نشرت صحيفة فاينانشل تايمز البريطانية تقريرًا حول الاحتجاجات الإيرانية المستمرة منذ نحو ستة أيّام، تُحاول فيه تفسير الدوافع الحقيقية وراء هذه الموجة الاحتجاجية غير المسبوقة منذ 2009، والتي بدت مفاجئة أيضًا، وإن لم تكن كذلك، بسبب زيادة معدلات الفقر والبطالة واستشراء الفساد. في السطور التالية ننقلم لكم التقرير مترجمًا بتصرف.
في الوقت الذي اصطفت فيه شرطة مكافحة الشغب في مواجهة المتظاهرين المناهضين للنظام، اتجهت فتاة شابة ترتدي الجينز وحجاب وردي، إلى الضباط مباشرةً، وصرخت في وجههم مرددةً: "الموت لخامنئي".
يبدو أنّ خيبة الأمل التي يشعر بها الشباب الإيراني بسبب الفقر والبطالة والفساد، شجعتهم على انتقاد كبار قادتهم بجرأة
وتدفقت الحشود في الأرجاء مرددةً شعارات معادية للمرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي. وقد انتشرت مقاطع الفيديو التي تصور الأحداث التي وقعت في مدينة أصفهان التاريخية يوم الجمعة الماضية، وأصبحت الهتافات المماثلة المناهضة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، السمة الغالبة للاضطرابات المستمرة منذ نحو ستة أيام.
اقرأ/ي أيضًا: الأولى من نوعها منذ 2009.. تظاهرات احتجاجية في العديد من المدن الإيرانية
وتشير الانتقادات الموجهة ضد خامنئي إلى طبيعة الاحتجاجات غير العادية، والتي تحولت إلى أكبر تحدٍ يواجه النظام خلال العقد الأخير تقريبًا. فلطالما كان الانتقاد العلني للمرشد الأعلى أمرًا محرمًا منذ اندلاع الثورة الإسلامية، وبالكاد أثاره بعض المتظاهرين خلال الاحتجاجات الكبرى الأخيرة المناهضة للحكومة التي اندلعت عام 2009.
لكن يبدو أن خيبة الأمل التي يشعر بها الشباب الإيراني تجاه حكومتهم، والغضب الناتج عن تفشي الفقر، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع معدلات الفساد، شجعتهم على انتقاد قادتهم بشكلٍ متزايد.
يقول أحد المحللين المنتمين للجناح الإصلاحي في إيران: "إنه من المشين أن يقف بعض المتظاهرين بسهولة ويهتفون: الموت لخامنئي"، مُضيفًا: "يتصرف المتظاهرون وكأنهم يظنون أن المؤسسة السياسية لم تعد قوية، وأنها على شفا الانهيار".
هذا وقد فوجئ الإيرانيون أيضًا بتنوع الخلفيات السياسية والفكرية للمتظاهرين الذين تدفقوا إلى الشوارع. ففي احتجاجات عام 2009 التي اندلعت في أعقاب فوز الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد في الانتخابات المُختلف على نتيجتها، اقتصرت المظاهرات إلى حدٍ كبيرٍ على طهران، والتي كان في طليعتها الطبقة الوسطى من الإيرانيين الساخطين.
شارك عدد أقل من المتظاهرين في الاحتجاجات الأخيرة، إلا أنها انتشرت بشكل سريع، لتشمل المدن والبلدات الصغيرة والكبيرة في جميع أنحاء البلاد، ولا يبدو أن فئة أو طبقة معينة تقف وراء هذه المظاهرات. عن هذا يقول أحد المحللين السياسيين، إن "التظاهرات اندلعت على نطاق واسع، ولكن بشكل سطحي"، مُضيفًا: "يقودها أولئك الذين يشعرون بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي".
ويُرجح أن هناك حوالي 20 شخصًا لقوا مصرعهم في هذه الاحتجاجات، بينهم مراهقين اثنين وشرطي، إضافة إلى مئات المُعتقلين. وقد وصفت السلطات التظاهرات بـ"المحدودة"، قائلةً إنها "سوف تنتهي في القريب العاجل".
وفي أول تعليق له على تلك الاضطرابات، ألقى خامنئي باللوم على من وصفهم بـ"أعداء البلاد الخارجيين"، في التسبب بهذه الأزمة، وهي نفسها الرواية التي كررها مسؤولون إيرانيون ألقوا باللوم على الولايات المتحدة والسعودية، وإن كان إسحق جهانغيري، نائب روحاني والمقرب منه، قد اتهم المعارضين من التيار المحافظ، بالوقوف وراء هذه التظاهرات في بداية اندلاعها.
وبدأت تلك المظاهرات بمسيرات سلمية شارك فيها آلاف المتظاهرين في مدينة مشهد، ثاني أكبر المدن الإيرانية، احتجاجًا على ارتفاع تكاليف المعيشة.
وألقى محللون إيرانيون باللوم على روحاني وحكومته، مشيرين إلى أنّه نأى بنفسه عمن منحوه أصواتهم في انتخابات أيار/مايو الماضي، والتي حقق فيها الفوز بتعهداته بالإصلاح وقمع الفساد.
تكررت تعليقات المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم خامنئي، بوصف التظاهرات باعتبارها مؤامرة من "أعداء البلاد الخارجيين"
في المقابل، يُصر روحاني على التزامه بتعهداته الانتخابية، إذ قدم الميزانية للبرلمان الشهر الماضي، وطالب العديد من المنظمات الحكومية التابعة للمحافظين، أن يكونوا أكثر شفافية فيما يتعلق بإنفاقهم. وقد جاءت هذه الخطوة بعد أن بدأ البنك المركزي الإيراني تنظيم المؤسسات المالية التابعة للهيئات الكبرى، مثل الحرس الثوري، والتي تهيمن على ما يقرب من ربع المعاملات المصرفية في البلاد.
اقرأ/ي أيضًا: مشاكل إيران لا تنتهي.. عن الحجّتية والانتخابات وأحمدي نجاد
إلا أن هذه الخطوة أثارت القلق في أوساط ملايين المودعين الذين شعروا بالخوف من أن تتأثر مدخراتهم نتيجةً لهذه التدابير. كما أثارت الميزانية المُقدمة الغضب أيضًا، وذلك بعد أن نشر بعض الإيرانيين مقاطع منها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تُظهر أن كثيرًا من أموال الدولة تذهب إلى العديد من المؤسسات، ومن بينها المؤسسات الدينية، والتي ينبغي أن تعتمد فقط على التبرعات الخيرية.
وقد تفاقمت خيبة الأمل نتيجة لخطط الحكومة لزيادة أسعار الوقود، وإصلاح برنامج الدعم الحكومي، والذي بمقتضاها لن يستحق قرابة 30 مليون شخص مدفوعاتهم الشهرية المقدرة بـ455 ألف ريال، أي 12.60 دولار.
لذا يبدو واضحًا بدرجة ما لماذا هتف المتظاهرون ضد التدخلات العسكرية الإيرانية في سوريا والعراق، إنها تكلفهم باهظًا. يقول الخبير الاقتصادي حسين راغفار، إن "هذه الاحتجاجات ما هي إلا أعراض مرض حاد، ناتج عن ثلاثة عقود من سوء الإدارة، والتي تفتقت عنه مافيا السلطة والثروة، بينما يشعر كثير من الناس أنهم ضحايا"، مُضيفًا: "النظام برمته في حاجة ماسة لمراجعة كبرى لسياساته".
ويعتقد المحللون المؤيدون للإصلاحيين، أن المحافظين الذين عادةً ما يراهنون على السياسات الشعبوية، يطمحون إلى استغلال المناخ القاتم لمقاومة التغيير. ومن المزمع أن يعتمد البرلمان الميزانية العامة في آذار/مارس المقبل، وربما يستطيع المحافظون ممارسة نفوذهم على أعضاء البرلمان لوقف الإصلاحات الاقتصادية للرئيس.
يقول سعيد ليلاز، الخبير الاقتصادي الإصلاحي: "ربما لا يستطيع روحاني دفع إصلاحاته الاقتصادية قدمًا بسبب التذرع بالاحتجاجات المنتشرة في الشوارع"، ويضيف: "يُصر المتشددون على منع أي إصلاحات اقتصادية هيكلية، بما في ذلك زيادة أسعار الطاقة، وفرض الضرائب على المؤسسات المرتبطة بمراكز القوة التابعة لهم".
محلل سياسي إيراني: "السبب الرئيسي وراء المظاهرات هو الإحباط في المجتمع. وأي شكل من أشكال الإحباط سيؤثر على كل القطاعات السياسية"
إلا أن عباس عبدي، المحلل الإصلاحي، يقول إن المحافظين سيكونون مخطئين إذا فكروا في استغلال الإحباط الموجود لدى الشعب، مُضيفًا لوكالة أنباء محلية، أنّ "السبب الرئيسي وراء هذه الأحداث هو اليأس والإحباط في المجتمع. أي شكل من أشكال الإحباط سوف يؤثر بكل تأكيد على جميع القطاعات السياسية".
اقرأ/ي أيضًا: