بدأت ليبيا عامًا جديدًا ساخنًا منذ أيامه الأولى بإعلان موسى الكوني استقالته من منصب نائب رئيس المجلس الرئاسي في خطوة مفاجئة ولكنّها تكشف عن حجم الصراعات داخل هذا المجلس وتأزم الوضع السياسي في البلاد. ويظلّ السؤال حول الشرعية السياسية بل والقانونية للمجلس الرئاسي مع فشل اتفاق الصخيرات في تحقيق أهدافه منذ زهاء سنة على تاريخ إبرامه.
الجميع يحكم ولا أحد يسيطر، بهذه الجملة اختصر موسى الكوني الوضع السياسي في ليبيا، التي تتواجد بها 3 حكومات تدعي كل منها الشرعية
لم يكن المجلس الرئاسي، الذي عُهد إليه إدارة الدولة بموجب اتفاق الصخيرات، هيكلًا جامعًا ومتجانسًا. إذ تم تشكيله حسب المحاصصة الجغرافية حيث يُمثل كل إقليم بثلاثة ممثلّين. وقد فشل المجلس الرئاسي في أولى مهامه وهو الحصول على تزكية من مجلس النواب، الذي ظلّت رئاسته داعمة لقوات المشير خليفة حفتر الرافضة لاتفاق الصخيرات. وهذا الرّفض أدى لتجميد علي القطراني وعمر الأسود لعضويتهما من المجلس الرئاسي وهما من المحسوبين على المعسكر السياسي لحفتر. وبالتالي، انطلق المجلس، الذي بدأ عمليًا في ممارسة مهامه منذ آذار/مارس 2016، وهو يعاني من الانشقاقات المؤثرة على شرعيته السياسية، حيث فشل في العمل كوعاء جامع لليبيين مع تواصل الثنائية المؤسساتية ورفض الأجهزة السياسية والعسكرية في المنطقة الشرقية الالتحاق به.
اقرأ/ي أيضًا: طرابلس..حلبة صراع لم ينته بعد
"الجميع يحكم ولا أحد يسيطر" بهذه الجملة اختصر موسى الكوني الوضع السياسي في البلاد، الذي لا تزال تتواجد فيه ثلاث حكومات تدّعي كل منها الشرعية. وكان عام 2016 في ليبيا هو عام جمود الوضع السياسي في ظلّ خشية من تأبيده وهو ما جعل دول الجوار تسارع في الفترة الأخيرة لإعادة العملية السياسية لطريقها لحلّ الأزمة. حيث من المنتظر أن يؤدي في الأيام القادمة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح زيارة إلى تونس هي الأولى له، وذلك في ظل تسريبات حول وجود مبادرة تونسية لعقد قمة ثلاثية بين رؤساء دول الجوار وهي تونس ومصر والجزائر لوضع خارطة سياسية لحلّ الأزمة في الجارة ليبيا.
في الأثناء، نفى حفتر في تصريحات إعلامية وجود أي خطط لاستئناف المحادثات مع حكومة السراج، وأعلن عن وجود أولوية ما أسماها "هزيمة المتشددين" قبل الحديث عن الديمقراطية والانتخابات. وهو ما يؤشر لغياب بوادر تقارب بين الفرقاء الليبيين، ولعلّ حفتر هو أول المستفيدين من استقالة الكوني وما تعنيه من مزيد ترهّل التمثيل السياسي للمجلس الرئاسي. وهي استقالة كانت محلّ إشادة من مستشار رئيس مجلس النواب بقوله إنها "مثال للروح الوطنية وبمثابة مدرسة لكثير من المسؤولين في البلاد".
ولكن لماذا استقال الآن الكوني وهو نائب رئيس المجلس الرئاسي الممثّل لمنطقة جنوب ليبيا وللطوارق، حيث يحظى الكوني بثقل سياسي فشقيقه إبراهيم الكوني هو زعيم طوارق ليبيا؟.. كما كان موسى الكوني يعمل قنصلًا عامًا لليبيا في مالي زمن القذافي قبل انشقاقه عن نظامه بعيد اندلاع الثورة. وقد شارك في مفاوضات الصخيرات كمستقل قبل التحاقه بالمجلس الرئاسي لاحقًا.
لم يكن الكوني منذ البداية في مواقف متجانسة مع أغلبية أعضاء المجلس الرئاسي ومنها غيابه عن اجتماعاته بخصوص تشكيل حكومة جديدة في الصيف الفارط. كما انتقد سابقًا قرار المجلس لتشكيل إدارة تسييرية جديدة للمؤسسة الليبية للاستثمار، كما تم استبعاد شقيقه يدعى "آلاه الكوني موسى" بعد تعيينه في وقت سابق من حكومة الشرق. وقد تحدث الكوني في استقالته عن مسؤولية المجلس الرئاسي في إهدار المال العامّ بحجة الترتيبات الأمنية.
لا تعني استقالة الكوني إلا مزيدًا من إضعاف الشرعية السياسية للمجلس الرئاسي وهو ما يؤكد على فشل اتفاق الصخيرات الذي وُلد ميّتًا
اقرأ/ي أيضًا: أزمة الحكومة الليبية..البرلمان يتشبث بدور سياسي
ولكن كانت القرارات الأخيرة الصادرة عن فتحي المجبري، نائب رئيس المجلس الممثل لإقليم برقة في الشرق، هي التي عجّلت في اتخاذ الكوني لقرار الاستقالة. حيث تضمنت هذه القرارات تعيينات في مناصب حساسة مثل قائد جهاز المخابرات وقوة مكافحة الإرهاب ووزير العدل، وهي قرارات اتخذها المجبري بالوكالة لسفر فائز السراج، رئيس المجلس الرئاسي. وقد رفض عبد السلام الكجمان، العضو الآخر في المجلس الرئاسي والقريب من الإخوان المسلمين، هذه القرارات في بيان رسمي معلنًا بطلانها غير أن الناطق الرسمي للمجلس أكد لاحقًا نفاذها وقانونيتها.
شملت هذه التعيينات شخصيات مقربة من معسكر حفتر ولقيت تزكية عضو المجلس أحمد معيتيق، ممثل مدينة مصراتة، التي تمثّل القوة السياسية والعسكرية الرئيسية ضد حفتر، وهو ما يبين عن وجود بوادر أولية لتقارب بين أهم قوتين سياسيتين وعسكريتين في البلاد، ما قد تستدعي تهميش بعض القوى ومنها منطقة جنوب ليبيا. بيد أن هذه البوادر تظلّ محدودة في الوقت الحاضر بالنظر لواقعتين، الأولى تتعلق بتصريح حفتر بعدم وجود نية في الدخول في مفاوضات لحلّ الأزمة والثانية تتعلق باندلاع مواجهات بين قوات حفتر وقوات مصراتة في الجنوب الليبي في الأيام الأخيرة. وبالتالي، لا تزال التطورات العسكرية على أشدّها مع جمود العملية السياسية.
لا تعني استقالة الكوني بالنهاية إلا مزيدًا من إضعاف الشرعية السياسية للمجلس الرئاسي وهو ما يؤكد مجددًا على فشل اتفاق الصخيرات الذي وُلد ميّتًا منذ البداية. ويظلّ السؤال أي نجاعة سياسية للمجلس الرئاسي، الذي أعلن مواصلته لأعماله رغم غياب ثلث أعضائه؟ وهل ستقدر دول الجوار على فرض مبادرة سياسية جامعة لكل الليبيين، وهو ما يستدعي تحديدًا توحيدًا للرؤية بين مصر الداعمة بقوة لحفتر وبقية دول الجوار الداعمة باحتشام لاتفاق الصخيرات؟.
اقرأ/ي أيضًا: