تتقلّب فرنسا على صفيحٍ سياسي ساخنٍ منذ إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون حلّ الجمعية الوطنية، ودعوة المواطنين إلى انتخاباتٍ تشريعيةٍ سابقة لأوانها في الـ30 من حزيران/يونيو والسابع من تموز/يوليو، وذلك على خلفية النتائج الصادمة في انتخابات البرلمان الأوروبي والتي حصد فيها حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف بقيادة الشاب جوردان بارديلا نسبة 31.5 % من الأصوات.
ومما زاد الطين بلةً إظهار استطلاعٍ أجراه معهد "إيلاب" أن التجمع الوطني اليميني المتطرف سيحقق فوزًا كبيرًا في الانتخابات التشريعية المرتقبة الشهر الجاري، يليه مباشرةً تحالف اليسار، إذ من المتوقع حسب نتائج الاستطلاع، أن يحصل التجمع الوطني بزعامة جوردان بارديلا على 31 % من الأصوات في الجولة الأولى، ويحقق التحالف اليساري المعروف بـ"الجبهة الشعبية" نسبة 28 % من الأصوات.
ويبدو أنّ هذا هو ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تنظيم مؤتمرٍ صحفيٍ مستعجلٍ ليلة البارحة في الإليزيه دعا فيه إلى "رص الصفوف في وجه كل أشكال التطرف"، وإلى التحلي بـ"المسؤولية والوضوح".
وأكّد ماكرون في كلمته "رفضه الاستسلام للأمر الواقع وإعطاء مفاتيح السلطة إلى اليمين واليسار المتطرفين بمناسبة الانتخابات التشريعية التي ستجرى نهاية الشهر الجاري ومطلع الشهر المقبل".
كما دعا ماكرون "من يؤمن بالديمقراطية وبأسس الجمهورية إلى الانضمام إلى التكتل الرئاسي من أجل الحصول على الأغلبية في الجمعية الوطنية المقبلة التي ستمكنه من مواصلة الإصلاحات ومساعدة الفرنسيين" وفق تصريحاته. نافيًا في الأثناء "نيته الاستقالة في حال حصل اليمين المتطرف على غالبية المقاعد بعد الانتخابات التشريعية".
قام الرئيس الفرنسي بحلّ الجمعية الوطنية بعد فوز اليمين المتطرّف في انتخابات البرلمان الأوروبي ودعا لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها
وفسّر ماكرون تصويت الفرنسيين لصالح حزب اليمين المتطرف "بمواجهتهم للعديد من المشاكل التي لم تحل بعد، على غرار تراجع الأمن في البلاد وانهيار قدرتهم الشرائية، إضافة إلى المشاكل المتعلقة بالهجرة غير الشرعية".
وشنّ ماكرون هجومًا لاذعًا على حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، ومن يريد "الالتحاق به"، وعلى اليسار الذي قرر "الالتحاق باليسار المتطرف" على حد سواء.
وقال ماكرون في هذا الصدد "منذ يوم الأحد الماضي، بدأت الأقنعة تسقط. نحن نشهد معركة بين الذين يعملون من أجل ازدهار أحزابهم والذين ينشطون من أجل ازدهار فرنسا"، قاصدًا أحزابا معارضة والائتلاف الرئاسي الذي يحكم البلاد منذ 2017.
واعتبر ماكرون أنّ الاتفاق بين إيريك سيوتي زعيم حزب "الجمهوريين" وجوردان بارديلا رئيس حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف يعكس قمة التناقض، فكيف يمكن على حد تعبيره "أن يتفاهم إيريك سيوتي الذي يدعو إلى تمديد سن التقاعد إلى 65 عامًا مع جوردان بارديلا الذي يسعى إلى تخفيض سن التقاعد إلى 60 أو 62 عامًا فقط؟".
وعمد ماكرون إلى نفس الطريقة في نقده تحالف اليسار واليسار المتطرف تحت مسمى "الجبهة الشعبية"، قائلًا: "كيف يمكن أن يجدوا تفاهمات في حين أنّ بعض الأحزاب في هذه الجبهة تساند أوكرانيا وأخرى تساند روسيا".
أمّا عن تكتل الوسط الذي يضمّ حزب النهضة الذي أسسه ماكرون شخصيًا وحزب "آفاق" التابع لإدوار فيليب وحزب "الحركة الديمقراطية" الذي يتزعمه فرانسوا بيرو، فاعتبر ماكرون أنه "هو التكتل الوحيد القادر على إخراج فرنسا من محنتها الحالية" حسب زعمه، فهذا التكتل حسب ماكرون "يعمل بشراكة منذ 7 سنوات"، معترفًا: "طبعا لسنا مثاليين لكن قدمنا الكثير أيضا".
وختم ماكرون مؤتمره الصحفي بدعوة الأحزاب "الديمقراطية غير المتطرفة إلى الالتحاق بالتكتل الرئاسي من أجل تشكيل أغلبية في الجمعية الوطنية المقبلة".
يشار إلى أنّ استطلاع معهد إيلاب توقع أن يحصل التجمع الوطني في نهاية الجولة الثانية على ما بين 220 و270 مقعدًا من مجموع مقاعد الجمعية الوطنية البالغ عددها 577 مقعدًا.
أما تحالف اليسار فتوقع الاستطلاع أن يحصل على ما بين 150 و190 مقعدًا، وحزب النهضة الرئاسي وحلفاؤه على ما بين 90 و130 مقعدًا، والجمهوريون على ما بين 30 و40 مقعدًا، فيما تتوزع بقية المقاعد على القوى السياسية الأخرى.
يذكر أخيرًا أنّ الاستطلاع أجري عبر الإنترنت يومي 11 و12 حزيران/يونيو الجاري على عينة شملت 1502 من الأشخاص يبلغون 18 عامًا وأكثر، بمن فيهم 1422 مسجلًا في القوائم الانتخابية. وبحسب النتائج، فإن هامش الخطأ يراوح بين 1.1 و2.5%. فقط.