تواجه "إسرائيل" تحديات معقدة على عدة جبهات، حيث تخوض حرب استنزاف مزدوجة في كل من قطاع غزة وجنوب لبنان. وعلى الرغم من العمليات العسكرية المستمرة في غزة، إلا أن دولة الاحتلال لم تحقق أهدافها الرئيسية مثل القضاء على "حماس" أو استعادة المحتجزين في غزة أو عودة الأمن الداخلي. هذا الفشل دفعها إلى توسيع نطاق عملياتها نحو لبنان، حيث كثفت الهجمات الجوية والضربات الاستباقية ضد "حزب الله" بهدف إضعاف قدراته، وربما السعي إلى إنشاء منطقة عازلة على الحدود الشمالية.
وعلى الرغم من إعلان الإدارة الأميركية معارضتها لأي اجتياح بري للبنان، إلا أنها تبدو عاجزة عن ممارسة ضغط حقيقي على "إسرائيل". وفي حين تدعو علنًا إلى وقف إطلاق النار يستمر دعمها العسكري لـ"إسرائيل" دون وجود جهود جدية لفرض تسوية سياسية. وهذا يعكس رغبة أميركية في احتواء التصعيد دون الانزلاق إلى حرب إقليمية واسعة، لكنها تجد نفسها غير قادرة على التأثير على تحركات نتنياهو أو توجيه الأحداث نحو حل دبلوماسي.
تفرض الحرب في لبنان ضغوطًا اقتصادية متزايدة على "إسرائيل"، حيث أدت العمليات العسكرية إلى إغلاق العديد من الأعمال التجارية، خاصة في المناطق الحدودية الشمالية. ويشكل النزوح الجماعي للسكان من هذه المناطق عبئًا إضافيًا على الاقتصاد، مع تزايد تكاليف الإيواء والدعم الحكومي للنازحين. هذا بالإضافة إلى استمرار الإنفاق العسكري الضخم الذي يثقل كاهل الميزانية الإسرائيلية، ما يضع حكومة نتنياهو تحت ضغط أكبر لإيجاد حلول سريعة للصراع مع "حزب الله"، في ظل التراجع الاقتصادي والضغوط الشعبية المتزايدة.
تفرض الحرب في لبنان ضغوطًا اقتصادية متزايدة على "إسرائيل"، حيث أدت العمليات العسكرية إلى إغلاق العديد من الأعمال التجارية
في المقابل، تبدو المقاومة في غزة و"حزب الله" في لبنان في حالة تصميم على استنزاف الجيش الإسرائيلي. بهدف إضعاف القدرة العسكرية الإسرائيلية، وحدّ قدرتها من تحقيق نصر سريع وحاسم.
أما الدور الإيراني فيبدو محدودًا في الوقت الحالي، على الرغم من الدعم المستمر الذي تقدمه إيران لـ"حزب الله". وبحسب المعطيات المتوفرة، تسعى إيران إلى تحقيق توازن بين مساعدة حلفائها في مواجهة "إسرائيل" من جهة، وتجنب تصعيد شامل قد يستدرجها إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة من جهة أخرى. وهذا الوضع يضع "حزب الله" في موقف يتطلب منه مواصلة عملياته العسكرية بدون الحصول على الدعم الكامل والمباشر من إيران في هذه المرحلة، مما قد يؤثر على مدى فعاليته في الحرب.
أما الموقف الدولي، فإنه على الرغم من الإدانات الشكلية لعمليات "إسرائيل" في غزة ولبنان، لا يشهد تحركًا جديًا نحو فرض وقف حقيقي لإطلاق النار. إذ تكتفي الدول الغربية بالدعوات دون فرض ضغوط ملموسة، مما يتيح لـ"إسرائيل" حرية أكبر في تصعيد عملياتها. ولهذا تبدو الحلول السياسية بعيدة المنال في ظل تعقيد الموقف على الأرض.
تتساءل صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إذا ما كان يجب على إسرائيل الاستمرار في حربها ضد حزب الله في #لبنان أم استغلال الفرصة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية؟
اقرأ أكثر: https://t.co/RYMhScyduA pic.twitter.com/S1mZDuaQcK
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 26, 2024
في الخلاصة، تجد دولة الاحتلال الإسرائيلي نفسها عالقة في حرب استنزاف على جبهتين، دون تحقيق أهدافها الاستراتيجية في أي منهما. الحرب مع "حزب الله" قد تتوسع، لكنها لن تحقق نصرًا سريعًا أو حاسمًا لـ"إسرائيل". الموقف الأميركي المتردد بسبب الاعتبارات الانتخابية والسياسية الداخلية في الولايات المتحدة، إلى جانب التحديات الاقتصادية المتزايدة في "إسرائيل" يزيدان من تعقيد الوضع، في حين تبقى المقاومة اللبنانية والفلسطينية عازمة على مواصلة الضغط. في هذه الظروف، تظل احتمالية التوصل إلى حل سريع أو تغيير جذري في موازين القوى ضعيفة، مما يجعل لبنان يواجه مصيرًا أكثر قتامة، مع استمرار تدفق النازحين وتزايد الضغوط على بنية تحتية هشة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية بشكل غير مسبوق.
يأتي العدوان الشامل على لبنان في وقت يواجه مصيرًا أكثر قتامة، مع استمرار تدفق النازحين وعجز السلطات على احتواء الأزمة مع تزايد الضغوط على البنية التحتية الهشة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاقتصادية بشكل غير مسبوق، وقد حذرت وكالة "الأونروا" من أن تحوّل لبنان إلى منطقة عمليات جديدة لـ"الأونروا" سيضع ضغوطًا أكبر عليها وسيزيد من الاحتياجات الإنسانية ويتطلب دعمًا من المانحين.
يضاف إلى ذلك، الانسداد والاصطفاف السياسي، فلبنان يعيش دون رئيس دولة، كما تدير شؤون البلاد حكومة تصريف أعمال لا تمتلك سلطة اتخاذ قرارات مصيرية منذ عامين تقريبًا، وهو ما خلق فراغًا سياسيًا في ظل تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.