25-أغسطس-2024
الانتفاضة

(Getty) الظروف مهيأة لانتفاضة ثالثة في الضفة الغربية

تتخوّف أوساطٌ إسرائيلية من إمكانية انطلاق انتفاضةٍ ثالثة في الضفة الغربية، وفي هذا الصدد يرصد محللون استراتيجيون في إسرائيل عوامل جديدة من شأن تراكمها أن أن يُشعل فتيل الانتفاضة الثالثة.

ويجزم رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، ميخائيل ميلشتاين، أنّ الضفة الغربية "تغلي بعد 10 أشهر من الاستقرار النسبي".

وأرجع ميلشتاين أسباب ذلك الغليان، في مقالٍ له في صحيفة يديعوت أحرنوت، إلى عدة أسباب، أهمّها: "محاولة المقاومين في الضفة الغربية تقليد أساليب غزة، والسلاح القادم من إيران، وانهيار فتح، وحالة المقاومة في جنين، ووجود قائدٍ جديد لحماس في الضفة الغربية مصممٍ على إثبات نفسه".

وأسقط المحلل الاستراتيجي الإسرائيلي من حساباته، عن قصدٍ، السبب المباشر لغليان الضفة الغربية، ألا وهو المجازر التي يستمر جيش الاحتلال في ارتكابها في قطاع غزة، وتفاقم ما أسماه رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك"، رونين بار، ظاهرة "الإرهاب اليهودي" في الضفة الغربية، والممارسات القمعية المنهجية لقوات الاحتلال والاعتداءات اليومية على الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم من طرف المستوطنين هناك.

دور السلطة الفلسطينية وجهود الجيش الإسرائيلي حالت حتى الآن دون سيناريوهاتٍ مرعبة مثل انتفاضةٍ ثالثة، ستؤدي قريبًا إلى تحدٍّ إستراتيجي شديد لإسرائيل

وفي وقتٍ تزايدت فيه عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية خلال الأسبوعين الماضيين، يرى المحللون الاستراتيجيون "أن دور السلطة الفلسطينية وجهود الجيش الإسرائيلي حالت حتى الآن دون سيناريوهاتٍ مرعبة مثل انتفاضةٍ ثالثة" ستؤدي قريبًا إلى تحدٍّ إستراتيجي شديد لإسرائيل، بتعبير ميلشتاين.

عوامل 3 متشابكة

ليس التصعيد بجديدٍ على الضفة الغربية، لكنه تسارع نتيجةً لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ويركز الخبراء في إسرائيل على 3 عوامل متشابكة، يرون أنها مسؤولة عن تصعيد العمليات في الضفة.

أوّل هذه العوامل، حسب مقال يديعوت أحرنوت، هو "الجهود المتنامية التي تبذلها حركة حماس لإشعال المنطقة وتعزيز مكانة المنظمة في الضفة الغربية"، ويروج لأغلب هذه الجهود، حسب يديعوت أحرنوت، "زاهر جبارين، رئيس حماس في الضفة الغربية، الذي عُيّن في هذا المنصب بعد اغتيال صالح العاروري في كانون الثاني/يناير 2024".

وبحسب مقال الصحيفة الإسرائيلية، فإن زاهر جبارين "مثل السنوار والعاروري، سُجن مدةً طويلة وحكم عليه بالسجن عدة مؤبدات في عام 1993 قبل أن يُطلق سراحه في صفقة شاليط، وهو يتحدث العبرية بطلاقةٍ، وعلى درايةٍ جيدة بأسرار المجتمع الإسرائيلي. وهو يعمل حاليًا من تركيا".

ويزعم ميلشتاين أن جبارين هو "المموّل الأول لحماس، ويسيطر على شبكةٍ من الشركات والشركات العقارية وجمع الأموال".

ويزعم أيضًا أنّ جبارين "يريد أن يُثبت أنه ليس أقل من سلفه، وفي الوقت نفسه يظهر مساهمة الضفة الغربية في النضال الوطني، ردًّا على الانتقادات الداخلية بأن انتفاضةً ثالثة لم تندلع للتخفيف على قطاع غزة المنهك".

ويضيف المحلل الإسرائيلي أنّ "الضفة الغربية هي نقطة الضعف في إسرائيل"، مؤكدًا أنه "منذ حوالي شهر، والمقاومة هناك قادرة على اختراع أدواتٍ جديدة للقتال، بينما تظهر جميع استطلاعات الرأي أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يفضلون الكفاح المسلح، وهو ما ظهر بالفعل عندما قادوا الانتفاضتين الأولى والثانية".

ويذهب ميلشتاين، في محاولة لا تخلو من التشويه، إلى الزّعم أن "قصة حياة جبارين هي الرغبة في تخليص نفسه من صورةٍ قاتمة وإثبات أنه قائد قدير"، ناقلًا عن العميد المتقاعد ورئيس المخابرات السابق في مصلحة السجون، يوفال بيتون، قوله: "لم يكن جبارين أبدًا قائدًا بارزا بين السجناء. ويُنظَر إليه على أنه قائدٌ تكتيكي يأتي من الأطراف (بلدة سلفيت)، ومن المرجح أن اختياره نائبًا للعاروري جاء لأنه لم يعدّه تهديدًا. إنه يستمد مكانته من كونه من أوائل الذين انضموا إلى الجناح العسكري في الضفة الغربية ومن حقيقة أنه كان الرجل الذي جنّد يحيى عياش. وبعد أن وجد نفسه في طليعة المسرح، عقب اغتيال العاروري، يريد أن يثبت أنه قائدٌ جدير".

العامل الثاني من عوامل التصعيد في الضفة الغربية، حسب التحليلات الإسرائيلية، هو "سعي إيران أو محاولتها تسليح الضفة الغربية"، فإيران، حسب المقال، "كانت تعمل قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر على إشعال المنطقة من خلال تمويل وتشجيع البنية التحتية المحلية وإغراق الضفة الغربية بالأسلحة". مضيفًا أن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني "يروّج لجهودٍ مكثفة لتهريب الأسلحة من سوريا عبر الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، ومن ذلك القنابل القوية والألغام وقاذفات آر بي جي".

مشيرًا إلى أنّه قبل 3 أشهر من حدث عملية طوفان الأقصى، "أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة، اتخاذ إجراءاتٍ وصياغة خطط لتسليح الضفة الغربية من أجل التوصل إلى تحولٍ استراتيجي، ومن ذلك عن طريق تهريب الأسلحة وشرائها من عناصر في إسرائيل. الهدف هو الانتقال من الهدوء إلى المقاومة".

وتابع المقال: "جهود حماس وإيران تغير الواقع الأمني في الضفة الغربية. تواجه قوات جيش الدفاع الإسرائيلي العاملة في شمال الضفة شبكات تقوم بالقتال في المناطق المبنية وتفجير عبوات ناسفة بكثافة غير مسبوقة في المنطقة. ومع اشتداد التهديد، يصعّد الجيش الإسرائيلي أيضًا، عبر التشغيل الواسع النطاق للطائرات من دون طيار، وهي أداة امتنعت إسرائيل عن استخدامها في الضفة الغربية 17 عامًا".

وكنتيجة للتصعيد الإسرائيلي المميت فإنه "منذ تشرين الأول/أكتوبر، تم قتل نحو 570 فلسطينيًا في الضفة الغربية، 70% منهم في شمال الضفة و100 منهم في غارات جوية" حسب يديعوت أحرنوت.

واعتبر المحلل الاستراتيجي ميلشتاين أن البنية التحتية لحماس "تتميز بالجرأة والتنظيم والتطور أكثر مما كانت عليه في الماضي، وتركز على الهجمات ضد الأهداف العسكرية والمدنية في الضفة الغربية، وضد المجتمعات على طول خط التماس، وتتوسع باتجاه طولكرم وأريحا، وتحاول إعادة العمليات إلى قلب إسرائيل، ولكنها في الوقت نفسه تطور تقليدًا لأساليب غزة، مثل تصنيع الصواريخ والتخطيط لغاراتٍ على المستوطنات الإسرائيلية".

ويشير المحللون في إسرائيل إلى عوامل أخرى محفزة للفلسطينيين على المقاومة في الضفة، وبشكلٍ خاص في نابلس ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية التي يعدّها المحللون الإسرائيليون مصدرًا محوريًا للتهديدات الأمنية لإسرائيل.

نابلس ومخيمات اللاجئين مناطق تخشى السلطة الفلسطينية العمل فيها، وتوجد فيها جميع مكونات الحريق: الضائقة الاقتصادية، استمرار استحضار الفلسطينيين لذكرى النكبة البطالة، الفراغ الحكومي

وفي هذا الصدد يقول أريك باربينغ، الذي شغل منصب رئيس منطقة الضفة الغربية والقدس في الشاباك حتى عام 2019: "إن نابلس ومخيمات اللاجئين مناطق تخشى السلطة الفلسطينية العمل فيها، وتوجد فيها جميع مكونات الحريق: الضائقة الاقتصادية، استمرار استحضار الفلسطينيين لذكرى النكبة (التي أدت إلى تهجير فلسطينيي 48 إلى هذه المخيمات) التي تنتقل من جيل إلى جيل، البطالة والفراغ الحكومي".

ويقود هذا إلى الحديث عن العامل الثالث الرئيسي وهو ضعف السلطة الفلسطينية الذي يعود حسب مقال يديعوت أحرنوت لسببين هما: "الصورة السلبية في الداخل كجسمٍ فاسد ومهتز بعكس سلطة حماس في غزة، والتضييق الذي تفرضه إسرائيل (موازنة عائدات الضرائب وتقييد حركة العمال إلى إسرائيل) إذ تجعل من الصعب العمل باستمرارٍ، وذلك يسهم في خلق أزمةٍ اقتصادية تؤدي إلى فقدانٍ تدريجي للسيطرة على الأرض وخاصةً في نابلس".

وقدّم مقال يديعوت أحرنوت كدليلٍ على ضعف السلطة عملية "المحاولة الفاشلة قبل 3 أسابيع اعتقال أبو شجاع (محمد جابر)، قائد كتيبة طولكرم التابعة للجهاد الإسلامي، الذي نقل إلى المستشفى في المدينة بعد إصابته في محاولة اغتيال إسرائيلية، حيث قوبلت قوات الشرطة الفلسطينية التي دخلت المبنى بحشدٍ غاضب طردهم من المبنى وأنقذوا الرجل المطلوب وحملوه على أيديهم في موكب".

وبحسب التقييم الذي خلص إليه مقال يديعوت أحرنوت، فإنّ حركة فتح تشهد تفككًا متسارعًا الآن، و"تنعكس هذه العملية في نمو المليشيات المحلية التي لها ظاهريًا علاقات مع المنظمة الأم، ولكنها في الواقع تعمل كمنظمات ذات طابع إسلامي متطرف".

وأن مناطق عدة في الضفة الغربية، ولا سيما جنين وطولكرم، تشهد "تعاون عناصر من فتح مع عناصر حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لتشكيل خلايا مقاومة".

وكخلاصة يدعو مقال يديعوت أحرنوت إلى "النظر بحذرٍ ثاقب إلى الضفة الغربية، والتركيز على الاستقرار الاقتصادي، وتقوية السلطة الفلسطينية، وتعزيز ردع الشعب الفلسطيني" لمواجهة حالة التصعيد الراهنة. ولتعزيز القدرة على المواجهة، سيكون على دولة الاحتلال أيضًا حسب المقال، "إنهاء حملات الاستنزاف في الشمال والجنوب والتركيز على التهديد الإيراني".