على الرغم من أهمية اتفاق الفصائل الفلسطينية في بكين على خارطة طريقٍ تتضمن إنجاز المصالحة الوطنية وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وتشكيل حكومة وحدةٍ وطنية، إلّا أن عوائق عديدة تبرز في مواجهة إنجاز وتنفيذ ما اتُّفق عليه على أرض الواقع. وتتعلق المخاوف أساسًا بحسابات السلطة الفلسطينية مع الإدارة الأميركية من جهة، ودولة الاحتلال من جهة ثانية.
وأمام هذه المعطيات المعرقلة، من المتفهّم مستوى الفتور الذي قابل به الشارع الفلسطيني إعلان المصالحة وإنهاء الانقسام في بكين، خاصةً أنّ خيبات الشارع الفلسطيني من اتفاقيات المصالحة تكررت بدءًا من اتفاق القاهرة مرورًا باتفاقات مكّة والدوحة وصنعاء، وصولاً إلى اتفاقيتيْ موسكو ومن بعدها بكين. إذ تعددت الاتفاقات والعواصم المستضيفة للفصائل، لكنّ جميع التوافقات كانت تتحطّم في النهاية على صخرة الحسابات والتدخلات الأميركية التي تضع "فيتو" في وجه المصالحة الفلسطينية، وتتنكّر في كل مرة لحق الفلسطينيين في الاستقلال، وتتغاضى عن وأد سلطات الاحتلال لذلك الحلم من خلال زحف المستوطنات ومصادرة الأراضي.
هل في مقدور الصين والفصائل الفلسطينية تجاوز الفيتو الأميركي؟
من المرجّح أن تعرقل الإدارة الأميركية اتفاق الفصائل الفلسطينية ببكين لعدة أسباب، من بينها الحساسية الأميركية من الدور الصيني في المنطقة وفي القضية الفلسطينية بشكلٍ خاص، بالإضافة إلى الموقف الأميركي من "حماس" التي تعدّ مكونًا رئيسيًا في الاتفاق.
ولطالما تسبب هذا الموقف في رفع الولايات المتحدة لـ"الفيتو" أمام المصالحة الفلسطينية، عدا عن أن مثل هذه المصالحات لا تخدم الموقف الإسرائيلي الذي عبّر عنه وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بقوله: "وقّعت حماس وفتح اتفاقًا في الصين للسيطرة المشتركة على غزة بعد الحرب، لكن في الواقع، هذا لن يحدث، لأن حكم حماس سوف يُسحق، ومحمود عباس سوف يراقب غزة من بعيد. وسيظل أمن إسرائيل في أيدي إسرائيل وحدها"، زاعمًا أن رئيس السلطة محمود عباس: "بدلًا من رفض الإرهاب يحتضن قتلة حماس ويكشف عن وجهه الحقيقي" وفق تعبيره.
السلطة الفلسطينية، رغم توقيعها الاتفاق، عاجزة عن تجاوز القيود التي تكبلها بها الإدارة الأميركية وإسرائيل
ويضع مثل هذا الموقف الأميركي والإسرائيلي عبئًا إضافيًا على الصين والفصائل الفلسطينية لتنفيذ اتفاق المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني في وجه تداعيات المرحلة الحالية واستحقاقاتها العديدة، بوصفها مرحلة فارقة في عمر القضية.
وربما يحتاج الموقف الفلسطيني لإنجاز الاتفاقية أكثر من دعم صيني، فلا بدّ من تضافر دعمٍ إقليمي وعربي مع ذلك الدعم حتى تنهض الإرادة الفلسطينية في المصالحة وتتجسّد واقعيًا. وذلك مع الإشارة إلى أنه، حتى اللحظة، لا يوجد مثل هذا الدعم العربي للمصالحة الفلسطينية. بل، على العكس، توجد بعض المشاريع العربية الباحثة عن تحالفٍ استراتيجي مع إسرائيل، والرافضة لأي مشروع مقاومة، وربما مصالحة فلسطينية.
يضاف إلى ذلك أنّ السلطة الفلسطينية، ورغم توقيعها الاتفاق، عاجزة عن تجاوز القيود التي تكبلها بها الإدارة الأميركية وإسرائيل، فالتزاماتها مع هذين الطرفين تقيد إمكان قيامها بأي تحرك سياسي حقيقي ينهي الانقسام ويحقق الوحدة الفلسطينية المنشودة.
مضامين وتوترات
وقّع على اتفاق الوحدة الوطنية في بكين 14 فصيلًا وحركة، وهي: فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وحزب الشعب الفلسطيني، وجبهة النضال الشعبي الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، إلى جانب مشاركة الجبهة الشعبية - القيادة العامة، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، وجبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، والجبهة العربية الفلسطينية، وطلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة).
وبحسب وزير الخارجية الصيني وانغ يي، فإن الفصائل الفلسطينية الموقعة اتفقت على ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، واعتبر وانغ أنّ: "أهم نقطة هي الاتفاق على تشكيل حكومة مصالحة وطنية مؤقتة حول إدارة غزة بعد الحرب".
وفي تعليقه على المصالحة، قال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، موسى أبو مرزوق، إن الحركة وقّعت مع الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركة فتح، اتفاقيةً "للوحدة الوطنية" خلال اجتماع في الصين، مضيفًا أنّ: "الطريق من أجل استكمال هذا المشوار هو الوحدة الوطنية. نحن نتمسك بالوحدة الوطنية وندعو لها".
وأوضح أبو مرزوق في تصريح لوكالة "الأناضول" أنّ الجديد الذي خرج به الاجتماع هو: "اتفاق الفصائل على آليةٍ جماعية لتنفيذ بنود إعلان بكين من كافة جوانبه، باعتبار الأمناء العامين نقطة انطلاق الفصائل الفلسطينية، وقد تقرر وضع أجندة زمنية لتطبيق الاتفاق".
بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي لـ"حماس"، حسام بدران، أن: "أهم نقاط الاتفاق كانت على تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني تدير شؤون شعبنا في غزة والضفة، وتشرف على إعادة الإعمار، وتهيئ الظروف للانتخابات، وهذا كان موقف حماس الذي دعت إليه وعرضته منذ الأسابيع الأولى للمعركة".
أما الأمين العام لحركة "المبادرة الوطنية الفلسطينية" مصطفى البرغوثي، أحد الموقعين على الاتفاق، فقال هو الآخر في تصريحٍ لوكالة "الأناضول، إن: "الفصائل ستبدأ وبشكلٍ فوري تطبيق اتفاق المصالحة الفلسطينية بخطوات عملية"، معربًا عن: "التفاؤل بنتائج اتفاق بكين للمصالحة الفلسطينية".
وأضاف: "سيبدأ الرئيس الفلسطيني محمود عباس وبشكل فوري مشاورات مع كافة الفصائل لتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة من شأنها معالجة آثار الانقسام والخروج بالقضية الفلسطينية من مأزقها جرّاء استمرار العدوان الإسرائيلي على شعبنا وخصوصًا حرب الإبادة في قطاع غزة".
لكنّ حركة الجهاد الإسلامي قالت، في تصريح على لسان عضو مكتبها السياسي إحسان عطايا، إن ما ورد في البيان الختامي للحوار الفلسطيني في الصين الذي تم تسريبه إلى الإعلام "غير دقيق"، موضحًا أن حركته رفضت أي صيغة تتضمن الاعتراف بإسرائيل صراحةً أو ضمنًا، مضيفًا أن حركة الجهاد الإسلامي: "لم توافق على إدراج صيغةٍ تنصّ على القرارات الدولية التي تؤدي إلى الاعتراف بشرعية كيان الاحتلال الغاصب، وطالبت بسحب اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل". وطالبت "الجهاد"، وفق تصريح عطايا، بتشكيل لجنة طوارئ أو حكومة طوارئ لإدارة المعركة في مواجهة الإبادة الجماعية ومخططات تصفية القضية الفلسطينية.
وكانت الفصائل الفلسطينية قد أشارت، في بيان سبق الإعلان الرسمي، إلى أن من مهام حكومة الوفاق البدء بتوحيد المؤسسات الفلسطينية كافةً في أراضي الدولة الفلسطينية، والمباشرة في إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لإجراء انتخابات عامة بإشراف لجنة الانتخابات المركزية بأسرع وقت وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد.
وأكدت الفصائل تفعيل وانتظام "الإطار القيادي المؤقت الموحد"، للشراكة في صنع القرار السياسي، وفقًا لما اتُّفق عليه في وثيقة الوفاق الوطني الفلسطيني الموقعة في 4 أيار/مايو 2011، حتى يُشكّل المجلس الوطني الجديد وفقًا لقانون الانتخابات المعتمد، ومن أجل: "تعميق الشراكة السياسية في تحمّل المسؤولية الوطنية، ومن أجل تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية".