"سأعود إلى مصر ولا يمكن أن أعيش خارجها.. وأعلم أن ثمني لدى النظام مجرد رصاصة". شجاعة أم تهور؟ اختلف البعض حول تقيم الموقف والكلمات، لكن من يعرف الرجل وتاريخه لا يقف كثيرًا أمام تلك المواقف، "تتح" كما يحب أن يلقبه أنصاره، أو عبدالمنعم أبوالفتوح، السياسي المصري المُرتحل، من الحركة الطلابية في السبعينات، وموقفه الشهير بمواجهة الرئيس الراحل أنور السادات، إلى الصف الأول في قيادة جماعة الإخوان المسلمين، بآراء مستقلة، إلى تأسيس وزعامة حزب مصر القوية.
بشكل أو بآخر، كان اعتقال أبوالفتوح سببًا في حالة من شبه التوحد بين قوى المعارضة التي أدانت جميعها اعتقاله
وبعد الكثير من التحذيرات عن خطورة عودته لمصر بعد حوارات ومقابلات صحفية أجراها في لندن لعدة وسائل إعلام، انتقد فيها النظام المصري، أصر عبد المنعم أبوالفتوح على العودة إلى البلاد، وما لبث بعودته أن اعتقل، ثم وجهت إليه تهم لم يشفع منصبه كرئيس حزب عندها، بل قررت النيابة حبسه 15 يومًا احتياطيًا على ذمة التحقيقات.
اقرأ/ي أيضًا: الحبس الاحتياطي في مصر.. مئات المعتقلين على ذمة تجاوز القانون ومزاج القضاء
بشكل أو بآخر، كان اعتقال أبوالفتوح سببًا في شبه توحد بين المعارضين وتيارات المعارضة التي أدانت جميعها اعتقال الرجل، والذي أدانته أيضًا جهات وهيئات دولية.
اعتقال رئيس حزب "شرعي"
خلال حوار أجراه أبوالفتوح مع الإعلامي أحمد طه على قناة الجزيرة، أكد رئيس حزب مصر القوية على عودته لمصر، ورفضه البقاء خارجها. وخلال نفس الحوار وجّه أبوالفتوح انتقادات قاسية للنظام الحاكم في مصر.
وكان أبرز ما قاله أبوالفتوح خلال حواره: "إن النظام المصري انزعج من تحركات المعارضة خلال الفترة الأخيرة"، و"السيسي يتعامل بمنطق يا أحكمكم يا أقتلكم"، مُتهمًا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بأنه من يقف مباشرة وراء إبعاد سامي عنان عن السباق الانتخابي، مُستبعدًا أن يكون الجيش هو المسؤول، يقصد اتفاق أعضاء المجلس العسكري.
وعقب الحوار بدأت حملة إعلامية ضد أبوالفتوح طالبت بموقف "قانوني" ضده، كما تقدم محامٍ مغمور ببلاغ للنيابة ضد أبوالفتوح يتهمه بالإساءة للدولة، ليصدر قرار بالقبض عليه، فداهمت قوات الأمن بزي مدني منزله الأربعاء الماضي، وألقت القبض عليه وعلى عدد من أعضاء المكتب السياسي للحزب، تصادف وجودهم في منزله حينها، ثم أُخلي سبيلهم.
عُرض أبوالفتوح على النيابة، التي أصدرت قرارًا بحبسه احتياطيًا 15 يومًا على ذمة التحقيقات في قضية رقم 440 لسنة 2018، مع عرضه على مستشفى السجن بناءً على طلب محاميه. ووجهت نيابة أمن الدولة العليا عدة اتهامات لأبو الفتوح، من بينها "نشر وإذاعة أخبار كاذبة، والاضطلاع بدور قيادي في جماعة أُنشئت على خلاف أحكام القانون، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، والدعوة إلى الخروج على الحاكم، وتغيير نظام الحكم بالقوة، والإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر".
ويأتي اعتقال أبو الفتوح متزامنًا مع فترة عصيبة على مصر، يشن النظام فيها حملة أمنية قاسية، مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية التي يدخلها السيسي دون منافسة تقريبًا.
وقد استهدفت الحملة الأمنية بأشكالها، مرشحين للرئاسة كسامي عنان باعتقاله، ومن قبله أحمد شفيق بالتضييق الذي دفعه للانسحاب، أو بالتعرض للاعتداء البدني ثم الاعتقال كما جرى مع هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، وكان ضمن فريق سامي عنان. كما استهدفت نائب رئيس حزب مصر القوية محمد قصاص، المعتقل منذ أكثر من أسبوع، بعد فترة اختفاء قسري دامت يومًا، وكذا الصحفيين المصريين مصطفى الأعصر وحسن البنا، المختفين قسريًا منذ نحو أسبوعين.
الأوضاع التي يدفع النظام المصري البلاد إليها، أثارت قلقًا في الخارج، فقد أعربت الأمم المتحدة عن قلقها من الاعتقالات في مصر، ومن "ضيق الأفق السياسي"، كما أنّ 14 منظمة حقوقية دولية، وصفت الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، على ضوء ما يحدث الآن، بـ"المهزلة".
وبالطبع، لدى النظام المصري ردوده وتبريراته الجاهزة: القوانين المُشرّعة للقمع، واتهام أي معارض بأنه ينتمي لجماعة إرهابية أو جماعة أُسست على خلاف القانون أو ناشر للأخبار الكاذبة!
كيف يرى النظام أبو الفتوح؟
حجة ارتباط أي شخص بجماعة الإخوان ليست وليدة الصدفة، ولا جديدة على النظام الحالي الذي يؤمن بأوهام حروب الجيل الرابع والخامس وما إلى ذلك.
في تسريب للسيسي يعود لـ2013، وصف عبدالمنعم أبو الفتوح بـ"الإخواني المتطرف" رغم أن الرجل فُصل من الجماعة منذ 2011!
ويبدو بالفعل أن السيسي يعتقد في أن أبو الفتوح "إخواني"، ففي عام 2013، سُرب للسيسي وكان حينها وزيرًا للدفاع، مقاطع لم تنشر من مقابلة مع الصحفي المصري ياسر رزق رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم آنذاك، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم حاليًا. وفي التسريبات ظهرت النوايا السيئة التي يكنها السيسي لأبو الفتوح، والذي أوضح أنه يراه "إخواني".
اقرأ/ي أيضًا: أسبوع على إخفاء الأعصر والبنا قسريًا.. واعتقال كيدي لنائب رئيس حزب مصر القوية
قال السيسي لياسر رزق: "واحد زي أبو الفتوح لو كان مسك..."، فبادره رزق: "كان هيعلقنا زي الدبيحة. ده إخواني"، فوافقه السيسي: "ده إخواني متطرف". ورغم أن أيًا من السيسي أو ياسر رزق لم يعترف بصحة التسريبات، إلا أن الواقع الآن أقر بصحتها بعد اعتقال أبو الفتوح واتهامه بالانضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام القانون! علمًا بأنّ أبو الفتوح فصل من جماعة الإخوان المسلمين في 2011، وترشح للرئاسة في 2012 منافسًا لمرسي، وبعد حُكم مرسي، حُسب من معارضيه، وكان وحزبه من المؤيدين لـ30 حزيران/يونيو 2013.
ورغم أنّ تهمة النيابة لأبو الفتوح كانت الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، إلا أنّ وزارة الداخلية أصدرت بيانًا عقب اعتقال أبو الفتوح، وصفته فيه بـ"القيادي الإخواني"، وقالت إنها رصدت اتصالات ولقاءات جمعت بين أبوالفتوح ومن أسمتهم بقيادات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وذكرت من بينهم جمال حشمت.
قطب العربي، الصحفي المصري المقيم حاليًا في تركيا، والأمين العام المساعد الأسبق للمجلس الأعلى للصحافة، كذّب بيان الداخلية، بتدوينة نشرها على فيسبوك، أوضح فيها أن جمال حشمت لاجئ سياسي في كندا، ولا يستطيع الخروج منها حاليًا إذ لم تنتهِ المدة القانونية التي تسمح له بحرية الحركة.
كما ذكر بيان الداخلية حسام الدين الشاذلي باعتباره قياديًا في التنظيم الدولي، لكن قطب العربي نفى أن يكون للشاذلي علاقة بالتنظيم الدولي، قائلًا إنه مُستقل، بل معارض للإخوان.
توحيد المعارضة
لدى أبو الفتوح تاريخ طويل في النضال السياسي، من وقت الجامعة في السبعينات والمواجهة الشهيرة مع السادات، فيما عرف بـ"مناظرة السادات"، وحتى حين كان عضوًا قياديًا في جماعة الإخوان المسلمين، بآراء ومواقف مستقلة، تعرض بسببها للهجوم من قبل أعضاء وقيادات الجماعة.
وكان اعتقال أبو الفتوح مفاجئًا إلى حد ما، كونه زعيم حزب سياسي "شرعي"، فضلًا عن القطيعة بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين منذ 2011، بل إنه كان من المؤيدين لتظاهرات 30 حزيران/يونيو 2013. وقد كان اعتقاله سببًا في حالة من شبه التوحد بين قوى المعارضة المصرية، والتي أصدرت بيانات تنديد وإدانة.
نددت كافة قوى المعارضة باختلافها، باعتقال عبدالمنعم أبو الفتوح، ليكون اعتقاله بقسوته، مُجمّعًا لقوى المعارضة المصرية المشتتة
وقد أدان الاعتقال وندد به كل من حزب الدستور والتحالف الشعبي وحزب العيش والحرية، والحركة المدنية الديمقراطية وجماعة الإخوان المسلمين، وحركة الاشتراكيين الثوريين وحركة 6 أبريل.
كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلًا مع اعتقال أبو الفتوح، ساد التنديد بالاعتقال الجو العام، من منتمين لتيارات سياسية مُختلفة. البعض يرى أنها ربما تكون فرصة سانحة للدفع نحو توحيد عملي لقوى المعارضة، في وجه النظام الذي أمعن في التنكيل والقمع بدرجات غير مسبوقة.
اقرأ/ي أيضًا: