفة العبرية خلص إلى تصنيف العدوان الإسرائيلي على غزة "من حيث معدل الوفيات"، على أنه "أحد المراكز الأولى في الصراعات العنيفة منذ بداية القرن، إذ يصل معدل القتلى في غزة إلى نحو أربعة آلاف حالة وفاة شهريًا في المتوسط".

وبرهنت "هآرتس" حديثها بالقول إن: "الفارق الأكثر وضوحًا بين حروب القرن الـ21 الأخرى، وما يحدث في غزة، هو حجم منطقة القتال البالغ 360 كم مربع، وعدم قدرة السكان الذين لا يشاركون في القتال على الهروب من القتال، وقبل كل شيء معدل الضحايا من مجموع السكان".

وبيّنت الصحيفة العبرية أن المناطق التي يعرّفها الاحتلال بأنها "إنسانية"، فإن "الأوضاع المعيشية صعبة للغاية، ويعاني النازحون من الاكتظاظ والعدوى وعدم توفر مأوى آمن ونقص الدواء وغير ذلك".

واعتبر تحقيق "هآرتس" أن "الإحصائية التي ربما توضح بشكل أفضل مدى شدة الكارثة الإنسانية في غزة، هي معدل الوفيات نسبة إلى حجم السكان، حيث قتل 2 بالمئة من سكان غزة في أقل من عام، وهو أمر غير معتاد في عصر الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة خارج إفريقيا".

ووفقًا لتقديرات صارمة، لم تنسبها "هآرتس" إلى مصادر أو وثائق تستند إليها، تقول: "قُتل حوالى 2 بالمئة من السكان في سوريا، كما هو الحال في غزة، ولكن مع فارق مهم، هو أن الحرب مستمرة هناك منذ 13 عامًا"، على حد قولها.

وتنقل الصحيفة عن البروفيسور في جامعة لندن البريطانية، مايكل سباغات، قوله: "فيما يتعلق بنسبة السكان الذين قتلوا، أفترض أنها (الحرب في غزة) دخلت بالفعل المراكز الـ5 الأولى في الصراعات الـ10 الأكثر عنفًا في القرن الـ21"، ويضيف بأنه إذا أخذنا الفترة الزمنية بعين الاعتبار "فقد تأتي حرب غزة في المركز الأول".

التجويع جزء من سياسة الاحتلال في غزة

وإلى جانب حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ عشرة أشهر، والتي قالت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة إنها ترتقي إلى "جرائم حرب، بما في ذلك التعذيب، والقتل أو القتل العمد"، فإن الاحتلال لجأ بموازاة ذلك إلى "استخدام التجويع كأسلوب حرب، فهي (إسرائيل) لم تفشل فقط في توفير الإمدادات الأساسية مثل الغذاء والماء والمأوى والأدوية لسكان غزة، بل عملت على منع إمداد تلك الضروريات من قبل أي شخص آخر"، وفقًا للجنة المستقلة.

وكان وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسئليل سموتريتش، قد كررا بشكل متواصل خلال الفترة الماضية دعوتهم حكومة الاحتلال إلى قطع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة بهدف تجويع سكان القطاع حتى عودة جميع المحتجزين الإسرائيليين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة.

ونقل موقع "العربي الجديد" عن القائمة بأعمال مدير الإعلام في "أونروا"، إيناس حمدان، قولها إن الفترة الأخيرة لم تشهد أي تغيير على تدفق المساعدات الإغاثية التي تدخل من معبر كرم أبو سالم، وأضافت " أن عددًا قليلًا من الشاحنات فقط التي تحمل الإمدادات الإنسانية تدخل إلى مناطق جنوب ووسط قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم وهي نقطة في بحر الاحتياجات الرئيسية الملحّة".

وأضافت حمدان مشيرة إلى أن "أوامر الإخلاء المتكررة، وإعلان مناطق عديدة مناطقَ قتالٍ مما يزيد التحديات والقيود على حركة العاملين في المجال الإنساني، ناهيك عن الطرقات والبنى التحتية المدمرة كثيرًا".

وشددت القائمة بأعمال مدير الإعلام في "أونروا" على أن "96 بالمئة من النساء الحوامل والمرضعات لا يستطعن الحصول إلا على مجموعتين غذائيتين أو أقل خلال اليوم الواحد، وتضطر معظم العائلات إلى تخطي وجبات الطعام أو تقليل كمية الطعام المقدمة نظرًا إلى عدم توفر كميات كافية من المواد الغذائية".

وكانت العديد من التقارير الأممية قد أكدت، في تقارير منفصلة صدرت منذ العام الماضي،  أن "النساء والأطفال والمواليد في غزة يتحملون على نحو غير متناسب عواقب تصعيد الأعمال العدائية في الأرض الفلسطينية المحتلة، سواء من حيث نسبتهم من الضحايا أو من حيث تضاؤل فرص حصولهم على الخدمات الصحية".  

من جانبه، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال أغلق المعابر التي كان يدخل منها نحو 600 شاحنة يوميًا من البضائع، مشيرًا إلى استخدام الاحتلال سياسة التجويع في إطار الضغط على السكان، عدا عن إغلاق النقطة الإنسانية التي يدخل إلى غزة والشمال منها الشاحنات منذ أكثر من 100 يوم.

وشدد الثوابتة على أن إجمالي ما يدخل من السلع والبضائع لا يكفي لتلبية احتياجات 1 بالمئة من سكان مناطق الجنوب والوسط في القطاع، في الوقت الذي لا تصل فيه أي من السلع والبضائع إلى مناطق غزة والشمال، لافتًا إلى أن القطاع بات يحتاج حاليًا إلى أكثر من ألف شاحنة يوميًا في ظل النقص الكبير في السلع والمواد الغذائي.